أزقةُ الفرحِ ضيقة لكن الحكمة الإلهية وراء كل ما يحدث

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/12 الساعة 16:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/12 الساعة 16:30 بتوقيت غرينتش
فتاة مسلمة ترتدي الحجاب/ صورة تعبيرية Istock


جربتَ مرة أن ترتفع بفرحك عالياً حتى السماء السابعة، تقطف جميع عناقيد الشغف، وتعود مُتدلياً تتأرجح على وقع ابتسامة ارتُسمت على شفتيك بغتة، تقفز من فرحك لتعود لتقطف المزيد والمزيد، والابتسامة ما تزال كالوشم، كالعناق الأول، ككل الأشياء المُحببة لديك.

تظن أن أوجاعك تلك لن تعود لتؤذيك ولن تجرؤ على الاقتراب، وأن قلبك الذي كان يُخابط ويُنازع في الدقيقة الواحدة ما يُعادل ألف موتة سينبض من جديد، وسيدخله الهواء والشغف وما كان يفتقد، تظن أن الشخص المُناسب قد جاء، وما انتظرته سنوات على بُعد خطوة واحدة منك، ولكن سرعان ما يلبث أن يَخيب ظنُّك ويتبخر!

جربتَ أن تضُم أحدهم إليك تحبهُ ملء قلبك، تخشى عليه حتى من أنفاسك، تُداعب الفرح في عينيه برفق ولين، تُمسك به بشدة حتى كأنه الغصن الباقي من الشجرة التي اعتليت أغصانها يوماً ما واحداً تلوَ الآخر، غصناً ليناً تركك تسقُط بسهولة ولم يلتفت إلى ارتطام روحك، وآخر أُفلِت منك رغم محاولاتك الجمّة للتشبث به وجميعها باءت بالفشل..

وأما هذا فيرتبط بك كعقدة الحبل حتى الرمق الأخير، هو الوحيد الذي لم تتزعزع يدك من يده، مع كُل عقبة في حياتك وكُل انحناءة لروحك إلى الأسفل تجده القريب والمُعين، حتى إنه الوحيد الذي لم يضلّ قلبك خارطة أول نبضة تجاهه، اعتدته، وجوده وحديثك معه كأنهُ قطعة من روحك، يُلازمك وسواس أنه سيذهب سواء الآن أم لاحقاً، كما ذهب عشرات ممن فتحتَ لهم قلبك وأسكنتهم فيه بترف مُتقَن، وتربصوا به بخيبة مُتقنة أيضاً!

أشياء نُحبها، أماكن نعشقها، طرقات نتقصد السير فيها، لأنها يوماً ما، جمعتنا بمن نحب..

خيبات مُتتالية، وخذلان لا مفر منه، وروح تنازع داخلك كلما فقدت أحداً راهنتَ الزمن ومخاوفك على أنه لن يتركك، ولكن سرعاً ما أشاح عنك وخسرتَ الرهان!

قلبك الذي فقد أشكال الفرح، اتكأ عليهم أمالوه ولم يُقوموه، زادوا انحناءه بشكل يدعو إلى الشفقة، حتى إنكَ لفرط خذلانهم لكَ المُتواصل لم تعد تعبأ بدخول أحد إلى قلبك أو خروجه منه..

تحاول بشتى الوسائل أن تغلقه، أن تنطوي على نفسك وحيداً إلا من قلم وورقة تبث لهما شكواك، قلم لن يُخيبك، يُلازمك حتى آخر نقطة حبرٍ فيه، وورقة أقسمتْ عليك أن تمتطي ظهرها وتُفرغ كل ما بجُعبتك من آلام دون أن تمل من شكواك أو تضجُر..

أنتَ هنا حيثُ الذكريات، حيثُ الفرح الذي ما لبث أن تنحَّى عنك، حيثُ الخذلان بمن داسَ على بركةِ الدم في قلبك بعد أن أحاله إلى جُثة لا تنبض، ولم يعبأ بأن قدميه تقطُران!

أنتَ تتبلد إلى حد أن أكثر.. أكثر من تُحب، لو قرر الرحيل فستفسح له المجال لا أسف عليه..

أن تربط حياتك بأحدهم هلاك من نوع آخر، ربما لا تدركهُ الآن ولكنك ستدركه لاحقاً سواء بخيبة، أو فراق شاءت الأقدار ببعده عنك..

أحدهم قال لي يوماً، إن أعظمَ إنجاز يقدمهُ الشخص لنفسه، هو أن ينحاز بمشاعره إلى الشخص الوحيد، الذي أفعاله تُثبت لنا أنه يُحبنا بصدق، لا حديث شبعنا من سماعه ووعود بالبقاء كاذبة..

كثيرةٌ هي الأشياء التي تحدث معنا وحدثت على مرّ العصور، نسأل أنفسنا: لماذا حدثت؟ وما الحكمة الإلهية من وراء حدوثها؟

كأن يتلبسُك الفرح، يُتقن رسم البسمة على شفتيك لساعات أو حتى للحظات حتى يتملكك بكُلِّك، إلى أن ينزلق منك كما تنزلق الماء من بين أصابعك بسهولة لا تُدرك معناها.

نحن حين نربط أمر سعادتنا بأشخاص وأحداث ننتظرها ونصرُّ على وجودها، ونلحّ بالدعاء نريدها هي لا غيرها، ونُفاجأ بأنها تأتينا جميع الأشياء التي ما طلبناها، وفقط التي ألححنا عليها وتملكت كُل سجدة سجدناها، وألفت انحناء رؤوسنا، وحضرت ليالي دمُوعنا، ورأت أيادينا المرفوعة إلى السماء لا تحدُث، لأن الخير وراء عدم حُدوثها، أو ربما لم يحِن وقتُها بعد، هنا تكمُن الرحمة الخفية من رب ما غفل عنّا يوماً، قد نبكي ونصرُخ ونهجُر الدعاء، ولكن حين نُدرك أن الله سبحانه ما صرف عن شيء إلا ليُحدث شيئاً آخر أكثر فرحاً، وما أشاحَ عن قلوبنا أشخاصاً إلا ليجلب له أشخاصاً تستحقهُ بصدق، وذاك هو العوض الجميل من الله لو أدركناه.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إسراء شنيك
مدونة فلسطينية
مدونة فلسطينية
تحميل المزيد