فرق كبير بين التعود والملل.. إليك ما يجب فعله عندما تمل من روتينك؟

التخلص من الملل لا يتطلب إجازة مكلفة.. جدد روتين حياتك اليومي بهذه التغييرات البسيطة، وتعلم التفريق بين التعود الذي يساعد على تخطي الأحزان والملل الحقيقي.

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/08 الساعة 18:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/08 الساعة 18:19 بتوقيت غرينتش
هناك العديد من التعديلات الطفيفة في حياتنا اليومية، قادرة على إضافة تلك النكهة المميزة لروتين حياتنا اليومي/ Istock


حتى البرامج الكوميدية بعد فترة من مشاهدتها تصبح مملةً وغير مضحكة، نعتاد عليها فنمل منها؛ الأمر نفسه ينطبق على الشركاء، والعمل، والتمارين الرياضية، وحتى الأصدقاء.

ولكن لا داعي لأن يكون تجديد الروتين إجازة مكلفة، أو خياراً يرهق الميزانية وصعب التحقيق، هناك العديد من التعديلات الطفيفة، قادرة على إضافة تلك النكهة المميزة لروتين حياتنا اليومي، الذي يضمن لنا الاستقرار النفسي.

قدَّرَت دراسةٌ نُشرت عام 2016، أن ما يقرب من 63% منَّا يعاني من الملل مرةً على الأقل كل 10 أيامٍ.

وبينما لا يسبب الملل الوفاة، وجد الباحثون أن المصابين بالملل المزمن أكثر عرضةً للإصابة بالاكتئاب، والقلق، وتعاطي المخدرات.

ورغم أننا جميعاً نصاب بحالةٍ من البلادة من وقتٍ لآخر، فإنه وفقاً لماري مان، الباحثة وكاتبة كتاب "Yawn: Adventures in Boredom– التثاؤب: مغامرات في الملل"، يمكن أن يكون الحديث عن ذلك الشعور محرجاً؛ لأنه عادةً ما يُعتَقَد أن الإنسان يسببه لنفسه.

وتقول ماري إن مقولة: "الناس المملون فقط هم من يشعرون بالملل" تبدو قناعةً منتشرةً.

لكن الملل ليس عيباً في الشخصية، الملل حالةٌ تتسبَّب فيها ظاهرةٌ سلوكيةٌ تسمى التعود، وهي ميلنا الطبيعي لألفة الأشياء بمرور الوقت.

يفسر ذلك لِمَ يمكن أن تبدأ أشياء وعلاقات بصورة ممتعة ثم تفقد بريقها.

التعود سلوك يساعد على تخطي الأحزان وقد يصيب بالملل

تقول سونيا ليوبوميرسكي، أستاذة علم النفس بجامعة كاليفورنيا ريفرسايد، التي تدرس ظاهرة التعود: "يبرع البشر بشكلٍ مذهلٍ في التعود على التغيرات الإيجابية والسلبية في الحياة".

وتتابع لصحيفة The New York Times قائلةً، إن ذلك أمرٌ جيدٌ أحياناً، مثل "ما يحدث في المحن، كفقد شخصٍ عزيزٍ، أو الطلاق، أو  الإقالة من العمل. نحن نتكيف ببراعةٍ، لكن تلك المرونة نفسها يمكن أن تكون ضارةً حال تأثيرها على استجاباتنا لحدثٍ إيجابيٍّ في الحياة".

على سبيل المثال: فكِّر في آخر مرةٍ حصلت فيها على علاوةٍ، أو اشتريت سيارةً، أو انتقلت إلى مدينةٍ جديدةٍ، أو وقعت في الحب. في البداية تجلب تلك التجارب إحساساً هائلاً بالمتعة، لكن بمرور الوقت تتحول تدريجياً إلى جزءٍ من الروتين.

كل ما هنالك أننا نكيِّف توقعاتنا، ثم نمضي قدماً، مستعدين لما سيثير حماستنا مجدداً. هذا هو ما يسمى بالتعود.

هذا ما يجعل أغنيتك المفضلة، أو برنامجك التلفزيوني المفضل، أو مطعمك المفضل يصبح مملاً بمرور الوقت.

التفريق بين التعود والملل يساعد في "التحايل" على ذلك الشعور

ورغم أن الملل يمكن أن يكن محبطاً حين يخالط متع الحياة، يخدم التعود غايةً ثوريةً.

