قد تكون الفكرة غريبة، لكنها حقيقية بالفعل: عناك عدد من البلدات تقدم منازل مجانية للقادمين الجدد الذين يوافقون على العيش بهذه البلدات الصغيرة.
مثل الكثير من البلدات الصغيرة حول العالم، مرَّت بلدة كامنوك جنوب شرقي أستراليا بفترة طويلة من تراجع عدد السكان وتقلُّص الثروات. كانت هذه البلدة في يومٍ من الأيام نقطة توقف أساسية للقطارات بولاية نيو ساوث ويلز، لكنَّ إغلاق محطة القطارات وافتتاح طريق سريع جديد حوَّل البلدة الصغيرة الصاخبة إلى مكانٍ رائع لكن هادئ، ومنقطع إلى حدٍّ كبير عن العالم.
ومع تراجع السكان فيها إلى أعدادهم الحالية أقل من 300 نسمة، يخشى السكان منذ سنوات إمكانية أن تضطر المدرسة الابتدائية في البلدة لإغلاق أبوابها في نهاية المطاف، وهو ما من شأنه أن يُوجِّه ضربة قاصمة لبلدة كامنوك، حسب ما نقلت صحيفة The Washington Post الأمريكية.
لذا بدأ السكان يتساءلون كيف يمكن توسيع هذا المجتمع مجدداً، على الرغم من وجوده في منطقةٍ تتأثر بالجفاف بصورة منتظمة وتبعد نحو 4 ساعات ونصف بالسيارة عن مدينة سيدني.
لا يوجد في كامنوك مراكز تسوق كبيرة، أو مطاعم جاذبة، أو متاحف ذات شهرةٍ عالمية. لكن يوجد بها بالفعل الكثير من المنازل الخاوية التي تركها كل الذين غادروها.
منح المنازل للقادمين
ومن ثم وُلِدَت فكرة في عام 2008، تتمثَّل في منح تلك المنازل لكل من هو مستعد للانتقال للعيش هناك، ليس فقط مقابل سعرٍ مقبول، بل تقريباً بالمجان.
وبالنسبة للمنازل التي تحتاج إلى تجديدات، ستفرض البلدة رسوماً رمزية أسبوعية أقل من دولارٍ واحد. وستُكلِّف المنازل المُجدَّدة أكثر بقليل، لكنَّها ستظل رخيصة للغاية.
وحين قرأت نيكول لويس عن هذا البرنامج قبل 4 سنوات، استحوذت على اهتمامها في الحال. وبعد ذلك بفترة قصيرة، غادرت حياة المدينة التي كانت تعيشها وانتقلت إلى كامنوك مع زوجها وأطفالها الخمسة.
تروي قائلةً: "الجميع كانوا مُرحِّبين بنا للغاية، كان هذا اندماجاً فورياً (مع سكان البلدة)". ولا يزال الزوجان يدفعان نحو 100 دولار للإيجار لمنزلٍ مكون من ثلاث غرف نوم، وبه مدفأة، وشرفة مسقوفة خلفية، ودون وجود جيران مباشرين ملتصقين بالمنزل. وقالت: "إنَّه يمنحك الإحساس الذي يُشعِرك به المنزل الريفي الأسترالي النموذجي".
الفكرة تنتشر من أستراليا لبقية دول العالم
وبعد أكثر من 10 سنوات على إطلاق كامنوك تجربتها تلك، نقلت أكثر من 12 بلدة أخرى في عموم أستراليا وحول العالم هذه الفكرة.
وتصدَّرت بلدة سامبوكا الإيطالية القابعة فوق تل عناوين الأخبار هذا الأسبوع حين أعلنت أنَّها ستبيع منازل بأقل من دولارين، في مسعى لوقف التراجع السكاني بها في ظل انتقال سكانها الشباب إلى المدن الأكبر، حيث يسعون للحصول على الدرجات العلمية وفرص أفضل للعثور على وظائف.
مع أن العرض يبدو أفضل كثيراً من تصديقه، يعرض المسؤولون المحليون، حسب تقرير صحيفة The Independent البريطانية، منازل المدينة الواقعة فوق التل للبيع، في مساعٍ لإعادة إعمار المدينة الريفية.
سيحصد المشترون ما يفوق أموالهم التي دفعوها قيمةً؛ لأن العشرات من المنازل المعروضة للبيع مُقامة على أرض يُشار إليها بـ "الجنة الأرضية" على جزيرة صقلية الجنوبية.
ووفقاً لمسؤولي المدينة، يتمثل الهدف من البيع في إعادة الأشخاص إلى سامبوكا بعد هجرة السكان المحليين إلى مدن أكبر.
قد تبدو هذه الحملة مألوفة بالنسبة لمراقبي سوق العقارات الإيطالي عن كثب؛ ففي عام 2014، أطلقت بلدة غانغي في جزيرة صقلية برنامجاً مماثلاً، فطرحت 20 منزلاً مقابل أقل من دولارين. وفي كلتا البلدتين الإيطاليتين، تماماً كما هو حال بلدة كامنوك الأسترالية، كان على مُقدِّمي الطلبات الالتزام بترميم المنازل.
