هل تشعر دائماً بأنك مُراقب خارجي لأفكارك ومشاعرك؟ تشعر بأن كل ما مرّ ويمر عليك ما هو إلا كأحداث فيلم سينمائي، وألّا شيء يحدث لك حقيقةً، هنا يُمكنك التعرّف على اضطراب تبدد الشخصية، الذي يجعلك بدرجة ما مُنفصلاً عن التوحد مع مشاعرك وأفكارك وأحداث حياتك.
الاضطرابات الانفصالية
قبل التعرّف على اضطراب تبدد الشخصية علينا التعرف على الاضطرابات الانفصالية، التي يُمثل اضطراب تبدد الشخصية واحداً من أنواعها.
تُعدّ الاضطرابات الانفصالية/ الانشقاقية، اضطرابات عقلية تتضمن الإصابة بالانفصال وفقدان التواصل بين الأفكار والذكريات والأحوال المحيطة والأفعال والهوية، تشمل أمثلة الأعراض الانفصالية تجربة الانفصال أو الشعور كما لو كان الشخص خارج جسمه، وهناك بعض الأمثلة الشائعة مثل أحلام اليقظة والتوحد التام مع كتاب أو فيلم، يهرب المصابون بهذا الاضطراب من الواقع بطرق لا إرادية وغير صحية وتسبب المشكلات التي تعوق أداء الوظائف في الحياة اليومية.
تحدث الاضطرابات الانفصالية عادةً كرد فعل تجاه الصدمات، وللمساعدة في إبعاد الذكريات الصعبة عن الإدراك، وتتراوح أعراضها بين فقدان الذاكرة والهويات البديلة، ويتوقف هذا إلى حد ما على نوع الاضطراب الانشقاقي الذي أصاب المريض، وقد تؤدي أوقات الضغط النفسي إلى تفاقم مؤقت في الأعراض، مما يجعل الأعراض أكثر وضوحاً.
أثناء تجربة مؤلمة مثل وقوع حادث أو كارثة أو إيذاء، يمكن للانفصال أن يساعد الشخص على تحمل ما قد يصعب تحمله، في مواقف كهذه، قد يفصل الشخص نفسه عن ذكرى المكان أو الظروف أو المشاعر المتعلقة بالحدث، متجنباً عقلياً الخوف والألم والرعب، قد يجعل ذلك من الصعب تذكر تفاصيل التجربة فيما بعد، كما ذكر العديد من الناجين من الكوارث والحوادث.
أنواع الاضطرابات الانفصالية.
هناك ثلاثة أنواع من الاضطرابات الانفصالية، وهي:
1- فقدان الذاكرة الانفصالي:
وتتمثَّل الأعراض الرئيسية في فقدان الذاكرة، الأكثر حِدة من النسيان الطبيعي، ويتعذر تفسيره بالحالة الطبية، فيتعذر على المريض تذكر المعلومات المتعلقة به أو الأحداث أو الأفراد في حياته، وخاصةً خلال حدوث صدمة.
يمكن أن يقتصر فقدان الذاكرة الانفصالي على الأحداث في وقت معين، وتحدث نوبة من فقدان الذاكرة عادةً فجأة، ويمكن أن تستمر لدقائق أو ساعات، ونادراً لأشهر أو سنوات.
2- اضطراب الهوية الانفصالي:
هذا الاضطراب المعروف باضطراب الشخصية المتعدد، يتصف بتحول الشخص بين الهويات البديلة، فقد يشعر المريض بوجود شخصين أو أكثر يتحدثون أو يعيشون داخل عقله، وقد يشعر وكأنه خاضع لتأثير هويات أخرى، يمكن أن يكون هناك اختلاف واضح في الهويّات داخل المريض بما يتضمن الاختلاف الواضح في الصوت والنوع والنمط السلوكي وكذلك المؤهلات البدنية مثل حاجة إحدى الهويّات إلى ارتداء نظارات مثلاً.
يكون المصابون باضطراب الشخصية الانفصالي عادةً مصابين بفقدان الذاكرة الانفصالي أيضاً.
3- اضطراب تبدد الشخصية/ الاغتراب عن الواقع:
يتضمن هذا الاضطراب شعوراً مستمراً أو عرضياً بالانفصال أو الخروج من الذات، ومراقبة تصرفاتك ومشاعرك وأفكارك ونفسك من بُعد كما لو أنك تشاهد فيلماً. قد تشعر أن الأشخاص الآخرين والأشياء المحيطة بك منفصلة وضبابية أو خيالية، وقد يصبح الوقت بطيئاً أو سريعاً، وربما يبدو العالم غير حقيقي (الاغتراب عن الواقع).
