إيقاف الدورة الشهرية ممكن طبياً وغير مؤذ، وبالنسبة لبعض النساء، يمثل الأمر وضع نهاية للألم المدمر أو الأفكار السوداوية. وبالنسبة لأخريات فهو ببساطة التحرر من شعور الغرق وإدراك الحاجة إلى فوطة صحية أو سدادة قطنية، تم نسيانها في حقيبة اليد الأخرى!
بينما تدعو موجة جديدة من النشطاء والكُتاب النسويين إلى تقبل الدورة الشهرية، تبدو فكرة أن البعض لا يرغبن في نزيف شهري، ويسعين للتخلص منه كله متطرفة بعض الشيء.
يكمن الحل في موانع الحمل، فهي لا تمنع الحمل فقط.
إيقاف الدورة الشهرية بموانع الحمل
وتبين أن خمس النساء اللاتي يستخدمن غرسات منع الحمل (وسائل منع الحمل المزروعة) لم تعد ينزفن، كما تحقق طريقة تتناول حبوب منع الحمل بلا توقف النتيجة نفسها، وهذه ليست الطرق الوحيدة، وفق ما نشرت صحيفة The Guardian.
أثر هذه الممارسة يمكن أن يغير الحياة.
تقول جايمي كيندال، ذات الـ25 عاماً، من مدينة إكسيت بإنجلترا: "بدأت تناول حبوب منع الحمل الصغيرة (أحادية الهرمون تحتوي على البروجيستوجين فقط) فقط لكونها قد توقف دورتي الشهرية. حظيت لسنوات بدورات شهرية غزيرة للغاية تستمر لثمانية أسابيع أو أكثر وتتركني مصابة بفقر دم شديد إلى حد المعاناة من طنين النبض. عدم المرور بالدورة الشهرية بعد الآن نعمة" .
وهي ليست وحدها، فكاتريونا كلارك، ذات الـ25 عاماً، شعرت بسعادة غامرة حين أدركت أن بإمكانها إيقاف الدورة الشهرية بفضل حبوب منع الحمل.
وتقول: "لم تكن دورتي بهذا السوء، فقط غير مريحة ومزعجة، وبالنظر إلى درجة غلاء منتجات الدورة الشهرية، فهي إزعاج مكلف" .
بعض النساء يرغبن بتوقفها
لكن اعتبار الدورات الشهرية جزءاً أساسياً من إيقاع الجسد – شيء يمكن تحمله أو حتى الاحتفال به كل شهر هو وجه واحد للقصة.
والوجه الآخر هو الألم، والشعور بالامتلاء، والبشرة السيئة، والتقلبات المزاجية.
تشعر الكثير من النساء أنهن حبيسات في دائرة متعبة، ومرهقة، ولا يمكن التنبؤ بها.
فترة الحيض هي عملية يذرف فيها الجسد بطانة الرحم والبويضات غير المخصبة، وتنتج عن تقلب مستويات هرموني الاستروجين والبروجستيرون.
وعليه فمنع الدورة الشهرية لا يسبب "تراكماً" ولا هي ضرورية لـ "تنظيف الجسد".
غير أن الحيض يمكن أن يفاقم المشكلات الصحية الجسدية أو العقلية المعجزة بما في ذلك بطانة الرحم المهاجرة (الانتباذ البطاني الرحمي) والاكتئاب، وربما يكون مقلقاً أو إشكالياً لمن يعانون من اضطراب الهوية الجندرية.
ووفقًا لمسح حديث أجرته هيئة الصحة العامة بإنجلترا على 7500 امرأة، ذكرت نصف النساء واللاتي يبلغن من 16 إلى 64 عاماً مرورهن بمشكلات تتعلق بالحيض خلال العام الماضي، وترتفع النسبة إلى 75% بين من يبلغن من 16 إلى 24 عاماً.
لا مانع طبي لإيقاف الدورة الشهرية
وتقول الطبيبة جاين توماس، استشاري أمراض النساء والولادة بمستشفى جامعة هوميرتون في لندن، إن المرور بدورات شهرية عديدة ظاهرة حديثة، ذلك أن النساء تاريخياً أمضين معظم وقتهن حبليات أو مرضعات (ما يؤجل عودة الدورة الشهرية).
