قد تبدو حبوب منع الحمل للرجال فكرةً طريفة عندما يسمع عنها المرء، لكنها ليست كذلك.
درس الباحثون خلال الخمسين عاماً الماضية تقريباً أدوية هرمونية مختلفة، يمكنها أن تفي بهذا الغرض تحديداً.
لكن الأسواق لم تر أياً منها.
فيبدو أن شركات الأدوية غير مهتمة بها، وربما الرجال أيضاً كذلك.
غير أن تأخر عمليات تطوير وسائل منع الحمل الهرمونية للرجال عن نظيرتها للنساء هو أكثر تعقيداً مما يبدو. ويعود ذلك إلى أسباب اجتماعية وعلمية؛ وفقاً لموقع Health Line الأمريكي.
لماذا لا توجد "حبوب" للرجال
يُعزى جانب كبير من عدم الاهتمام بموانع الحمل الهرمونية للرجال، حسبما يتضح، إلى أسباب بسيطة.
تتكون حبوب منع الحمل من هرمونَي الإستروجين والبروجيستين، وهما قادران على منع الحمل لدى النساء. أقرَّت بها إدارة الغذاء والدواء الأمريكية لأول مرة عام 1960، وكانت ثوريةً أكثر مما يمكن لأي شخص تخيله.
بالرغم من شهرة وفاعلية حبوب منع الحمل، ففقد حملت أيضاً آثاراً غير مقصودة تتعلق بدعم دور النساء، باعتبارهن الطرف الذي يحمل على كاهله عبء منع الحمل.
وفي ظل مثل هذا التطور الضخم في مجال التكاثر البشري، قد تبدو حبوب منع الحمل للرجال شيئاً زائداً عن الحاجة.
غير أنه في السنوات التالية، يقول الباحثون إن مثل هذه الأدوية لن يقتصر دورها على تلبية حاجة غير ملباة وحسب -وتحديداً باعتبارها وسيلة أخرى ناجعة لتقليل حالات الحمل غير المخطط لها- بل إنها تتدارك أخيراً عبء منع الحمل المُلقى على كاهل النساء.
لن نرى حبوب منع الحمل فوق أرفف الصيدليات في هذا العام أو العام القادم، لكن الباحثين متفائلون بأننا سوف نشهد ذلك في العقد القادم.
بحوث تجريبية
أظهرت البحوث الجديدة الواعدة درجة من الأمان في كثير من التركيبات الجديدة من موانع الحمل للرجال، بما فيها تركيبتان (من الحبوب) وجلِّ موضعي.
نجحت الحبة الأولى DMAU في اختبارات السلامة البشرية. ونجح كذلك عقار أحدث يُعرف باسم 11-beta-MNTDC.
لكن الحبة DMAU والعقار 11-beta لا يزالان صغيرين نسبياً في دورة التطوير الخاصة بهما.
وبلغت تركيبةٌ لجلّ موضعي يُعرف بـNES/T، وهو مزيج من هرمون البروجستين والتستوستريون، مرحلة أبعد من ذلك. فلم تنجح في اختبارات السلامة وحسب، بل تجري في الوقت الحالي تجارب على الأزواج لاختبار فاعليته في منع الحمل على المدى البعيد.
والهدف من وراء هذه التجارب بالنسبة للأزواج أن يستخدموا في نهاية المطاف جلّ NES/T فقط، ليكون وسيلتهم الوحيدة من أجل منع الحمل.
تعمل الوسائل الثلاث بنفس الطريقة.
قالت الدكتورة ستيفاني بيج، وهي أستاذة في كلية الطب بجامعة واشنطن: "إنها تعتمد في الأساس على نفس الأشياء التي تعتمد عليها موانع الحمل الهرمونية للنساء، وهي الهرمونات الخارجية، أي هرمون التستوستيرون مقابل الإستروجين (لدى النساء)، إضافة إلى البروجيستين".
وأوضحت بيج، التي تشارك في البحوث المتعلقة بالعقارات الثلاثة: "أنها تعيق الإشارة التي يرسلها الدماغ إلى الخصية في هذه الحالة، مما يعني أن الخصية تتوقف عن إنتاج التستوستيرون، ومن دون هذه الكمية الكبيرة من التستوستيرون في الخصية، لا تنضج الحيوانات المنوية".
لكن التدخل من خلال هرمون التستوستيرون ثبت أنه معقدٌ، وأن التدخل لمنع الحمل باستخدام الهرمونات يحمل آثاراً جانبية على الرجال والنساء.
يعني هذا بالنسبة للنساء آثاراً تتراوح بين زيادة الوزن وتغير الحالة المزاجية، وتصل إلى الآثار الجانبية الأكثر خطورة، مثل نسبة الكوليسترول والتجلطات الدموية.
