مؤخراً، تزايد الاهتمام بما يعرف بمضادات الأكسدة، وتعالت الأصوات المطالبة بضرورة احتواء الأنظمة الغذائية عليها؛ معللين ذلك بالفوائد الكثيرة التي يكتسبها الجسم عبر التخلص من الجذور الحرة.
التوازن بين الجذور الحرة ومضادات الأكسدة ضروري للوظائف الفسيولوجية المناسبة، فإذا تغلبت الجذور الحرة على قدرة الجسم على تنظيمها، يحدث ما يُعرف باسم الإجهاد التأكسدي.
ونتعرف في هذا التقرير على الجذور الحرة وتأثيرها على جسم الإنسان.
لفهم الجذور الحرة يجب أولاً فهما كيميائتها
تتكون الذرة من نواة موجبة الشحنة تتركز فيها معظم الكتلة، وتدور حولها إلكترونات سالبة الشحنة في مدارات تحيط بالنواة.
يجب أن تمتلئ تلك المدارات بأعداد محددة من الإلكترونات كي تبقى الذرة مستقرة.
عندما يمتلئ المدار بالعدد المطلوب من الإلكترونات، تنتقل الإلكترونات الفائضة إلى المدار التالي.
إذا انتهى عدد الإلكترونات، ولم يمتلئ المدار الخارجي للذرة بالعدد المطلوب، فحينها تكون هذه الذرة قابلة للارتباط بذرة أخرى لإكمال إلكترونات المدار الخارجي.
في هذه الحالة، تعرف الذرات ذات الغلاف الخارجي غير المكتمل بالجذور الحرة.
أما بالنسبة للذرات ذات الغلاف الخارجي المكتمل فتكون ذرات مستقرة.
الجذور الحرة كما ذكرنا، ليست مستقرة وتسعى للارتباط لملء الغلاف الخارجي، ولذا تتفاعل بسرعة مع المواد الأخرى.
الإجهاد التأكسدي داخل جسم الإنسان
عندما تنقسم جزيئات الأكسجين إلى ذرات مفردة تحتوي على إلكترونات غير متزاوجة، فإنها تصبح جذور حرة غير مستقرة تسعى للارتباط بذرات أو جزيئات أخرى.
إذا استمر حدوث ذلك، تبدأ عملية تسمى الإجهاد التأكسدي.
يمكن أن يتسبب الإجهاد التأكسدي في تلف خلايا الجسم، ما يؤدي إلى مجموعة من الأمراض ويسبب أعراض الشيخوخة، مثل التجاعيد.
تهاجم الجذور الحرة الجزيئات الهامة التي تؤدي إلى تلف الخلايا وتعطيل التوازن.
تشمل أهداف الجذور الحرة جميع أنواع الجزيئات في الجسم، من بينها الدهون، والأحماض النووية، والبروتينات.
الجذور الحرة سبب العديد من الأمراض المرتبطة بالعمر
وفقاً لنظرية الجذور الحرة والشيخوخة، تفكك الجذور الحرة الخلايا بمرور الوقت.
وخلصت النظرية إلى أن الشيخوخة والأمراض التنكسية ترتبط بشكل أساسي بالهجمات الضارة التي تسببها الجذور الحرة على مكونات الخلية والأنسجة الضامة.
والأمراض التنكسية هي تلك الناتجة عن تدهور بنية الأنسجة والأعضاء، نتيجة تقدم العمر مثل مرض باركنسون، وأمراض القلب، والتهاب المفاصل.
فمع تقدم العمر، يفقد الجسم قدرته على مكافحة آثار الجذور الحرة. والنتيجة هي المزيد من الجذور الحرة، والمزيد من الإجهاد التأكسدي، والمزيد من الضرر للخلايا.
كما أن الضرر الذي تسببه الجذور الحرة للحمض النووي يمكن أن يسبب طفرات في الخلايا ويعزز السرطان.
يمكن للجذور الحرة أيضاً أكسدة البروتين الدهني منخفض الكثافة (الكوليسترول السيئ)، مما يجعله أكثر عرضة للتجمع في جدران الشرايين وتصلب الأوعية الدموية.
كما ربطت العديد من الدراسات بين الإجهاد التأكسدي الناتج عن الجذور الحرة واضطرابات المناعة الذاتية، وإعتام عدسة العين وتأخر مستوى الرؤية المرتبطة بالعمر.