وتتابع: "هناك قلة من النساء اللاني كان لديهن طفلان فقط وحضن لبقية حياتهن".
وهكذا، إذا أرادت النساء أن يتخلين عن الدورة الشهرية، هل هناك سبب طبي يمنعهن؟ ربما يتفاجأ عديدون بمعرفة أن الإجابة المختصرة لهذا السؤال هي لا.
في حين تشير جاين إلى أن الدورة الشهرية المنتظمة علامة على الصحة الجيدة، تقول الطبيبة آن كونولي، مديرة قسم صحة النساء في الكلية الملكية للممارسين العامين ببريطانيا، إنه لا توجد أي فائدة صحية من الدورات الشهرية: "لا تحتاج 99% من النساء إلى النزيف" .
وتقول جوديث ستيفنسون، الأستاذة في الصحة الجنسية والإنجابية بجامعة كلية لندن، الأمر نفسه: "المرور بهذه الدورات الشهرية غير مفيد، في الواقع، إحدى المميزات العظيمة لعدم المرور بها قد يكون تقليص الإصابة بفقر الدم الناتج عن فقدان الحديد" .
موانع الحمل وسيلة سهلة نحو الغاية
ةخيار الاستغناء عن الدورات الشهرية متجذر في وسائل منع الحمل الهرمونية التي تستخدم تركيبات اصطناعية من هرموني الاستروجين والبروجستيرون لعرقلة دورة الحيض.
يمنع هذا الحمل (أي أن قرار وقف النزيف لا يتوافق مع محاولة إنجاب طفل)، ويرافقه أحياناً آثار أخرى، منها تخفيف النزيف أو وقفه تماماً.
صُمم العديد من وسائل منع الحمل الجديدة – بما في ذلك زرعات وحقن منع الحمل، واللولب الهرموني، وحبة منع الحمل الصغيرة أحادية الهرمون التي تحمل البروجستيرون فقط – للتناول المستمر، ما يعني أن المستخدم يمكن أن يمضي شهوراً أو سنوات بأمان دون نزيف الدورة الشهرية.
يمكن أن تكون الفوائد جمة، بدءًا من توفير المال وحتى الحد من المشكلات الصحية، بما فيها متلازمة المِبيَض متعدد الكيسات (PCOS) الذي يشمل خطر حدوث إشكالية تراكم الخلايا على بطانة الرحم.
في حين تمنع الدورة الشهرية الطبيعية المنتظمة حدوث التراكم، وعليه يمكن أن تكون مفيدة لهذه الحالة، إلا أن موانع الحمل الهرمونية (حتى لو كانت تسبب إيقاف الدورة) تفعل المثل، لأنها تبقي جدار الرحم رفيعاً.
فكرة أن النزيف ضروري مدفوعة بعقود من النصائح تفيد بأن النساء اللاتي يتناولن حبوب منع الحمل المركبة عليهن إيقافها لمدة أسبوع كل شهر.
يتسبب ذلك إما في إيقاف النزيف أو في حدوث دورة شهرية "مزيفة" (ولهذا السبب يُشار غالباً بالخطأ لحبوب منع المركبة على أنها "منظمة" للدورات الشهرية).
يدعي البعض أن مخترعي الحبوب هم من افتعلوا ذلك لجعلها مقبولة للكنيسة الكاثوليكية، بينما يقول آخرون إن السبب الرئيسي هو طمأنة النساء أنهن لسن حوامل ومنحهن راحة من جرعة الهرمونات العالية.
يقول الخبراء إن النساء حالياً يأخذن استراحة من الأدوية لسبعة أيام تتبعاً فقط للممارسات السابقة، رغم تغير تركيبة وجرعة حبوب منع الحمل المركبة عبر الزمن.
في يناير/كانون الثاني، حين حدثت كلية الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية (FSRH) إرشاداتها لتوضح أن الانقطاع لسبعة أيام بلا فائدة، شعرت نساء عديدات أنهن تعرضن للخديعة لينزفن شهرياً.
