بما أن مشاركة المعلومات وإتاحة حرية الوصول إلى الأفكار من خلال الكتب هو شيء لا يقدر بثمن، ظهرت مكتبات في أماكن غريبة وغير متوقعة لتُحدث تغييراً حقيقياً في المجتمعات التي وُجدت فيها.
ويبدو أن الناس يُبدعون في ابتكار طرق لتبادل المعرفة والحفاظ عليها مهما كلفهم الأمر؛ حتى لو كانت هذه المعرفة محظورة.
فيما يلي أهم هذه المكتبات، وفق ما عدده موقع Listverse:
مكتبة في سراديب الموتى، تحت باريس
تحت مباني وشوارع باريس، "مدينة الأنوار" الرومانسية، تقع سراديب الموتى على عمق 20 متراً.
يعود تاريخ سراديب باريس لأواخر القرن الثامن عشر، عندما أدت مشاكل الصحة العامة الكبرى المرتبطة بتكدس الجثث في مقابر المدينة وانتشار رائحتها الكريهة إلى قرار نقل الجثث إلى موقعٍ تحت الأرض.
يزور هذه المدينة المظلمة عدد قليل من السياح بسبب المخاطر العالية التي قد يواجهونها عند زيارتهم.
يمكن أن تنهار الجدران في أي لحظة، ولا توجد كهرباء في الممرات ويرتدي العديد من السياح الذين يجازفون بزيارة المكان خوذات عمال المناجم.
الجماجم والعظام مرتبة ترتيباً منظماً للغاية، ويقدر عددها بنحو 6 ملايين جثة.
هناك، بعيداً عن قواعد العالم السطحي، نشأ مجتمع متمرد؛ فهم أحرار في التعبير عن أنفسهم وأطلقوا على أنفسهم اسم cataphiles. يرسمون ويحفرون ويبتكرون فنوناً متنوعة، كما أنشأوا مكتبة تحتوي على رفوف محفورة باليد مليئة بالكتب تسمى La Librairie.
من يريد أن يزور هذه المكتبة عليه أن يعرف شخصاً من الـ cataphiles ليكون مرشداً، لأنه لا يمكن العثور على موقع المكتبة بأي طريقة أخرى.
مكتبة الكهف في الصين
قبل أكثر من 1000 عام، أنشأ أشخاص مجهولون حجرة في كهف في صحراء غوبي بالصين.
يبلغ ارتفاع الحجرة 3 أمتار (10 أقدام) مع مخطوطات بطول 152 متراً.
في أوائل القرن العشرين، عين راهب بوذي يدعى وانغ يوانلو نفسه كراعٍ لأضرحة الكهوف في تلك المنطقة.
واكتشف بالصدفة أبواباً قادته إلى حجرات مليئة بمخطوطات ووثائق قديمة.
تحتوي المكتبة على 50 ألف وثيقة مكتوبة بنحو 17 لغة.
أهم ما تم اكتشافه هو السترة الماسية، (أقدم كتاب مطبوع في العالم ويحتوي على عظات بوذا الأقدم).
وتعتقد المكتبة البريطانية أن هذه النسخة من الوثيقة تعود إلى عام 868، أي أنها أقدم نسخة مطبوعة تحمل تاريخاً في العالم.
وذكر "بول بيليو" الخبير الفرنسي بعلم الصينيات أن المخطوطات وضعت في الكهف سنة 1035 حين غزت إمبراطورية "شيشيا" مدينة "دونهوانغ".
مكتبة سوريا السرية
أنس أحمد، طالب سابق في الهندسة المدنية وأحد مؤسسي المكتبة السرية في دمشق.
السير إلى المكتبة السرية وُصف كالتالي: "نذهب من خلال المباني التي تعرضت للقصف لإخفاء أنفسنا عن القناصة. علينا أن نكون حذرين للغاية لأن القناصة يتابعوننا متوقعين الخطوة التالية التي سنتخذها".
مجتمع من المتطوعين أنشأ المكتبة تحت الأرض للحفاظ عليها في مأمن مما يحدث يومياً من تدمير وانهيارات.
تضم 14000 كتاب حول كل موضوع تقريباً، ولكن جمع هذه الكتب يعد خطيراً.
يتوجه المتطوعون إلى المباني التي تعرضت للقصف قبل أن يتم تدميرها بالكامل.
تبدو المخاطرة بهذا القدر من أجل الحصول على الكتب غريبة للغاية. ومع ذلك، فإن هذه المكتبة السرية لا تعتبر مصدراً للإلهام والأمل بالنسبة للأشخاص المتوجودين هناك فحسب، بل تخدم العديد من الوظائف الهامة أيضاً.
نظراً لأن الآلاف من المدنيين قد فروا وتوفي الآلاف، هناك العديد من الأدوار التي يتعين شغلها.
