يعود عشاق الطعام الفلسطينيون على إنستغرام إلى جذورهم ليتذكروا طريقة عمل القزحة الفلسطينية المفقودة والمهمَّشة، ويعقدون حفلات عشاء جماعية على هذه الأكلة التي نسي الجيل الجديد طعمها.
ولا يعتقد رجل الأعمال علاء تمام، المتخصص في الأطعمة، أن العالم جاهزٌ تماماً بعدُ لجوهرة الطعام الفلسطيني المفضلة؛ القزحة، التي تُنطق أيضاً دون القاف "إزحا"، وهي عجينة سوداء لامعة ولاذعة، من حبة البركة المحمَّصة، مع لمسة بسيطة من الدسم الحلو، الذي يفاجئ جميع الحواس.
تمام، وهو من مدينة نابلس الفلسطينية في الضفة الغربية، يصنع الطحينة، وهي عجينة من بذور السمسم، إلى جانب القزحة، في مصنع عائلته منذ الطفولة.
الآن لا يستطيع العيش من دونها. إنه يعرف أيضاً أنه نظراً لمظهر القزحة الغامق ومذاقها الحاد، فإن الناس إما يحبونها وإما يكرهونها.
طريقة عمل القزحة الفلسطينية ومكوناتها
يتحدث تمام لشبكة BBC البريطانية، قائلاً "اعتدت أخذها معي إلى إنجلترا عندما كنت طالباً"، "وجاءت لي سيدة لطيفة للغاية من هلسنكي، ورأتني آكل هذه العجينة، فقالت: يا إلهي. ماذا تأكل؟ إنه يشبه زيت المحرك!".
انقلبت عينه مستعيداً ردَّ فعلها. وبسبب إيمانه أن القزحة لا تحظى بمكانتها المستحقة، فقد أخذ منذ ذلك الوقت يعمل على زيادة شعبية هذا الجزء الحبيب الفريد من المطبخ الفلسطيني.
ممَّ تحضر هذه المادة؟
مع أن العديد من المطابخ تضع حبة البركة في الخبز أو على الجبن، إلا أن الفلسطينيين معروفون بتحميصها وطحنها مع السمسم (السمسم مطلوب في المزيج من أجل محتواه العالي من الزيت، على حد قول تمام).
بعد ذلك تخلط هذه العجينة السميكة التي تشبه الحبر مع العسل أو الدبس لتؤكل كغموس، أو تستخدم في صنع الحلاوة الطحينية، وهي حلوى هشة مصنوعة من بذور السمسم، وحلويات أخرى مثل الحلوى الكثيفة الداكنة المرة الحلوة فطيرة القزحة.
فوائد القزحة عظيمة
يوضح إسحاق الجبريني، الذي يدير مصنعاً للطحينة في البلدة القديمة بالقدس، تملكه أسرته منذ حوالي 150 عاماً: "يتناول كبار السن ملعقة من حبة البركة كل يوم حتى لا يمرضوا".
عندما كان طفلاً، اعتادت والدة الجبريني على مزج القزحة مع زيت الزيتون وزيت السمسم ودبس العنب، وتسخينه، ثم تغطي المزيج بالمكسرات المفرومة. لا يزال إلى اليوم يقسم بفوائده الصحية.
لكن البعض لا يتقبلون تذوّقها ورائحتها
طريقة عمل معجونة القزحة ليست صعبة، لكن الجبريني ينتجها مرة واحدة فقط شهرياً بينما يُحمِّص بذور السمسم ويطحنها للطحينة يومياً.
يقول إن السبب في ذلك هو أن القزحة تستهلك أقل من الطحينة، التي يمكن استخدامها في مجموعة واسعة من الأطباق، من الحمص إلى صلصة السلطة إلى المعجنات.
ويضيف: "ليس للقزحة عدد كبير من الزبائن، فقط مَن يعرفونها فحسب".
يقع مصنع تمام للطحينة، كروان، خارج مدينة نابلس مباشرة، التي تشتهر بين الفلسطينيين بأطعمتها الحلوة، وبأنها مصدر لأفضل طحينة وقريبتها القزحة.
ويعزو علاء انخفاض الرغبة في القزحة إلى أن الناس لا تتقبل لونها ومذاقها. انخفاض الطلب بدوره يجعل تطويرها أصعب وإنتاج كميات كبيرة منها أغلى.
ومع ذلك، في السنوات الأخيرة لاقت انتشاراً كبيراً
منذ عدة سنوات، عندما اشتريت العجينة من نابلس وأرسلت حاويةً منها إلى عائلتي في الولايات المتحدة لتذوقها، كان رد فعلهم كما كان يخشى تمام بالضبط: نظروا إليها، لم يستطيعوا تحديد النكهة، قرَّروا أنها قد فسدت بالتأكيد ورموها، لكن بمجرد أن تتجاوز صدمة القضمة الأولى، فإنها تجربة تسبب الإدمان للكثيرين.
كان تمام يعمل في مجال صناعة الطحينة طوال حياته. في السنوات الأخيرة لقي انتشاراً عالمياً، حيث أصبح الناس أكثر إقبالاً عليها.
قال: "أنت تعرف أن الطحينة تتمتع الآن بسمعة طيبة، لذا فإن الطهاة العالميين الآن يحاولون التفكير في أشياء يمكنهم فعلها بهذا الشيء"، "لكن حبة البركة لم تصل بعد، وأعتقد أنه سيكون من الصعب عليها الوصول إلى هناك".
ليس السبب في إعاقة تقدم القزحة هو الخوف من تجربة شيء جديد فحسب، كما تقول جودي كالا، وهي طاهية ومؤلفة كتاب طبخ فلسطينية.
وقالت كالا: "يقدم الطعام الفلسطيني كثيراً باعتباره إسرائيلياً"، مضيفة: "لا أحد يولي الكثير من الاهتمام لطعامنا، حتى يقوم طاهٍ إسرائيلي بطبخه، بطريقة حديثة وعصرية، لسوء الحظ".
وقالت كالا: "هناك العديد من المميزات الرائعة لمطبخنا"، مضيفة "يتعلق الأمر فقط بكسر الخوف من تجربة شيء مختلف".
تأمل كالا أنه على الرغم من هذه العوائق، فإن المزيد من الناس سيحاولون تجربة القزحة، ليقرروا بأنفسهم.