لا مفر من اختبار شعور الخسارة، ولكن تختلف درجاتها من حيث الشدّة والتأثير السلبي والحزن الذي تُخلفه وراءها، لكنها أمر واقع.
ولأن الخسائر تحدث ولا طريقة لمنع حدوثها، فلا بد من التغلب عليها، وتخطي الأمر بأقل قدر من الدمار.
فكل خسارة فقدٌ؛ فقْد عزيز، أو فقْد أمل، أو فقْدٌ صحي، أو فقدٌ مادي.
نتعرف في هذا التقرير على كيفية التعامل مع الخسائر:
الخسائر الكبرى في الحياة
عندما نفقد شخصاً عزيزاً، نتعرض لوقت صعب وحرج وحزين؛ فالموت والطلاق مثلاً تغييران جذريان في نمط الحياة وليس مجرد خسارة إنسان عزيز.
تجعلنا الخسائر الكبرى مُخدَّرين، واقعين بالكامل تحت تأثير الصدمة، فيتأرجح التفكير السليم والقدرة على اتخاذ قرارات صحيحة.
مشاعر مماثلة، وإن كان ذلك بدرجة أقل، نختبرها بسبب فقدان العمل أو الوظيفة التي كنت تعتمد عليها لتسيير حياتك، أو ضياع المنزل بسبب حريق أو عدم سداد ديونك، إلخ..
ربما تتمثل الخسارة في فقدان صحتك الجيدة أو تساقُط الشعر أو ضياع المظهر الجميل الذي كنت عليه، أو تحطُّم السيارة التي اشتريتها بصعوبة في حادث سير.
كل هذه الأمور لها تأثيرات سلبية على الحياة، وهذه هي الخسائر.
تأثيرات الخسائر علينا
بخلاف التغيير الذي تُحدثه الخسائر في حياتنا، هناك تأثيرات أخرى يتركها الألم والحزن الناتج عن الفقد.
يَظهر هذا الشعور في جوانب حياتنا كافةً، ونتأثر جسدياً وعقلياً وعاطفياً وسلوكياً.
– جسدياً: فقد نشعر بفقدان الشهية، أو الإفراط في الطعام، أو ألم بالمعدة، والصداع، وغيرها من الآلام الجسدية المرتبطة بالحالة النفسية والتي قد تتطور وتتفاقم لتصل إلى حد الأمراض المزمنة.
– عاطفياً: تتمثل في مشاعر الحزن والغضب.
– عقلياً: قد يتعرض الشخص إثر الصدمة لضعف التركيز أو فقدان الذاكرة.
– سلوكياً: تدفعنا الخسائر إلى التصرف بطرق غير متوازنة .
يعبر كل إنسان عن الخسارة بشكل مختلف، فلا توجد قواعد محددة لاتباعها عندما نواجه أزمة الخسارة.
ولكن هناك بعض الأشياء التي يمكن أن تساعدنا على تخطي الأزمة والتعامل مع الأمر بإيجابية.
يجب أولاً هنا أن تأخذ بعض الوقت للحزن، لا يختفي حزنك بطريقة سحرية عندما تعود إلى العمل بعد بضعة أيام.
فالحقيقة هي أن الأمر سيستغرق ببساطة وقتاً طويلاً، ويختلف تقدير هذا الوقت من شخص إلى آخر، فلا يوجد كتالوج زمني مُحدد يسير عليه الحزن معنا جميعاً.
وخلال وقت الحزن هذا، يجب أن تجد له مُتنفساً صحياً لإخراجه؛ نعم، يمكنك البكاء.
التحدث مع الآخرين، الكتابة، العزف على آلة موسيقية، كلها منافذ يمكن من خلالها التعبير عن حزنك وعدم كتمه، والاحتفاظ به بداخلك.
كيف نمضي قدماً؟
1- أعطِ لمشاعرك المساحة الكاملة
لا عجب أن كثيراً من الناس يُخفون ألمهم ويتجاهلون مشاعرهم، لكن الحزن الذي لم يتم حله قد يؤدي إلى مضاعفات مثل الاكتئاب والقلق والإدمان والمشكلات الصحية.
فمحاولة تجاهل ألمك والاحتفاظ به داخلك فقط لن تؤدي إلا إلى تفاقم الوضع على المدى الطويل.
لكن إذا أردت الشفاء الحقيقي، فمن الضروري مواجهة حزنك والتعامل معه بفاعلية، لذا لا تحاوِل أن تكبت مشاعرك، ابْكِ واصرُخ، وقم بالتنفيس عن مشاعرك بالقدر الذي تحتاجه.
2- أخبِر من حولك بما تشعر به
في مجتمع اليوم، من المتوقع أن نتخلص من مشاعرنا سريعاً، ونرتدي قميصاً نظيفاً ونعود إلى الحياة في أسرع وقت ممكن، ولكن سابقاً كان الناس يستسلمون تماماً لحزنهم.
البعض كان يذهب إلى حد ارتداء ملابس حداد سوداء عدة أشهر في كل مرة، عملياً كانوا يصرخون من خلال الملابس السوداء.