أما بالنسبة لموانع الحمل للرجال، فيمكن أن تعني أشياء على شاكلة ضعف الانتصاب وانخفاض الرغبة الجنسية، ولا غرابة في أن مثل هذه الآثار تشكل عقبة أمام عملية التطوير.
في حديثه إلى موقع Healthline، قال الدكتور تومر سينغر، مدير قسم أمراض الغدد الصماء التناسلية والعقم في مستشفى لينوكس هيل بمدينة نيويورك:
"القضية أنه كلما تحاول التجربة للوصول إلى أي عقار، تكون الآثار الجانبية مكلفة أو ملحة للغاية. ففي الأساس يرتبط انخفاض الرغبة الجنسية وزيادة درجة ضعف الانتصاب ارتباطاً وثيقاً بنفس الهرمونات -التي تدخل في تركيب العقار- مثل التستوستيرون، وهي التي تكون مسؤولة عن إنتاج الحيوانات المنوية".
إمكانية التطور
بالرغم مما قيل، يمكن للأبحاث الحديثة على عقار 11-beta أن تبدد المخاوف المتعلقة بالآثار الجانبية المنهكة.
ففي تجربة صغيرة أُجريت على 40 مشاركاً، أبلغ خمسة رجال فقط عن انخفاض طفيف في الرغبة الجنسية.
وأبلغ اثنان عن ضعف بسيط في الانتصاب، ولم يقرر أي من المشاركين التوقف عن تناول العقار بسبب هذه الآثار الجانبية.
قال سينغر مشيراً إلى هذه النتائج: "ذلك مطمئن جداً؛ ولا سيما إذا كان أغلبهم قادرين على التغاضي عنها، فسوف يكون على كل شخص آخر أن يقرر الأخطار والمزايا ويختار بنفسه ما إذا كان سيستخدمه أم لا".
كانت الخيارات محدودة أمام الرجال الباحثين عن وسائل لمنع الحمل، فلديهم الواقي الذكري بكل تأكيد، وعلى الجانب الآخر قطع القناة المنوية. صُممت هذه العملية الجراحية لتكون ناجعة للغاية، لكنها أيضاً دائمة.
وقد صُممت موانع الحمل الهرمونية من أجل الرجال لتكون حلاً وسطاً، إذ تؤدي دور موانع الحمل بصورة فعالة، وفي الوقت ذاته يمكن إيقافها.
وثمة العديد من الأسباب التي تثير اهتمام الرجال حولها، قد يعني هذا بالنسبة للرجال غير المتزوجين مزيداً من السيطرة والاستقلالية فيما يتعلق بحياتهم الجنسية. ويمكن أيضاً أن تقدم للأزواج خيارات جديدة للمشاركة في تحمل المسؤولية.
قالت بيج: "يوجد كثير من الرجال الذي يشعرون أنهم يريدون المشاركة فيه. يريد هؤلاء أن يسهموا في الأمر، ويريدون المشاركة في تحمل عبء منع الحمل، لذا كثير من الرجال مستعدون له، إذا جاز لنا القول".
تقدم وسائل منع الحمل للرجال كذلك حلاً عملياً لمشكلة ليس هناك أي دليل على اختفائها: وهو الحمل غير المقصود. ففي الولايات المتحدة، نصف حالات الحمل تقريباً تكون غير مخطط لها.
قال سينغر: "هذه قضية حقيقية في الولايات المتحدة وحول العالم".
تفصلنا عنها سنوات
وأضاف: "بالرغم من الحقيقة التي تشير إلى أن عدداً من الخيارات متاح للنساء… لا تزال لدينا مشكلة، إذ إن الحمل غير المخطط يتسبب في أعباء صحية وعاطفية واقتصادية هائلة على كاهل العالم، ومن الواضح أن هناك حاجة غير ملباة".
غير أن الخيارات التي لدى الرجال تفصلنا عنها سنوات على الأرجح، قبل أن تصل العقاقير الحالية إلى الأسواق، سوف تخضع أولاً إلى اختبارات دقيقة واسعة النطاق.
فضلاً عن أن أدوية منع الحمل تستغرق وقتاً أطول من بعض العقاقير الأخرى، لأنها يجب أن تؤدي مفعولها بصفة مستمرة، يعني ذلك أن هذه الأدوية يجب استخدامها لعام أو عامين قبل إثبات فاعليتها.
قالت بيج: "نعتقد أنها سوف تستغرق عقداً من الزمن، ولا ريب أن ذلك يجب أن يأتي اتساقاً مع حقيقةٍ تقول إن لدينا عملاً كبيراً علينا الاضطلاع به؛ فالتجارب التي نحتاج إلى إجرائها حسب طبيعتها سوف تستغرق بعض الوقت".