بكلماتٍ أخرى، لولا التعود لكنا تغاضينا عن أمورٍ تحتاج لأن تأخذ أهميتها، مثل القرارات اليومية المتعلقة بسلامتنا، وعلاقاتنا، ووظائفنا.

هذا ما يحدث لنا حين نقع في الحب، أو نختبر الشعور بالفقد، أن تأسرنا السعادة أو نقع في بئر الحزن، تلك أمورٌ يمكن أن تجعلنا نتشتت أو ننسى، وتقلل من دوافعنا.

الجيد في الأمر هو أن فهم الرابط بين التعود والملل يمكن أن يساعدنا في "التحايل" على ذلك الشعور.

وجد علماء النفس أن التعود أكثر شيوعاً في الحالات التي يظل فيها التفاعل مع المواقف أو الناس أو الأحداث ثابتاً لا يتغير.

تقول ويندي وود، أستاذة علم النفس وإدارة الأعمال بجامعة كاليفورنيا الجنوبية: "تكرار سلوكياتٍ بعينها يسبب فتور المشاعر الإيجابية والسلبية".

وتُضيف أنه حين تضعف استجابتنا العاطفية يبدأ الملل في النشوء.

وتعرض دراسةٌ منشورةٌ العام الماضي في نشرة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي بعض اللمحات الإضافية.

وفقاً لما وجده الباحثون، فإن إيجاد طرقٍ ملتويةٍ للتعامل مع شخصٍ أو مكانٍ أو أمرٍ مألوفٍ يمكن أن يقطع التعود، ما يجعل التجارب اليومية تبدو جديدةً مرةً أخرى.

يمكن لتطبيق تلك المعرفة على نشاطاتك اليومية أن يكون طريقةً مفيدةً لتحقيق رضا أكبر من الثوابت في حياتك.

تناوُل العشاء بطرق غير مريحة يجدد هذا الروتين

دراسةٌ أُجريت عام 2018 وجدت أن تناول الطعام بطرقٍ غير مريحةٍ يمكن أن يجعل من الأكل والشرب تجربةً جديدةً.

وبينما تبدو تلك نصيحةً قاصرةً على أولئك الذين ملّوا من شراء التونة من المتجر لتناولها كوجبة غداءٍ في المكتب، فإن المبدأ نفسه ينطبق على العديد من المواقف التي يمتص فيها الملل من المألوف بهجة أي نشاطٍ.

ويقول روبرت سميث، المشارك في كتابة الدراسة وأستاذ التسويق في جامعة أوهايو: "إيجاد طرقٍ جديدةٍ للتفاعل مع الأشياء المألوفة يمكن أن يكسر التعود؛ لأنه يشير للدماغ أن يركز أكثر مع التجربة".

والخلاصة: انتهاج أساليب جديدةٍ لأداء المهام، يمكن أن يمنع الملل من تخريب ساعة الغداء (مجازياً).

اعمل في مكانٍ منعشٍ

يمكن كذلك لقضاء الكثير من الوقت في نفس البيئة أن يسبب الملل.

إن كنت تعمل من المنزل، حاول تغيير الروتين بأن تعمل في مكانٍ جديدٍ، كمقهىً، أو مكتبةٍ، ولو كنت تعمل في مكتبٍ حاول تغيير مظهر مكتبك أو مساحة عملك.

تقول ليوبوميرسكي: "نحن لا نعتاد الأشياء حين تكون ديناميكيةً ومتطورةً".

ولا تحتاج التغيُّرات لأن تكون كبيرةً لتكون فعالةً. فوفقاً لراشيل لوك، مدربة القيادية والمهنية بكلية  Robert H. Smith لإدارة الأعمال بجامعة ماريلاند، فإن تزيين مكتبك بزهورٍ نضرةٍ مثلاً أو انتهاج أسلوبٍ جديدٍ في التعامل مع مشروعٍ في العمل كفيلٌ بصنع فارقٍ.

وتضيف ويندي وود: "من الضروري أن تختبر الجوانب الممتعة في وظيفتك بطرقٍ مختلفةٍ".

على سبيل المثال، إذا كنت دائماً تتطلع لأن تقود اجتماعاً أول الأسبوع الصباحي، فابحث عن تناولٍ جديدٍ للاجتماع يجعله لا يتحول إلى روتين، كأن تفتتحه بجلسة تأملٍ أو بنقاشاتٍ غير متعلقةٍ بالعمل.