كيف تعمل الجذور الحرة؟
تنتج الجذور الحرة في جسم الإنسان بصورة طبيعية نتيجة عملية التمثيل الغذائي، ولكن هناك عدة عوامل في نمط الحياة يمكنها أن تسرع إنتاج تلك الجذور الحرة، ومن بينها التدخين، والتعرض للمواد الكيميائية السامة والهواء الملوث، وتناول الكحوليات، والتعرض للأشعة السينية.
ويتلخص عمل الجذور الحرة في الخطوات التالية:
– تحرص الجذور الحرة على التفاعل مع أي جزيء تصطدم به. عندما يحدث هذا، يحدث تفاعل كيميائي يسمى الأكسدة.
– تعطل هذه العملية الجذور الحرة، ولكنها تحول الجزيء الآخر إلى جذر حر جديد.
– هكذا يبدأ تفاعل متسلسل جذري حر، يدمر كل الجزيئات التي يتفاعل معها.
– عندما تتلف جزيئات كافية، تتوقف الخلايا عن العمل أو تموت.
مضادات الأكسدة تعمل ضد الجذور الحرة
المواد المضادة للأكسدة هي المواد الكيميائية التي تقلل أو تمنع آثار الجذور الحرة.
يتبرعون بالإلكترونات للجذور الحرة كي تصبح مستقرة، وبالتالي تقلل من تفاعلها.
لذا فإن مضادات الأكسدة فريدة من نوعها، لأنها يمكن أن تتبرع بإلكترون دون أن تصبح جذور حرة.
لا يمكن لمضادات الأكسدة مكافحة كل آثار الجذور الحرة، فكما أن الجذور الحرة لها تأثيرات مختلفة في مناطق مختلفة من الجسم، تتصرف مضادات الأكسدة بشكل مختلف بسبب خواصها الكيميائية.
ومع ذلك، في بعض الأحيان، قد تصبح بعض مضادات الأكسدة مؤيدة للأكسدة، فتستحوذ على الإلكترونات من جزيئات أخرى، مما يؤدي إلى عدم استقرار كيميائي يمكن أن يسبب الإجهاد التأكسدي.
الأطعمة التي تعمل كمضادات للأكسدة
يمكن لآلاف المواد والأطعمة أن تعمل كمضادات للأكسدة؛ لكن الجسم أيضاً يُنتج بعض مضادات الأكسدة بصورة طبيعية يمكن أن تكون إنزيمات أو جزيئات أخرى.
من أهمها، فيتامين أ وسي وهـ التي تعمل كمضادات أكسدة.
ويمكن تصنيع فيتامين أ من الأطعمة التي تحتوي على بيتا كاروتين مثل الفواكه والخضروات الصفراء والبرتقالية والحمراء.
ويتواجد فيتامين سي في ثمار الحمضيات والبروكلي والملفوف الخام.
كما يوجد فيتامين هـ في الحبوب الكاملة والمكسرات والخضروات الورقية الخضراء والبطاطا الحلوة.
وتتواجد مادة الفلافونويد المساعدة في البصل والباذنجان والخس والبقدونس والكمثرى والتوت والكرز والبقوليات وفول الصويا.
ويمكن أن تقلل التوابل من الإجهاد التأكسدي، كالزنجبيل، والكركم.
مكملات مضادات الأكسدة قد تضر أكثر مما تنفع
عندما بدأ الباحثون لأول مرة في ربط الجذور الحرة بالأمراض المزمنة والشيخوخة، بدا من المنطقي أن زيادة تناولك لمضادات الأكسدة، وخاصة من خلال المكملات الغذائية، سيكون الترياق.
ولكن الأدلة العلمية لم تنته بهذه الطريقة.
فعلى الرغم من اصطفاف المكملات الغذائية المضادة للأكسدة على أرفف المتاجر الكبرى والصيدليات ومتاجر الأغذية الصحية، ووعودها بوقف علامات الشيخوخة والأمراض المزمنة، إلا أن الأبحاث أظهرت أن مضادات الأكسدة لا ترقى دائماً إلى مستوى الضجيج عندما يتعلق الأمر بتقديم الفوائد الصحية.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو دليل بعض الدراسات على أن تناول مكملات مضادات الأكسدة يمكن في بعض الأحيان أن يضر أكثر مما ينفع.
الأبحاث حول مضادات الأكسدة مختلطة، فتظهر معظم الأبحاث فوائد قليلة أو معدومة.
لذا فإن الحل هو تجنب على قدر الإمكان مسببات التأكسد، والحرص على تناول حمية غذائية صحية في كل وجبة.