هل الصيام مفيدٌ للصحة فعلاً؟ وهل يناسب الجميع؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/05/09 الساعة 15:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/09 الساعة 15:07 بتوقيت غرينتش
إذا تابعت أخصائيي التغذية والصحة في بلادنا، فستلاحظ أنهم ينصحون دائماً بشرب المياه بكثرة للوقاية من الجلطات والحصوات والتهابات الجهاز البولي ومشاكل القولون، إلى جانب الحفاظ على كفاءة عمل المخ، سيما في المواقف الخطرة مثل قيادة السيارة والأعمال الدقيقة أو تلك التي تتطلب تركيزاً عالياً. ثم فجأة يتحولون لمدة شهر واحد للحث على الصيام للجميع، حتى للذين يعانون من أمراض مزمنة. وعندما تطلب منهم أن يشرحوا لك كيف يكون التوقف عن شرب المياه صحياً، يقولون إن الصيام يمارس في كل الأديان والثقافات، وأن حتى الأبحاث الغربية أثبتت أن الصيام صحي ويشفي من الأمراض! يقول الحكماء أن سوء التفاهم بين البشر هو السبب الأول لجميع الصراعات في عالمنا. هناك مثل غربي يقول: "الله يكمن في التفاصيل"، ثم قيل: "الشيطان يكمن في التفاصيل"، ثم تطور التعبير ليصبح: "الحقيقة تكمن في التفاصيل". قد نناقش فيما يلي موضوع الصيام، لكننا في الحقيقة نخاطب فكرة أعم من ذلك، ألا وهي مناقشة أي موضوع من وجهات نظر مختلفة والاستماع للرأي الآخر بصدر رحب، ثم تكوين رأيك الخاص بناءاً على ذلك. اتفقنا؟ شكراً مقدماً.

الآن لنبدأ بالخطوة الأولى لمناقشة أي قضية فكرية: ألا وهي تعريف عنوان الموضوع، وهو هنا الصيام.

ما هو الصيام؟ هل له تعريف محدد عند الجميع؟

الصيام بحسب تعريف المعاجم العربية هو "الإِمْسَاكِ عَنِ شَهْوتَيِ البَطْنِ وَالفَرْجِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ"، وأتساءل هنا لماذا لم يتم إدخال تعريف الامتناع عن الكلام كجزء من عبادة الصوم، وذلك في ضوء الآيات القرآنية من توجيه الله للنبي زكريا إلى الصوم عن الكلام مع البشر "قَالَ رَبِّ اجْعَل لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا"؛ وتوجيه السيدة مريم إلى الصوم عن الكلام "فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا".

هذه الفكرة أتركها لك عزيزي القارئ للمناقشة لاحقاً.

 أما في القواميس الإنجليزية مثلاً، فتعريف الصوم يمكن تلخيصه في هذه الجملة: The willing abstinence or reduction from some or all food, drink, or both, for a period of time.

أي هو الامتناع أو التقليل الاختياري لبعض أو كل أنواع الأكل والشرب لمدة من الزمن.

الصيام موجود في كل الأديان والمعتقدات بصور مختلفة؛ فمثلاً في البوذية وبحسب قوانين الڤينايا Vinaya Rules (قواعد المعتقد في تهذيب النفس)، قد يمتنع المتعبد عن الأكل بعد وجبة الغداء وحتى صباح اليوم التالي، وهناك اختيارات أخرى مثل الصوم عن أكل اللحوم، أو الامتناع عن الطعام المصنع والمعلب، أو منع الأكل والشرب لمدة محددة من اليوم، وهكذا.

أما في المسيحية فالصيام يختلف من طائفة لأخرى؛ فمثلاً، الأرثودوكس في مصر وأثيوبيا واليونان وروسيا يمتنعون عن المنتجات الحيوانية لعدة أشهر دون التزام بتوقيت لتناول الطعام (تتخللها أيام امتناع عن الطعام تماماً وشرب المياه فقط)، بينما الصوم الكبير أو الأربعيني عند الطوائف المسيحية الغربية يكون لمدة 40 يوماً وتختلف تفاصيله بحسب الطائفة، فتكون حول التحول للطعام النباتي أو النيء أو السوائل فقط.

أما اليهود، فعندهم صيام الستة أيام (أو الصوم الأسود) الذي يتضمن الامتناع عن الطعام والشراب لـ 6 أيام من السنة.

في العقيدة الطاوية (Taoism) والتي استخلص منها الطب الصيني التقليدي قواعده العلاجية، يمتنع الصائم عن أكل الحبوب (مثل القمح) لعلاج نفسه روحياً وجسدياً.

وهناك الصيام السياسي والذي تكون صوره مثلاً بالإضراب عن الطعام بهدف الإفراج عن السجناء، أو مقاطعة منتجات شركة ما لخدمة قضية إنسانية، أو التحول للنباتية لإنقاذ سلالة حيوان معين من الانقراض أو سوء المعاملة.. إلخ.