من المدن إلى الريف
وبالنسبة للأسر الشابة التي تعيش في المدن، قد تكون مبادرة كامنوك أكثر جاذبية الآن مقارنةً بما قبل بضع سنوات. ورصد الباحثون في أوروبا وأستراليا أنَّه في حين ينتقل مزيدٌ من الناس من المناطق الريفية إلى المدن، هناك أيضاً عدد متزايد من الناس ممن يجدون المدن الآن أكبر من طاقاتهم المادية لدرجة تضطرهم للعودة إلى الضواحي أو البلدات الأصغر.
قد تكون تلك أنباء جيدة للبلدات الشبيهة بكامنوك وغانغي وسامبوكا في أنحاء العالم. فكما أصبح تحمل تكاليف المعيشة في المدن الأكبر أصعب، زادت درجة الجاذبية التي قد تبدو عليها الحياة في البلدات الأصغر.
برنامج الدولار الواحد
وبالتأكيد لن تمنع مغادرة أسرة نيكول لويس وغيرها من الأسر التي انضمت إليها منذ ذلك الحين للحضر التوسع الحضري المتنامي في العالم، إذ يُتوقَّع أن يزيد عدد سكان العالم الذين يعيشون في المدن من نسبة 54% حالياً إلى 66% عام 2050. في الواقع، هذه الأسر التي تصل إلى كامنوك لم يمكنها حتى منع إغلاق الحانة العامة والفندق. لكنَّها قد تكون قادرة على تحمُّل تكلفة العيش في تلك البلدات المتقلصة، والتي تستغل المزاج الحالي في الوقت المناسب، شريان حياة ودفعة من الثقة.
قالت نيكول: "آمل أن يعيد برنامج الدولار الواحد السكان الأصغر سناً إلى البلدة"، وأضافت أنَّ كامنوك شهدت مؤخراً انتعاشة في المجموعات المجتمعية التي تستهدف الأسر والسكان الأصغر. وفي حين تعاني بعض الأسر بسبب الجفاف المستمر لأكثر من سنة حتى الآن، تشعر نيكول بالتفاؤل حيال مستقبل أسرتها في كامنوك. فقالت: "الأطفال يحبونها". ووجد زوحها، بعد عدة سنوات قضاها في الجيش، وظيفةً للعمل ضابطاً إصلاحياً بإحدى البلدات القريبة، في حين تسعى هي للحصول على درجة علمية في الرعاية والتمريض.
وفي المنطقة التي تشهد عقد التجمعات الاجتماعية بالبلدة، في نادٍ للبولينغ، كان هناك اتفاقٌ على أنَّه ينبغي الترحيب بحفاوة بنيكول والقادمين الجدد الآخرين، على الأقل إن التزموا فعلاً بالعيش في الريف الأسترالي.
وقال فيل كينغ بينما كان يجلس في الحانة ويشرب الجعة مع الأصدقاء: "عموماً، أود القول إنَّ الأمر كان ناجحاً. إنَّه يسلط الضوء على أنَّ نمط الحياة في المناطق الريفية هو في الحقيقة أفضل مما في سيدني ويمكن تحمُّل تكلفته بصورة أيسر".
مدن تعرض منازل مجانية
الإنشاءات في العاصمة اليابانية طوكيو تتاسرع بشكل جنوني، ومع هذا تسعى المدينة للتخلص من المنازل الخالية والمهجورة. وذكرت صحيفة Japan Times أن واحد من كل 10 منازل في طوكيو فارغ، والسبب هو نقض عدد سكان اليابان. تمنح العديد من العقارات مجاناً على قواعد البيانات على الإنترنت تسمى "بنوك akiya"، في إشارة إلى الكلمة اليابانية عن "المنزل الفارغ". بينما بيعت منازل أخرى مقابل ما يعادل 4 دولارات تقريبًا.
في مدينة بافالو التابعة لنيويورك، يتم تقديم العقارات المملوكة للمدينة التي لا يرغب أحد في شرائها لبرنامج Urban Homestead. ويقوم البرنامج ببيع العقارات مقابل دولا واحد فقط. لكن البرنامج يشترط أن يبقى المشترون في المنزل لمدة 3 سنوات على الأقل وإصلاح أي مخالفات للوائح البناء خلال 18 شهرًا.
وشهدت قرية أولالي الإيطالية المعروفة بصيد الأسماك انخفاضا واضحاً في أعداد السكان على مدى نصف القرن الماضي. واضطرت الحكومة إلى أن بيع مئات المنازل المهجورة لاجتذاب سكان جُدد. في مقابل 1.25 دولار، يجب على المالكين الموافقة على تجديد عقاراتهم في غضون ثلاث سنوات.