لست مضطراً إلى فعل هذا، ولكن كل ما عليك هو أن تكون منفتحاً بشأن الحديث عن آلامك وأحزانك.
يمكن التعبير عمّا تشعر به مع المقربين، سيعطيك الحديث فرصة أفضل للتفكير والمشاركة، وسماع أصوات أخرى مختلفة بالطبع عن صوت أفكارك السلبية.
3- لا تبتعِد عمن يهتمون بك
قد ترغب في الانعزال التام، والبقاء بالسرير إلى الأبد دون أي نية للعودة إلى التعامل الإنساني والاجتماعي مجدداً.
وهذا أمر يمكن القيام به فترة من الوقت، ولكن يجب أن تسمح للناس في نهاية المطاف، بأن يعودوا إلى حياتك.
فالعزلة ليست وسيلة صحية للتعامل مع الحزن؛ صديق أو حبيب أو مُعلم، أو طبيب نفسي، كل هؤلاء يمكنهم مساعدتك في التخطي والوصول إلى مرحلة الشفاء.
اسمح لأحبّائك والمقربين بمشاركتك الحزن والوجود بجوارك عندما تبكي.
4- لا تهمِل احتياجاتك الأساسية
عندما تستسلم للحزن سيكون من السهل إهمال احتياجاتك الأساسية مثل الطعام أو النوم، وهذا الأمر يترك عقلك في حالة أسوأ مما هو عليها.
تأكَّد من تناوُل الطعام، واحصل على قسط كافٍ من الراحة، وقم بأشياء مُهدِّئة ومريحة.
عليك الاعتناء أيضاً بجانبك العاطفي والعقلي من خلال ممارسة بعض الأنشطة التي تُحسن الحالة النفسية، مثل: ممارسة الرياضة وقراءة الكتب المُلهمة، والتطوع في عمل خيري، والتحدث مع الأصدقاء، والخروج إلى أشعة الشمس، والاستمتاع بالمشي.
5- لا تدع أحداً يُخبرك كيف ينبغي أن تشعر
يتعامل الجميع مع الخسارة بأشكال وطرق مختلفة، لذلك لا توجد طريقة "صحيحة" للشعور بها عند مواجهة موجة هائلة من الحزن المتراكم.
ربما تشعر بالفوضى والرغبة في البكاء، وربما تجد أنك دخلت في نوبة هيستيرية من الضحك، وربما لا تشعر بشيء على الإطلاق وتتعامل مع الأمر كأنك تشاهد فيلماً سينمائياً لا يخصك.
أيّاً كان ما تشعر به فلا تلتفت إلى النصائح التي يمليها عليك الناس، حول المشاعر الصحيحة التي ينبغي لك أن تشعر بها في هذه اللحظة.
ببساطة، لأنه لا توجد مشاعر صحيحة ينبغي أن نسير عليها عند تعرضنا للمواقف المختلفة.
كذلك فإن اللحظة التي ستتجاوز فيها الحزن هي ملكك وحدك، وأنت وحدك من يستطيع تحديدها، فلا يمكن أن يخبرك شخص آخر بأنه قد حان وقت التجاوز والمُضي قُدماً.
اسمح لنفسك بأن تشعر بما تشعر به دون إحراج أو أحكام بالصح والخطأ.
6- التعرف على مراحل الحزن
رغم أن كل شخص لديه طريقته الخاصة في التعامل مع الحزن، فإنه كشأن أي شعور إنساني يمر بمجموعة ثابتة من المراحل.
ورغم أن هذه المراحل تتفق لدى كثير من الناس، فإن الفترة الزمنية هي ما يختلف.
تقول إليزابيث كوبلر روس، وهي طبيبة نفسية وكاتبة عملت في المجال الأكاديمي ولها دور كبير بمجال الدراسات النفسية، في كتابها "عن الموت والفقد"، إن هناك 5 مراحل للحزن: الإنكار، والغضب، والمساومة أو محاولة التفاوض، والاكتئاب، والقبول.
يساعدك التعرف على مراحل عملية ألمك أن تتعامل بوعي وفهْم مع نفسك خلال كل مرحلة، وأن تعرف أن ما تمر به طبيعي، وأن حدَّة مشاعرك لن تقودك إلى الجنون، أو أنها خرجت عن الحدود المألوفة والطبيعية.
7- عدم الاستسلام واستئناف الحياة من جديد
يرى المؤلف ديفيد ك. سويتزر، في كتابه "ديناميات الحزن.. مصدرها وألمها وشفاؤها"، أنه بعد المرور بألم الفقد، يحتاج المرء إعادة اكتشاف حياته من جديد.
يأتي هذا الوقت عندما تستطيع أن تتقبل، تتقبل الموت كحقيقة وأمر واقع لا يمكنك مُحاربته والوقوف في وجهه، وتتقبل ما هو خارج عن سيطرتك ولا تستطيع فعل شيء تجاهه لتغييره.
ستجد نفسك بعد هذا التقبل قادراً على المضي قدماً واستئناف حياتك من جديد.