مثلاً، يستخدم متطوعو المستشفى كُتبها لمساعدتهم في علاج المرضى، ويقرأ كثيرون باعتبار ذلك طريقة للهروب من أهوال العالم الحقيقي.
ورغم أنه من السهل القول إنهم يجب أن يستخدموا وقتهم وطاقتهم في جمع الطعام بدلاً من ذلك، فإن أنس أحمد قال: "مثلما يحتاج البدن الغذاء، فإن الروح تحتاج الكتب".
مكتبات القراصنة أو مكتبات الظل
يعتقد البعض أن الوصول إلى الأبحاث العلمية والمجلات الأكاديمية يجب ألا يقتصر على من لديهم أموال كافية لشرائها.
ومن ثم ظهرت مكتبات القراصنة (تُعرف أيضاً باسم مكتبات الظل) في العالم الرقمي.
إذا حاولت الوصول إلى عديد من الأبحاث على الإنترنت، فأنت تعلم أن بعضها تطلب الدفع.
تُقيِّد هذه الأجور الوصول إلى ما لا يقل عن ثلاثة أرباع البحوث والمناقشات العلمية، وهو ما يمثل مصدر قلق عالمياً.
بفضل مكتبات القراصنة بإمكان أي شخص لديه اتصال بالإنترنت أن يكون مطِّلعاً على هذه المعرفة.
بالنسبة للمبتدئين، يوجد موقع على شبكة الإنترنت Sci-Hub، وهي مكتبة رقمية لا تقتصر على المحتوى المرخّص فقط.
تُطلق Sci-Hub على نفسها "أول موقع إلكتروني للقراصنة على مستوى العالم يوفر الوصول لعشرات الملايين من الأوراق البحثية".
ظهرت مواقع ويب أخرى، مثل Library Genesis، مع انتهاكات مماثلة لحقوق الطبع والنشر.
لكي نكون واضحين، غالباً ما يكون المساهمون بالموقع من الأكاديميين الذين يرغبون في المشاركة بمكتبة عالمية أو مركز أبحاث، من أجل التوسع العالمي للمعرفة.
مكتبة داخل دبابة
أنشأ الفنان الأرجنتيني راؤول لميسوف، وهو فنان غريب الأطوار، "سلاح التعليم الشامل" (Arma de Instruccion Masiva) في بوينس آيرس.
مكتبة على شكل دبابة، قرر استخدامها لمحاربة الجهل ونشر المعرفة.
في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، كانت شوارع بوينس آيرس بكثير من الأحيان، أماكن نزاع في ظل وجود دولة عسكرية.
لكن راؤول قرر تحويل واحدة من سيارات "فورد فالكون" من طراز 1979 إلى ما يسميه "مساهمة في تحقيق السلام من خلال نشر الأدب".
حوَّل ليمسوف السيارة إلى ما يشبه الدبابة، مع برجٍ دوَّار وبندقية لا تعمل.
وتضم المكتبة الدبابة نحو 900 كتاب.
وغالباً ما يقوم ليمسوف بجولات في المراكز الحضرية والمجتمعات الريفية بالأرجنتين، حيث يعطي كتباً مجانية لأي شخص مهتم.
وقال إنه يأمل أن تشجع الشباب على اختيار العلم بدلاً من العنف.
مكتبة على ظهر حمار
يستخدم أمين المكتبة والمدرس لويس سوريانو حمارين، هما ألفا وبيتو، لتوصيل الكتب إلى القرى النائية في المنطقة الوسطى من مقاطعة ماجدالينا، في كولومبيا.
مجهوداته غير العادية لفتت انتباه العالم بأَسره، كما ذكرت صحيفة New York Times، أنه "ابتكرها انطلاقاً من الاعتقاد البسيط بأن إحضار الكتب إلى أشخاص لا يملكونها يمكن أن يحسّن بطريقة ما، هذه المنطقة الفقيرة".
يجوب سوريانو تضاريس كولومبيا الصعبة، لدعم وتقديم الكتب إلى الأطفال في القرى النائية.
كانت البداية عام 1990 بـ70 كتاباً فقط على حمارين، ثم توسَّع المشروع بعدما أطلق موقعاً إلكترونياً لتلقي التبرعات.
مكتبات في أماكن غريبة .. كالترام مثلاً
في برنو بجمهورية التشيك، تم تحويل سيارة ترام قديمة إلى مكتبة متنقلة ذات ألوان حيوية وأداة ترويجية اسمها Jiří Mahen.
يسافر الترام المجهز بشاشات خاصة ورموز QR لتحميل كتب إلكترونية مجانية، على طول 35 ميلاً في المدينة.
بإمكان الزوار الوصول إلى موقع المكتبة من خلال هواتفهم الجوالة، وتحميل عينات مجانية من الكتب المختارة.
يطلق على مشروع المكتبة المتنقلة اسم "Library in the Tram – Tram to the Library"، وحصلت على المركز الأول في جائزة IFLA الدولية للتسويق لعام 2014.