أنا مذيعة تلفزيونية.. وهذه طريقتي السرية للتوفيق بين البيت والأسرة والعمل

عربي بوست
تم النشر: 2019/10/24 الساعة 13:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/24 الساعة 18:19 بتوقيت غرينتش
نصيحتي الأولى لكل امرأة عاملة ابتعدي عن السهر المفرط، ابدئي يومك في البكور

كثيراً ما يعتقد ويقال ويردد مراراً وتكراراً عن المرأة العاملة إنها بالطبع مهملة في بيتها، وأنه بالتأكيد غير نظيف، ولا مرتب طيلة الوقت، ونادراً لو دخلت المطبخ وصنعت ما لذَّ وطاب من الطعام أو الحلويات، وأن "الديليفري" والأكل الجاهز هو صديقها الصدوق الذي تعتمد عليه، لأنها امرأة عاملة وليس لديها وقت للطبخ أو التنضيف. وكذلك يقال إنها مقصِّرة في حق أبنائها وإنهم ليسوا على المستوى المطلوب من التحصيل الدراسي والنظافة الشخصية والمظهر العام.


والحقيقة أن هذا المعتقد خاطئ جداً وليس له أساس من الصحة. مَن قال إنه لا بد أن تكون المرأة العاملة بهذه الصورة في بيتها. خروج المرأة للعمل ليس له أي علاقة بالاهتمام والنظافة والطبخ وأمور المنزل والاهتمام بالأولاد، وأعلم جيداً أنه سيختلف معي البعض، ولكن الأمر طبع شخصي ونمط حياة اعتادت وتربت عليه المرأة منذ الصغر؛ فمن تربت على النظام والترتيب والعيش بمكان نظيف رائحته جميلة ستبقى كذلك في أي زمان ومكان "حتى لو طلعت القمر" والعكس طبعاً صحيح، فهو نمط حياة، والدليل علي ذلك أن من النساء ربات البيوت وبحكم عملي في برنامج أسري اجتماعي يستقبل آلاف الرسائل من الجمهور، فشكاوى الرجال من زوجاتهم في عدم نظافتهن في منازلهن وأولادهن كثيرة -وهن غير عاملات متفرغات تماماً- فلا نستطيع أن نقول عليها قاعدة هي طبع واعتياد.

الحقيقة أنا كأم لثلاثة أبناء وزوجة وامرأة عاملة تعرضت لسؤال يتكرر عليَّ كثيراً: كيف تنظمين يومك وأنتِ أُم وزوجة وامرأة عاملة وطبيعة عملك تحتاج إلى قدر كبير من التركيز والاهتمام بكل تفصيلة حتى المظهر الخارجي؟ تعرضت للسؤال مرات بنوايا حسنة وبأسلوب لطيف، وتعرضت له بأسلوب سخرية "مممم يا ترى بتعرفي تطبخي بقى وتغسلي المواعين زينا كده ولا الشغالة عندك ليل ونهار" "مممم وعيالك يا عيني انت بتشوفيهم أصلاً" وهكذا سأنقل لكم تجربتي مع العمل بكل صدق ودقة:


دخلت مجال العمل بعد زواجي تقريباً بسبع سنين، والحقيقة أنا شخصية، كما يقال عنها "بيتوتية" أحب جو الأسرة والبيت، أهتم بتفاصيله الدقيقة ونظافته ونظافة أولادي ومظهرهم جداً "الشراب لازم يبقى لون البيجامة" ما من أحد يدخل بيتي في أي وقت، وبفضل الله يجده نظيفاً مرتباً رائحته جميلة تُشم قبل فتح الباب ذلك فضل الله.

اعتدت على هذا منذ صغري من  أمي -أعطاها الله الصحة وطول العمر- وحينما التحقت بالعمل سمعت همهمة البعض بأن هذا البيت الجميل المنظم سرعان ما سيتحول، والأولاد سيصبحون كمّاً مهملاً، والزوج يعينه الله عما سيراه لاحقاً.

 استخرت الله ودعوته كثيراً في سجودي أن يعيني ويقوي ظهري، وبدأت بتنظيم يومي، التنظيم ثم التنظيم ثم التنظيم.

أولاً تنظيم النوم، فالسهر عندي ليس له مكان، فالحادية عشرة أكون في سريري ويبدأ يومي قبيل صلاة الفجر بوقت وجيز، ولكن يتيح لي الفرصة لصلاة ركعتين ثم صلاة الفجر والأذكار.

ويغدو صوت الشيخ محمد رفعت في بيتي كما اعتدت عليه منذ الطفولة من أبي رحمة الله عليه، وأنطلق إلى المطبخ لترتيبه إن كان بقي فيه شيء من الليل وتنظيفه، فأنا أحاول أن أحرص على بقاء المطبخ نظيفاً اقتداء بالسنة النبوية، ثم تحديد ما سيطبخ اليوم وإخراجه من الفريزر وعمل جزء منه حتى يوفر عليّ وقتاً وجهداً بعد العودة.

