يشير تقرير جديد إلى أن الممارسة الشائعة بتناول أحد أدوية مرض السكري لإبطاء معدلات الشيخوخة قد يحد من بعض الفوائد الصحية المتوقعة التي يحصل عليها الجسم من التمرينات الرياضية في الكبار البالغين الأصحاء.
قد يثبط دواء ميتفورمين بعض التغيرات الجسدية الناتجة عن التمرين التي تساعد الأشخاص على التقدم في السن بطريقة صحية؛ وفقاً لما نشرته صحيفة The New York Times الأمريكية.
تغيير الطريقة التي يشيخ بها الأشخاص
أثارت هذه النتائج تساؤلات عن العلاقة بين العقاقير والأنشطة الجسدية في كبار السن الأصحاء وإذا كنّا كذلك نمتلك المعرفة الكافية عن كيفية التفاعل بين الأدوية والتمرينات الرياضية.
هذه النتائج مثيرة للقلق بشكل خاص بالنسبة للأصحاء الذين يفكرون بتناول هذا الدواء لإبطاء معدلات الشيخوخة.
يعتبر ميتفورمين حالياً الدواء الأكثر وصفاً في العالم لمرضى النوع الثاني من السكري. ويسمح ذلك الدواء لمرضى النوع الثاني من السكري بتحسين التحكم في مستوى السكر في الدم وحساسية الأنسولين، إلى حد كبير عن طريق الحد من كمية السكر التي يطلقها الكبد في الدم. وبالنسبة لمرضى السكري، فإن الفوائد تفوق المخاطر بوضوح.
لكن خلال السنوات الأخيرة، أصبح عدد من العلماء، والأطباء، والكثير من الأشخاص الآخرين في مرحلة منتصف العمر منجذبين لفكرة قدرتها أيضاً على تغيير الطريقة التي يشيخ بها الأشخاص الأصحاء.
فقد عاشت الديدان والقوارض التي أُعطيت دواء متفورمين أكثر ممن لم يحصلوا على الدواء. وتشير هذه الدراسات على الحيوانات إلى أنَّ هذا الدواء لا يحد من مستوى السكر في الدم فحسب، بل يحد من الالتهابات أيضاً وينتج تأثيرات خلوية أخرى تعدّل وتغيّر من الطريقة التي يشيخ بها الجسم.
فوائد أكبر لمكافحة الشيخوخة
والتمرينات الرياضية أيضاً تؤثر على الشيخوخة بكل تأكيد. أوضحت الدراسات على الحيوانات والبشر أنَّ النشاط الجسماني المنتظم يرفع من اللياقة البدنية للأشخاص ويزيد من حساسية الأنسولين لديهم، وهما الأمران المرتبطان بحياة أطول، وأصح.
لم يكن غريباً أن يتكهّن بعض الباحثين بأنَّ الجمع بين ميتفورمين والتمرينات الرياضية قد يؤدي إلى فوائد أكبر لمكافحة الشيخوخة عن اتباع أي من النهجين وحدهما. ولكننا لا نعرف سوى القليل عن كيفية تفاعل ميتفورمين مع التمرينات الرياضية وتأثير ذلك على أجسادنا وخلايانا.
لذا، ومن أجل دراسة جديدة، نُشرت في شهر فبراير/شباط في دورية Aging Cell، طلب باحثون بمؤسسة أوكلاهوما للبحوث الطبية التابعة لجامعة إلينوي ومؤسسات أخرى من أشخاص أصحاء ممارسة بعض التمرينات الرياضية إلى حد التعرق وتناول دواء ميتفورمين.
بدأوا الدراسة بمشاركة 53 من الرجال والنساء لا يمارسون الرياضة ولكن أصحاء في بدايات العقد السابع من العمر. معظمهم لديهم عوامل خطورة للإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، مثل التاريخ المرضي العائلي، ولكنهم غير مصابين به.
وقاس الباحثون اللياقة البدنية الحالية للمتطوعين، ومستويات السكر في الدم، وحساسية الأنسولين وكتلة الجسم. كما أخذوا عينات صغيرة للغاية من عضلات الساق للتحليل وقسموا المتطوعين عشوائياً لمجموعة تتناول دواء ميتفورمين ومجموعة تتناول دواءً وهمياً.
تحكم أفضل بمستوى السكر
بدأ كل المتطوعين برنامج تمرينات رياضية تحت الإشراف، بزيارة المختبر ثلاث مرات أسبوعياً للركض البطيء على المشاية الرياضية أو التبديل على العجلة الرياضية لمدة 45 دقيقة، واستمر هذا النظام لمدة أربعة أشهر.