قد تعاني تبدد الشخصية أو الاغتراب عن الواقع أو كلاهما. قد تستمر الأعراض، التي يمكن أن تكون مؤلمة لبضع دقائق فقط، أو تأتي وتذهب لعدة أعوام.
اضطراب تبدد الشخصية ..كيفية تشخيص الإصابة؟
كما سبق الذكر، يحدث اضطراب تبدد الشخصية والغربة عن الواقع عندما تشعر بشكل دائم أو متكرر بأنك تراقب نفسك من خارج جسمك أو تشعر بأن الأشياء التي حولك ليست حقيقية، أو كلا هذين الشعورين، قد يكون الشعور بالغربة عن الواقع وتبدد الشخصية مزعجاً، وقد تشعر بأنك تعيش في حلم.
كثير من الناس يمرون بتجربة الغربة عن الواقع أو تبدد الشخصية في فترة ما من حياتهم بشكل عابر، ولكن عندما تستمر مثل هذه الأحاسيس والمشاعر في الحدوث أو لا تختفي بشكل كامل على الإطلاق وتتداخل مع قدرتك على العمل وتأدية الأنشطة الحياتية، فمن المحتمل أنك مصابٌ باضطراب الغربة عن الواقع وتبدد الشخصية.
أعراض اضطراب تبدد الشخصية
تتضمن أعراض تبدد الشخصية ما يلي:
- الشعور بأنك مراقب خارجي لأفكارك ومشاعرك وجسمك أو أجزاءٍ منه، تشعر بأنك تطفو في الهواء فوق نفسك على سبيل المثال.
- الشعور بأنك إنسان آلي وفقدت القدرة على التحكم في كلامك وحركاتك.
- تشعر بأن جسمك وساقيك وذراعيك في حالة تشوه أو تضخم أو تقلص، أو أن رأسك مغلف بالقطن.
- التخدير العاطفي أو البدني لحواسك أو استجاباتك للعالم حولك.
- الشعور بفقد العاطفة في ذكرياتك، والحيرة في تحديد كونها ذكرياتك الخاصة أو لا من الأساس.
بالإضافة إلى أعراض الغربة عن الواقع، والتي تتمثل في:
- شعور بالاغتراب عن البيئة المحيطة أو عدم الألفة بها، كأن تشعر على سبيل المثال بأنك في فيلم أو حلم.
- شعور بالانفصال العاطفي عن الأشخاص المهمين بحياتك، كما لو أنه يفصلك جدار زجاجي عنهم.
- شعور بتشوش البيئة المحيطة أو عدم وضوحها أو انعدام الألوان بها أو بأنها زائفة أو على جانب آخر فرط الوعي بهذه البيئة ووضوحها له.
- تشوش في إدراك الزمن، كالشعور بأن الأحداث التي جرت مؤخراً من الماضي البعيد.
- تشوش في تقدير مسافة الأجسام وحجمها وشكلها.
يمكن أن تستمر نوبات اضطراب الغربة عن الواقع وتبدد الشخصية والمحيط لعدة ساعات أو لأيام أو لأسابيع، بل ولشهور أحياناً، قد تتحول هذه المشاعر لدى البعض إلى شعور مستمر بتبدد الشخصية أو بالغربة عن الواقع، ويمكن أن يتفاقم أو يتحسن بشكل دوري.
علاج اضطراب تبدد الشخصية
الطريقة الأكثر فاعلية للتعامل مع اضطراب تبدد الشخصية/ derealization هي العلاج النفسي، أحد الأساليب التي يتم استخدامها غالباً هو العلاج المعرفي السلوكي.
وخلال هذا العلاج تتم مُحاولة استدعاء الحواس لمساعدة الشخص على الشعور بالاتصال أكثر بالواقع، مثل: تشغيل الموسيقى الصاخبة للانخراط في السمع، على سبيل المثال، أو حمل مكعب من الجليد لمساعدة الشخص على الشعور بالارتباط بالإحساس.
الطرق الأخرى التي تكون مفيدة في بعض الأحيان هي التقنيات الديناميكية النفسية التي تركز على العمل من خلال النزاعات والمشاعر السلبية التي يميل الناس إلى الانفصال عنها، وتتبعها من لحظة إلى الأخرى، مع التركيز على ما يحدث في الوقت الراهن.
لا توجد أدوية معتمدة على وجه التحديد لاضطراب تبدد الشخصية، يصف الأطباء في بعض الأحيان الأدوية المضادة للقلق ومضادات الاكتئاب، للمساعدة في تخفيف أعراض الحالة على الرغم من أن أيّاً منها لن يعالجها مباشرة.
من خلال العلاج المستهدف والشخصي يتعافى بعض الأشخاص تماماً من اضطراب تبدد الشخصية، تكون فرص ذلك أفضل عندما يحدث التعامل بنجاح مع الضغوطات الأساسية التي أسهمت في حدوث الحالة.