إنه موسم الهجرة إلى اليابان فقد أنهى المشرِّعون في اليابان، المُستاؤون من نقص العمالة في بلادهم التي تشيخ بمعدلٍ سريع، حالة التقوقُّع الطويلة في البلاد في وقتٍ مبكر من يوم السبت 1 ديسمبر/كانون الأول عن طريق سماحهم بزيادةٍ كبيرة في عدد العمَّال الأجانب، بحسب صحيفة The New York Times الأميركية.
وبموجب مشروع قانون وافقت عليه الغرفة العليا للبرلمان الياباني في الساعات الأولى من صباح يوم السبت، ستُصدَر أكثر من ربع مليون تأشيرة لمدة خمسة أعوام للعمال الوافدين من غير ذوي المهارات الخاصة للمرة الأولى بدءاً من عام 2019.
مفاجأة غير متوقعة
يُعَدُّ هذا الإجراء تحوُّلاً لافتاً في سياسة اليابان، فاجأ جيرانها وربما حتى فاجأها هي نفسها. فالبلد الذي تبنّى يوماً قيوداً قاسية على الهجرة يسير الآن بخطى مترددة في الاتجاه المعاكس، جاذباً الأجانب في نفس الوقت الذي تثير فيه القوى السياسية المناهضة للمهاجرين اضطراباتٍ في الغرب بسبب الهجرة.
مع ذلك، فإنَّ التغيير الذي طرأ في اليابان هذا تحرِّكه في الأساس أسبابٌ اقتصادية وديموغرافية. فلا تملك اليابان خياراً آخر لملء الوظائف الشاغرة في ظل قوة العمل المتضائلة التي تُصبِح ببساطة أكبر سناً مِن أن تستطيع العمل.
لكن ليس الجميع راضياً عمَّا يحدث.
فقال كويتشيرو غوتو، مدير شركة لدور المسنِّين في كاشيوا، وهي إحدى ضواحي طوكيو: "قبول عدد كبير من المهاجرين من شأنه أن يقوِّض حدود أمَّتنا الفريدة".
لكنَّ أمثال غوتو يدعمون القرار الجديد، ولو أنَّه دعم متردد. فهو في أمسّ الحاجة لتوظيف مُقدِّمي رعاية بدار Mother's Garden، وهي دار مسنين ذات 70 غرفة، توجَد لديه لائحة انتظارٍ مِن 60 مقيماً محتملاً وإعلانات توظيف تكاد لا تجذب أبداً أي متقدمين للعمل.
وقال: "إن لم يُساعدنا عمالٌ أجانب، لن تبقى تجارتي هذه".
تأشيرات لخمسة أعوام
وبموجب الإجراء الجديد، ستُتَاح ما بين 260 ألف إلى 345 ألف تأشيرة مدتها خمسة أعوام للعمال في 14 قطاعاً يعانون من نقص العمالة، من بينها تقديم الرعاية، والإنشاء، والزراعة، وتصنيع السفن.
وسيستحدث القانون الجديد كذلك فئةً منفصلة لتأشيرات العاملين ذوي المهارات العالية، الذين سيُسمَح لهم بالبقاء في اليابان لفترة غير محدودة وسيتمتَّعون بمزايا أكثر، منها السماح لهُم بإحضار عائلاتهم إلى اليابان.
ويبدو أنَّ هذا التغيير يأذن بتحوُّلٍ مهم في مسار إدارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي ذي النزعة اليمينية. فمنذ وقتٍ ليس ببعيد قبل ثلاثة أعوام فحسب، قال آبي على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة إنَّه "ما زال هُناك الكثير ممَّا يجدُر بنا فِعله قبل قبول المهاجرين".
وللتعامل مع نقص العمالة الناتجة عن تراجع أعداد السكان، دعا آبي لزيادة عدد النساء في قوّة العمل، وتأخير سن التقاعد، واستخدام الروبوتات للقيام بالأعمال التي يقوم بها البشر.
تحديات ديموغرافية
لكنَّ قوَّة العمل المتقلِّصة في اليابان، وتقدُّم سكَّانها في العمر بوتيرةٍ متسارعة، ضغطا على آبي ومؤيديه من المحافظين كي يقبلوا أخيراً بأنَّ التحديات الديموغرافية التي تواجهها بلادهم لا يُمكِن حلَّها بالإجراءات الداخلية وحدها.