ثم كرر الباحثون كل القياسات التي أجروها في بداية الدراسة وقارنوا نتائج المجموعتين.
تبيّن، منطقياً ودون مفاجآت، أن جميع المتطوعين الآن أصبحوا يتمتعون بلياقة بدنية أفضل وتحكم أفضل بمستوى السكر في الدم عن ذي قبل، فضلاً عن تحسُّن حساسية الأنسولين.
ومن المتوقع لهذه التغييرات الفسيولوجية أن تحسن من الكيفية التي تشيخ بها أجساد المتطوعين.
لكن ظهرت فوارق واضحة بين المجموعتين. بشكل عام، اكتسب الرجال والنساء الذين تناولوا ميتفورمين لياقة بدنية أقل، حيث زادت قدرتهم على التحمل بنصف مقدار ما زادت به قدرة من كانوا يتناولون الدواء الوهمي.
كما أظهر العديد ممن تناولوا ميتفورمين تحسناً أقل، إن وجد من الأساس، في حساسية الأنسولين. (بالكاد تغير وزن أي من أفراد المجموعتين خلال فترة الدراسة).
ثم نظر العلماء مجهرياً إلى عضلات المتطوعين ووجدوا فوارق كبيرة بين المجموعتين. كانت خلايا عضلات المجموعة التي تتناول الدواء الوهمي مليئة بالمتقدّرات (الميتوكوندريا) النشطة، والتي تعتبر بمثابة محطات الطاقة للخلايا.
تحوّل المتقدّرة الأكسجين والسكر إلى وقود خلوي في عملية تُعرف بالتنفس الخلوي. وزيادة معدل التنفس تعني بشكل عام صحة أفضل للخلية.
في خلايا عضلات من يتناولون الدواء الوهمي من الرجال والنساء، ارتفع معدل التنفس الخلوي بمقدار 25%، مقارنة بالمستويات عند بدء الدراسة.
ولكن لم يكن ذلك هو الحال في مجموعة ميتفورمين، والتي أظهرت بالكاد، إنَّ وجد على الإطلاق، تحسناً ضئيلاً في معدلات التنفس الخلوي.
التأثير على القنوات الطبيعية
يقول بنجامين ميلر، الباحث الرئيسي في برنامج أبحاث الشيخوخة والتمثيل الغذائي في مؤسسة أوكلاهوما للبحوث الطبية، والذي أشرف على الدراسة:
"في الواقع، أغلق ميتفورمين القنوات الطبيعية التي تكتسب بها خلايا العضلات معدلات أفضل للتنفس الخلوي المرتبط بالأنشطة الرياضية".
وبدون المتقدّرات النشطة، بدا أن الأنشطة الرياضية لدى من يتناولون ميتفورمين أقل قدرة على تحسين لياقتهم البدنية أو حساسية الأنسولين عن المتطوعين الآخرين.
ويحذّر دكتور ميلر من أنَّ تلك النتائج لا تعني أن يتوقف أو يتجنب الأشخاص تناول ميتفورمين، حتى لتعطيل الشيخوخة.
إذ تابعت الدراسة مجموعة صغيرة فقط من الأشخاص خلال فترة قصيرة نسبياً وفحصت جزءاً صغيراً للغاية من التأثيرات الجسدية الضخمة للتمرينات الرياضية مع تناول ميتفورمين.
كما لم تتضمن الدراسة مجموعة تتناول ميتفورمين دون ممارسة تمرينات رياضية.
يقول دكتور ميلر إنَّ النتائج تمنحنا سبباً للتفكير أكثر من مرة وبحذر قبل أن يتناول الأصحاء دواء ميتفورمين مع ممارسة الأنشطة الرياضية.
ويقول: "لم يكن هناك تأثير إضافي عند الجمع بينهما. بل بدا إن ميتفورمين والتدريبات الرياضية لا ينسجمان مع بعضهما".
وأكّد على الحاجة إلى المزيد من البحث لفهم تأثير ميتفورمين على المتقدّرات، والتمرينات الرياضية والشيخوخة. وإن الدراسة أثارت تساؤلات، على نطاق واسع حول تفاعل واستجابة التمرينات الرياضية للأدوية الأخرى.
وتابع ميلر:
"يتمتع الأطباء بدراية واسعة وكبيرة حول تفاعل الأدوية مع بعضها البعض، ربما حان الوقت للتفكير بين التفاعلات بين الأدوية والتمرينات الرياضية أيضاً".