تضيف جاين أن الأطباء علموا منذ سنوات بإمكانية تناول حبوب منع الحمل المركبة دون أخذ إجازة، لكن العديد من النساء اللاتي تحدثت إليهن قلن إنهن لم يعرفن حتى قرأن التغيير في إرشادات الكلية.
تثقيف المرأة هام قبل اتخاذ القرار
لكن لا يرتاح الجميع لفكرة التخلي عن الدورة الشهرية.
تقول هولي جريج سبول، مؤلفة كتاب تنميق حبوب منع الحمل: أو كيف أدمنّا منع الحمل الهرموني، إنها تتفهم لمَ قد تختار بعض النساء ألا ينزفن، لكن هناك أبحاث محدودة عن الأثر طويل المدى لأخذ حبوب منع الحمل المركبة باستمرار.
وتضيف أن إخبار النساء بإمكانية وقف دورتهن الشهرية دون منحهن كل المعلومات يمكن أن يُرسخ المحرمات المتعلقة بالدورة.
وتفسر: "الأمر ببساطة شكل متطرف من أن نقول للنساء ابقين دورتكن ساكنة، أو أخفينها، أو كن متحفظات بخصوصها، أو لا تتحدثن عنها، أو لا تظهرن سدادتكن القطنية في طريقكن للحمام، أو شريكك لا يرغب بمعرفة أمر دورتك الشهرية" .
كذلك أظهر البعض قلقهم لكون النزيف علامة على أن المرأة لم تحمل. لكن جاين توضح أن الطريقة الوحيدة للتأكد من عدم الحمل هي إجراء اختبار الحمل، وتقول: "يمكنك بالطبع أن تنزفي وتكوني حبلى، لذا فالمرور بالدورة الشهرية أو انسحاب النزيف نتيجة تناول الحبوب غير مضمون" .
ويؤكد الخبراء كذلك أن إيقاف الدورة لن يؤثر على الخصوبة في المستقبل، وتفسر آن: "حين تتوقفي عن أخذ الهرمونات، تخرج من نظامك الحيوي بسرعة شديدة، وستعود دورتك إلى طبيعتها كما كانت قبل تناولك للحبوب" .
على كل، يسهل إيقاف النزيف بشكل مؤكد ببعض موانع الحمل أكثر من غيرها.
إذ يمكن أن تحقق أغلبية النساء اللاتي يتناولن الوسائل المتضمنة تركيبات صناعية من هرموني الاستروجين والبروجستيرون النتيجة المرجوة، لكن تقل احتمالية تحقيق الهدف بالطرق التي تتضمن تركيبة هرمون البروجستيرون فقط.
ويختلف النزيف تبعاً للوسيلة، فربما تتعرض بعض النساء للنزيف بشكل منتظم، أو غير منتظم، أو لمدة طويلة (وإن كان غالبًا نزيف خفيف). إذ لا تنزف 20% من النساء اللاتي يستخدمن زرعات منع الحمل، مقارنة بنسبة 68% ممن يأخذن حقن على مدار عامين من الاستخدام.
ودراسات الهرمونات مازالت غير شافية
ربما تفضل بعض النساء عدم استخدام موانع الحمل الهرمونية لأنها تجلب آثاراً جانبية غير مرغوب فيها مثل تقلبات الوزن والمزاج.
كذلك قد تزيد بعض الوسائل خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان، بما فيها سرطان الثدي (رغم أنها تقلل خطر الإصابة بسرطانات أخرى مثل سرطان الرحم).
توافق جاين أن هناك حاجة لأبحاث أكثر عن الآثار طويلة المدى لأخذ وسائل منع الحمل الهرمونية.
غير أنها تصرح هي وخبراء آخرون بضرورة وجود وعي أكبر بفوائد وسائل منع الحمل أكثر من كونها تمنع الحمل فقط، بدءً من إعاقة ظهور البثور، وحتى تقليل أعراض ما قبل الحيض.
ترغب بعض النساء في الخيار، وترفضه بعضهن، ولكل أسبابه. لكن أكثر نهج تمكيني لكل النساء هو ببساطة أن يترك لهن حق الاختيار لأنفسهن.