هذه كانت فقط المقدمة. لم يبدأ مقالي بعد. أعتذر عن السرد الممل عزيزي القارئ. يمكنك الآن الذهاب لعمل كوب من مشروبك المفضل والعودة لقراءة باقي المقال.

أثناء إعداد المشروب يمكنك عمل تمارين لشد الرقبة والظهر، وطبعاً بعد إنهاء المشروب رجاءً إعادته للمطبخ وغسله، فالأمر سيستغرق 10 ثوانٍ تسعد فيها زوجتك أو والدتك – مع الشكر.

نبدأ الآن في سرد المهم: ثبت أن الصيام مفيد للصحة، فأي صيام هذا وكيف نقوم به؟ الصيام الطبي له أنواع، منها ما هو مفروض علينا لإنقاذ حياتنا قبل إجراء عملية مثلاً: فينصح بعدم الأكل والشرب قبل العملية بـ 8 ساعات على الأقل، لتجنب خطر التقيؤ تحت تأثير التخدير الكلي، ما قد يسبب دخول القيء في المجاري الهوائية وتعريض حياة المريض للخطر. وهناك صيام لإجراء تحاليل دم معينة لمعرفة قيم المادة المقاسة بدون تأثير الوجبات.

الصيام الذي أسرده عليكم الآن مصدره ما يسمونه الطب البديل، مع أنه ليس بديلاً في مناطق واسعة من العالم، وتحديداً في آسيا بالذات حيث يطبق الطب التقليدي الصيني TCM والطب الهندي Ayurveda بنجاح من آلاف السنين، وحتى الثقافة العربية وثقت قول الحارث بن كلدة طبيب النبي وخريج مدرسة الطب والحكمة الفارسية جُنْدَيْسَابور، "المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء".

هدف هذا الصيام العلاجي ببساطة هو تخليص الجسم من السموم معتمداً على الفكرة الآتية: إذا كان الطعام والأفكار السلبية هم مصدر تسمم الجسم وإصابته بالأمراض، فعلينا إذا إيقاف ذلك لفترة من اليوم لإراحة الجسم.

فكرة الصيام المفيد للصحة تعتمد على اختيار الأنسب لك من أنواعه المختلفة. جميع أنواع الصوم – على تباينها في التفاصيل – لديها ما تقدمه لك من إفادة، ولكن ما يناسب كل شخص يختلف بحسب نمط حياته وحالته الصحية وهدفه من الصيام، وكيمياء الجسم المتأثرة بالعوامل البيئية من تغذية و تلوث.

وقد تختار طريقة صيام تناسبك الآن، ثم تصبح غير مفيدة لك لاحقاً في مرحلة مختلفة من ظروفك الحياتية والصحية.

فلا يمكن أن نطلب من طفل أو مسن أو مريض أو أم حامل أن يتحملوا ما يمكن أن يطيقه شاب صحيح معافى.

حسناً، الآن بعد انتهاء عدد الكلمات المسموح بها في مقالات "عربي بوست"، ندخل في الموضوع!

أنواع الصيام العلاجي من الطب الشامل

  1. الصيام الجاف Dry Fasting كما يمارس في الدينين اليهودي والإسلامي: لا زال الخلاف قائماً حوله، وإذا كان مناسباً لأوقات السنة الحارة أو لجميع الناس.
  2. صيام السوائل Liquid Fasting: ويعتمد على شرب الماء أو العصائر فقط لعدة أيام.
  3. الصيام المتقطع Intermittent Fasting: هو الهوس الجديد في مجتمع التعافي البديل، ولو أنه من القوانين العلاجية القديمة في مشافي الأيورڤيدا الهندية. فكرته تعتمد على الصيام عن الطعام لثلثي اليوم، أي 16 ساعة، يتخللها 8 ساعات من النوم. فمثلا أن تتوقف عن الأكل في الثامنة مساء، وتذهب للنوم في منتصف الليل، وتصحو في الثامنة صباحاً، وتأكل وجبتك الأولى في منتصف النهار. يتخلل ذلك الصيام عن الطعام شرب المياه بحرية.

بدأت الأبحاث الغربية مؤخرا بمناقشة هذا الأسلوب العلاجي وإثبات فوائده في علاج الكثير من الأمراض، وإن كان الأمر لا زال موضع سخرية من المجتمع الطبي الغربي، لكن في عصر الإنترنت أصبح الناس أكثر وعياً واتصالاً بالثقافات الشرقية أكثر من أي زمن سبق، ولم يعد رأي الطب الغربي هو الوحيد الذي يستقون منه أفكارهم.

والآن بعد قراءة هذا المقال، أطلب منك عزيزي القارئ أن ترد على من يقول أن الصيام مفيد للصحة بسؤال استفهامي: "أي صيام تقصد؟"

مع تمنياتي لك بكل الصحة.

علياء جاد

علامات:
تحميل المزيد