وفي غياب عُنصِر الهجرة، يُتوقَّع أن يتقلَّص التعداد السكَّاني في اليابان بنحو 16 مليون شخصاً -أي حوالي 13% من السكان- على مدار السنوات الخمس والعشرين المقبلة، فيما يُتوقَّع أن تزداد نسبة مَن هُم فوق سن 65 عاماً من رُبع السكَّان لتصبح أكثر من الثُلث. وفي قطاع الرعاية وحده، تُقدِّر الحكومة أنَّ أصحاب الأعمال سيحتاجون لعمال إضافيين يبلغ عددهم 377 ألفاً بحلول عام 2025.
البلاد بحاجة لعاملين أجانب بسرعة
وقال آبي في جلسةٍ برلمانية عُقِدَت أواخر الشهر الفائت نوفمبر/تشرين الثاني إنَّ نقص العمال "مسألة مُلِحّة". وأضاف أنَّ البلاد بحاجةٍ "لعاملين أجانب بأسرع ما يمكن".
مع ذلك، فإنَّ القانون الجديد، الذي لاقى انتقادات كثيرة من جانب أحزاب المعارضة، لا يُمثِّل تبنّياً لفكرة الهجرة بقدر ما يعكس حسابات تجارية متباينة بشدة. ومشروع القانون نفسه، الذي ساندته المجموعات الصناعية بقوَّة، مبهمٌ في بعض جوانبه ويهدف للحد من أنواع العمل التي يُسمَح للأجانب بممارستها، وكذلك طول فترة بقائهم في البلاد.
فهل تصبح اليابان بلداً متعدد الثقافات؟
قالت غابرييلا فوغت، أستاذة السياسة والمجتمع الياباني بجامعة هامبورغ الألمانية، والتي درست قضيَّة الهجرة في اليابان: "لا صلة لهذه الخطوة بأن تُصبِح اليابان مجتمعاً متعدد الثقافات ولا أن تفتح أبوابها لتكون ذات توجُّهٍ عالمي. هذه مجرد سياسات سوق عمل بحتة".
ومع أنَّ القانون الجديد يُمثل تحوُّلاً في السياسة الرسمية لليابان، إلَّا إنَّ البلاد لطالما قبلت استقدام عاملين أجانب بأساليبٍ مُتحايلة، مثل التأشيرات الممنوحة للبرازيليين والبيروفيين ذوي الأصول اليابانية أو البرامج التقنية المفتوحة للمتدربين، وأغلبهم من الصين أو جنوب شرق آسيا، يُزعَم أنَّ السبب هو إتاحة الفرصة أمامهم ليتدرَّبوا على مهاراتٍ ويعودوا إلى أوطانهم. ووفقاً للحكومة اليابانية، كان في اليابان نحو 1.3 مليون عامل أجنبي حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
يستخدم العديد من أصحاب العمل المتدرِّبين باعتبارهم عمالة رخيصة، وكثيراً ما تُساء المعاملة. ووفقاً لتقارير الحكومة، مات 63 متدرِّباً أجنبياً في اليابان جراء التعرُّض لحادثٍ أو الإصابة بمرض وانتحر ستة متدربين آخرين خلال الفترة بين عامي 2015 و2017.
ويخشى المنتقدون أن يكون القانون الجديد مجرد وسيلة للتوسع في استغلال العاملين الأجانب. فقالت تشيكاكو كاشيوازاكي، أستاذة علم الاجتماع بجامعة كيو في العاصمة طوكيو: "دون رقابة أو نظام للتفتيش، لن يُدار نظامٌ كهذا على نحوٍ سليم".
لكن هناك تشكك في الأجانب
وفي إشارةٍ على مدى استفحال التشكُّك في الأجانب باليابان، تساءل سياسيون من كلٍّ من اليمين واليسار السياسي عما إذا كان قبول عمالةٍ أجنبية أكثر سيُخلّ بالمجتمع.