 حقيقة هاتان الساعتان الصباحيتان قبل العمل وقبل نزول أولادي للمدرسة فيهما بَركة كبيرة أنجز فيهما الكثير من الأعمال "نشر الغسيل – ترتيب الغرف وكنس بالمكنسة – المرور على الحمام" ثم أبدأ في عمل السندويتشات للأولاد وإيقاظهم وشرب الحليب وكي الملابس و "المصروف أهم نقطة" واللبس، ينطلقون للمدرسة، وكطبيعة الأم أقف إلى أن يأخذوا المصعد بالوصايا العشر "خلّي بالك من أخوك – كل ساندوتشك – ما تضيعش مصروفك – دعاء الخروج من المنزل – وصل أختك للحضانة – ركز في الفصل"، ولن أكف حتى أسمعهم "حاضر يا ماما"، ولسان حالهم "ماما لو ما قلتش كده مش هتطمن"، أغلق الباب وأعود لاختيار ملابس العمل وأقوم بكيّها بنفسي أيضاً، والاستعداد للنزول، ولكن قبله أنظر إلى الثلاجة لدقائق، لأحدد ما ينقصنا من مسلتزمات المنزل لأحضره معي بعد العمل أو أرسله لزوجي في رسالة "طويلة عريضة كلها هات هات مفيش خُد.. عادة المرأة المصرية في كل زمان ومكان" أنزل بعدها إلى محطة الأوتوبيس العام متجهة إلى عملي.

بعد الانتهاء تقريباً أعود إلى بيتي في الخامسة.. أصلي العصر وأنتظر ربع ساعة أو أكثر قليلاً للراحة ثم أدخل للمطبخ للبدء في استكمال ما بدأته من طعام صباحاً تتخلله كلمات "يلّا يا ماما جعان ها خلاص لسه كتير" نضع الغداء، والحقيقة هذه مهمة زوجي وأبنائي يضعون معي الطعام وتجميعها بعد الانتهاء. آخذ قسطاً من الراحة بعدها ثم أعاود لمتابعة ما يحتاجه الأولاد ودروس ومتابعة المعلمة وما يحتاجه المنزل "أحط دور غسيل اللي ما بيخلصش ده" ثم متابعة وتحضير ما سيناقش غداً بالبرنامج.


طبعاً أحتاج على فترات أو في أيام الإجازة من عملي لسيدة تساعدني بتنظيف المنزل وخاصة النوافذ، فأنا لست المرأة الحديدية هيرو المنزل.

ولا ادَّعي المثالية في كل الأوقات، مؤكد أنه تأتي عليَّ بعض الأوقات أصاب فيها بالإرهاق والتعب، وأقصر، ولكن سرعان ما نعود لقواعدنا سالمين.

 لكل شيء في حياتي وقت، حتى دخولي للمطبخ أُحدده بوقت، لن أستغرق أكثر من هذا الوقت، متابعتي للسوشيال ميديا له وقت، وحديثي مع أصدقائي وحبيباتي أيضاً له وقت محدد.

 أنا من يحدد لكل جزء في حياتي أهميته ومدته، وليس الآخرين. 

أهتم وأحب قراءة الروايات، فلي معها حكايات منذ الطفولة، فأحدد لنفسي وقتاً للاستمتاع بقراءتها، وهو ما تغفله كثير من النساء، بإعطاء نفسها وقتاً للراحة للاسترخاء لسماع شيء تحبه، لممارسة هواية، للاهتمام الشخصي بنفسها، كل هذا يعطيك القوة والدافع للاستمرارية في دوامة الحياة.

أحاول أنا وزوجي وأولادي أن تكون لنا جلسة أسبوعية لتفقّد أحوالنا جميعاً، والتنظيم لأسبوع جديد، ومتابعة أمورهم، ومعرفة احتياجاتهم.

نصيحتي الأولى لكل امرأة عاملة ابتعدي عن السهر المفرط، ابدئي يومك في البكور "بورك لأُمتي في بكورها".

كوني منظمة ومجدولة لأمورك بالورقة والقلم. 

وزِّعي المهام بين أفراد الأسرة. 

أكثري من الاستغفار والتهليل والحمد كلما تعبتِ وأُرهقتِ.

لو كان في الاستطاعة استعيني بأحد للتنظيف في المنزل كل فترة.

خصِّصي وقتاً لذاتك، ولنسميه "لشحن الباور بتاعك" تمارسين فيه كل ما تحبين، ولا مانع من أن "تدلعي نفسك وتفسحيها وتجيبيلها هدية أو حاجة حلوة".

أسعدتني جملة قالتها إحدى القريبات مني "أنا ماحسّتش إن ندى اشتغلت، بيتها ما شاء الله قبل الشغل زي بعد الشغل"، وذلك بفضل الله، والاستعانة به والدعاء. 

أحببت أن أنقل تجربة بسيطة جداً ليست بالخارقة، لعلها تفيد الأخريات، وأحببت أن أُصحح هذا المفهوم الخاطئ المتداوَل عن المرأة العاملة، بل على العكس، فهي امرأة منظمة ليومها، ومحددة لهدفها، لديها تحديات تتخطاها، تستطيع التوفيق بين كل هذه المتطلبات، بالإضافة إلى استكمال دراسة أيضاً إن كان ماجيستير أو دورات ودبلومات وكورسات أونلاين.

دمتنّ عاملات منظمات، وأمهات ناجحات لا يخلو البيت من لمساتكن، ولا  رائحة الطعام الدافئة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ندى محمود
مقدمة برامج
تحميل المزيد