ووفقاً لويندي، فإن إيجاد طرقٍ مبتكرةٍ لإبقاء وظائفنا مثيرةً يمكن أن يعزز ما يسميه خبراء علم النفس "التدفق"، وهو حالةٌ ذهنيةٌ، حيث ننخرط بكامل طاقتنا واستمتاعنا في نشاطٍ ما.

تسلَّ في المنزل وأضِف بعض الإثارة

الملل ليس قاتلاً للبهجة فقط، لكنه قد يكون كذلك ساماً لشركائنا.

تقول فينس نيكولينو، خبيرة العلاقات ومقدمة برنامج Marriage Boot Camp: Reality Stars: "يعتبر الملل أزمةً شائعةً في العلاقات يمكن أن تؤدي إلى تدهور مهارات التكيف".

وتتابع: "حين يتوقف الأزواج عن تحيّن الفرصة للتقدم معاً في العمر، ينشأ الملل. غير أن ذلك لا يعني أن العلاقة محكومٌ عليها بالفشل".

يمكن أن تكون هذه فرصةً جيدةً لخوض تحدٍّ جديدٍ، من شأنه أن يجعل العلاقة أكثر إثارةً.

ويقول أرثر أرون، الأستاذ الباحث في جامعة ستوني بروك، إنه وبينما يمكن للامبالاة أن تسبب انفصالاً زوجياً، فإنه قد يصعب ملاحظتها؛ لأن العلاقات السليمة لا يجب بالضرورة أن تكون جذابةً.

وتُضيف ليوبوميرسكي: "إن مزج عوالمنا الاجتماعية يمكن أن يقوي الصداقات والشراكات العاطفية؛ لأن العلاقات المتطورة تحفظ للأشياء إثارتها".

حاول أن تخرج عن مسارك التقليدي بفعل شيءٍ خلاقٍ، كأن تنظم حفل طبخٍ جماعيٍّ، أو عشاءً يدور حول موضوعٍ ما، أو حفل شاي على النسق القديم.

اطرح سؤالك بطريقة أخرى

بدلاً من استخدام الأسئلة المتداولة مثل "كيف كان يومك؟" أو "هل كانت إجازتك سعيدةً؟"، كنْ فضولياً مع زملائك، أو أصدقائك، أو شريكتك، واسأل أسئلةً شخصيةً.

جرب مثلاً هذين المثالين: "ما الذي تسعى لتحقيقه اليوم؟" أو "هل هناك ما يمكنني أن أساعدك فيه هذا الأسبوع؟".

إذا أردت حقاً الاستحواذ على انتباه أحدهم، جرِّب شيئاً ملتوياً، مثل: "ما الأغنية التي تصف مزاجك اليوم؟".

يساعد فضول العلاقات الشخصية أولئك الذين هم في دوائرنا الاجتماعية على أن يتذكروا أننا مهتمون بشخوصهم.

ليس هذا فحسب، بل إن اكتشاف معلوماتٍ جديدةٍ عن الأصدقاء وزملاء العمل ينشط المحادثات ويعزز الحميمية.

أظهرت الدراسات كذلك أن فضولنا حيال الآخرين يجعل صحبتنا أمتع.

عدِّد طرق انتقالك

المهام الرتيبة مثل الانتقال من وإلى العمل قد يجعل يومك ينتهي بشعورٍ مبتذلٍ.

لكن حتى لو كان الأمر يتطلب مجهوداً إضافياً، لا تخجل من إرباك الأمور.

لو أنك تقود سيارتك، اتخذ طريقاً مغايراً أو استمع لبرنامجٍ إذاعيٍّ مختلفٍ.

لو كنت تسير على قدميك أو تستقل المواصلات العامة جرِّب تحية شخصٍ غريبٍ، أو اترك هاتفك واستمتع بمشاهدة الناس على الطريقة القديمة.

ويقول تيم لوماس الباحث في الملل، والمحاضر في علم النفس الإيجابي بجامعة شرق لندن: "قد تبدو مراقبة محيطك هكذا ببساطةٍ أمراً مملاً (وهي كذلك أحياناً)، لكن إن فعلتها بعقلانيةٍ، فقد تصبح مثيرةً للاهتمام وعميقةً".

وأياً كان ما ستفعله للقضاء على الملل، أبْقِ الأشياء مثيرةً بتغيير سلوكك.

فوفقاً لكلام ليوبوميرسكي: التنويع لا يكسر التعود فقط، وإنما قد يكون هو توابل السعادة.

علامات:
تحميل المزيد