يشتكي آباء العصر الحديث كثيراً من طول الوقت الذي يريد أطفالهم إمضاءه في استخدام أجهزتهم، سواء المحمولة أو اللوحية أو أجهزة الحاسوب، كما يشتكون من تغيير نمط نوم المراهقين وآثاره السلبية على أجسامهم التي ما زالت في طور النمو.
وإلى جانب الخوف من فقدان أطفالهم الإحساس بالعالم المحيط بهم، يقلق الآباء من الآثار طويلة المدى لاستخدام الشاشات أكثر من اللازم.
وبحسب دراسةٍ جديدة، لا تقتصر المشكلة على الشاشات وحسب؛ وإنما تتمثَّل بشكلٍ خاص في الوهج الأزرق الذي تبثه.
ويشير بحثٌ جديد أُجرِيَ في هولندا إلى أن الامتناع عن التعرُّض للشاشات قبل الليل بساعتين -أو حتى ارتداء نظارات تحجب الوهج الأزرق- قد يُغيِّر كثيراً من نمط نوم البالغين الصغار.
وقد قُدِّمَ البحث خلال الأسبوع الماضي في الاجتماع السنوي للجمعية الأوروبية لعلم الغدد الصماء ESE بمدينة ليون الفرنسية.
تغيير نمط نوم المراهقين
لاختبار الآثار المترتبة على الشاشات التي تبث الضوء الأزرق على أوجه المراهقين، أجرى الباحثون تجربتهم على 55 طفلاً هولندياً تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً ممن يستخدمون الشاشات يومياً بدرجات مختلفة.
بعد ذلك قُسِّمَ المشاركون إلى ثلاث مجموعات:
دُرِسَت إحداها أثناء استخدامها للشاشات بصورة طبيعية.
فيما ارتدت مجموعةٌ ثانية نظارات تحجب الضوء الأزرق الصادر من الشاشات.
وامتنعت الأخيرة عن التعرُّض للشاشات المُتوهِّجة تماماً.
ثم فُحِصَت جودة نوم كلٍّ من هذه المجموعات على مدى 5 أسابيع من خلال المذكرات اليومية، وآلات لرصد فترات النوم المريح للإنسان، ومن خلال أخذ عينات لمستويات هرمون الميلاتونين المرتبط بالنوم.
حجب الضوء الأزرق حسّن النوم
يقول الباحثون إن كلاً من نظارات حجب اللون الأزرق، وتقليل التعرُّض للشاشات قبل ساعاتٍ قليلة من النوم، أديا إلى حصول المشاركين على نومٍ أفضل بشكلٍ عام.
ويقول أحد كبار الباحثين، وهو الدكتور دريك جان ستينفرز، زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه وزميل قسم علم الغدد الصماء السريري بجامعة المركز الطبي بأمستردام، إن البيانات تُظهر أن الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات يتسبَّب جزئياً في بعض مشكلات النوم، مثل استغراق وقت طويل قبل الخلود إلى النوم.
ويستطرد ستينفرز في بيانه: "يُمضي المراهقون أوقاتاً متزايدةً أمام الأجهزة ذات الشاشات، وتنتشر شكاوى النوم في هذه المجموعة العمرية".
ويتابع: "والآن أظهرنا ببساطة أن هذه الشكاوى قد تنعكس بسهولة عند تقليل ساعات التعرض للشاشات خلال الليل، أو تقليل التعرُّض للضوء الأزرق".
بعض النصائح للآباء
توفِّر الدراسة نصائح عملية للآباء الذين يساعدون أطفالهم في الحصول على راحة مُجدية.
وقد أخبرت الدكتورة جينا بوسنر، طبيبة الأطفال بمركز ميموريال كير أورنج كوست الطبي بمدينة فاونتن فالي بكاليفورنيا، موقع Healthline الأمريكي، أن أحد الأشياء المثيرة في هذه الدراسة كانت استخدام النظارات التي تحجب الضوء الأزرق.
تقول بوسنر: "بالنسبة إلى مرضايَ الذي يرفضون تقليل الوقت الذي يمضونه أمام الشاشات، فهذا أمر رائع؛ لكنني ما زلت أعتقد أنه من الضروري ألا يتجاوز ساعتين يومياً من أجل زيادة النشاط البدني، وترك فرصة للأطفال للاسترخاء قبل النوم".
أما الدكتور دانيل فيشر، نائب رئيس قسم الأطفال بمركز سانت جون الطبي بمدينة سانتا مونيكا بكاليفورنيا، فقال إنه عند مُناقشة "العناية الشخصية المتعلقة بالنوم" مع العائلات، من الضروري ملاحظة أنه كلَّما قلَّ التعرُّض للشاشات قبل وقت النوم، سَهُل على الأطفال الخلود إلى النوم المريح بسرعة أكبر.
وتضيف فيشر: "النوم أمرٌ هام في هذه المرحلة العمرية، ويعاني عددٌ متزايدٌ من المراهقين من اضطراب النوم".
وتضيف: "قد يقدم ذلك للعائلات فهماً للمشكلات التي يعاني منها المراهقون مع النوم، ولطريقة تحسين جودة النوم عن طريق الحدِّ من التعرض للشاشات".
الآثار طويلة المدى لقلة النوم
يرى الخبراء أن هذه النقطة مهمةٌ على وجه الخصوص؛ لأن عدم الحصول على نوم كافٍ لا يعني بالضرورة الشعور بالتعب والعجز عن التركيز.
على المدى الطويل، قد يؤدي التعرُّض الطويل للشاشات إلى أمراضٍ يمكن الوقاية منها، مثل: السمنة، والسكري، وأمراض القلب.
ومع ظهور هذا البحث الجديد، يقول ستينفرز وزملاؤه الباحثون إنهم مهتمون الآن بما إذا كان لتقليل وقت الجلوس أمام الشاشات والنوم المتحسن آثار طويلة المدى. وما إذا كان الأمر نفسه ينطبق على البالغين.
ويضيف: "إن أمكننا تقديم تدابير بسيطة لمواجهة هذه المشكلة، يمكننا تجنُّب مشكلاتٍ صحية أكبر في السنوات القادمة".