فكتب سيغيهارو أوياما، وهو مشرّعٌ وعضوٌ بالحزب الديمقراطي الليبرالي الحاكم الذي يتزعمه رئيس الوزراء آبي، في مجلَّة iRONNA، وهي مجلةٌ إلكترونية يمينية التوجُّه: "نحن بحاجةٍ لتأمين وظائف لكبار ومتوسِّطي العمر، والنساء، والشباب ممَّن لم يستطيعوا الحصول على الوظائف نتيجة الانسحاب الاجتماعي أو الاكتئاب. علينا مَنع الأجانب من استغلال نظام الرعاية الاجتماعية في اليابان".
وحذَّرت شيوري ياماو، وهي مُشرِّعة وعضوةٌ بالحزب الديمقراطي الدستوري ذي المَيل اليساري، وهو أكبر كتلةٍ معارضة بالبلاد، مخاطبةً مجلس النواب الياباني في أواخر الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2018)، قائلة: "إذا فتحنا أبوابنا دون أن نُصمِّم النظام بحرص، فلن يمكننا غَلقه مجدداً بسهولة".
روح اليابان، ماذا يعني ذلك؟
وفي دار Mother's Garden، دار المسنِّين بضاحية كاشيوا، حيث غطَّت زينة عيد الميلاد الأروقة، قال غوتو، مدير الدار، إنَّه قلقٌ من الصِدامات الثقافية المُحتمل حدوثها بين اليابانيين والعاملين الأجانب الوافدين.
وقال: "أظن أنَّه قد يكون مِن الصعب على الأجانب فهم" روح اليابان.
لكن من الجهة الأخرى، قالت كاناكو ماتسو، مديرة المرافق بدار الرعاية، إنَّ حِفنة العُمَّال القادمين من تايوان والفلبين وفيتنام ممَّن يعملون بالفعل في الدار "جوهرهم على نفس شاكلة" زملائهم اليابانيين.
وقالت: "لا أشعر بأي فجوةٍ ثقافية وأنا أعمل معهم".
وفي وقت الغداء يوم الخميس، كانت أيوكو إيواي (29 عاماً)، وهي مقدِّمة رعاية يابانية، تطعم أحد النزلاء وجبة الدجاج المهروس والأرز المغليّ الطري. وكان زميلها في العمل يساعد نزيلاً آخر، لكنَّ 5 نزلاء آخرين كانوا يجلسون هامدين في كراسيّ متحرِّكة أمام شاشة تلفاز. قريباً سيأتي وقتُ راحة زميلها، وستُترَك أيوكو وحيدةً لتُشرِف على 10 نزلاء وحدها.
وقالت: "إن كان لدينا عاملون أكثر بالدار فسيكون بمقدورنا رعاية كل مريضٍ على حدة بصورة أكبر".
يقول بعض أرباب العمل إنَّ الأجانب قد لا يريدون وظائف دور المسنين في اليابان. فقالت كارو ساساكي، نائبة رئيس اتحاد يمثل 2800 مُشغِّل لدور رعاية المرضى المسنين المصابين بالخرف: "إذا لم نُحسِّن الوضع الراهن لمجال الرعاية، فلن يمكننا تعيين عددٍ كافٍ من العاملين".
وقد تكون الوظيفة شاقة.
ففي دار Mother's Garden، يُحمِّم الرُعاة النزلاء، ويغيِّرون حفاضاتهم، ويُساعدونهم على ارتداء ثيابهم. كذلك ينظِّفون الحمامات والمطابخ ويعتنون بأرنبٍ أليف. ويبلغ متوسِّط الراتب الشهري في الوظيفة بعد 3 أعوام 200 ألف ين ياباني (نحو 1775 دولاراً، ما يعادل قرابة 11 دولار في الساعة).
من المُستبعَد أن تُتاح أمام العمَّال الأجانب منخفضي المهارة مِن حملة التأشيرات المؤقتة خياراتٌ كثيرة للعمل، وكذلك لن يُسمَح لهم بإحضار عائلاتهم معهم. ويخشى المحللون أن يُعامل هؤلاء كما لو كانوا محض آلاتٍ تؤدي غرضاً.
وقالت إرين تشانغ، أستاذة السياسات الشرق آسيوية بجامعة جون هوبكنز بمدينة بالتيمور الأميركية: "يثير هذا تساؤلاتٍ أخلاقية أوسع نطاقاً، لا أظنُّ أنَّ الإدارة في اليابان فكَّرت فيها بإمعان. إن كان هذا ينمُّ عن شيءٍ فإنَّه يعني أنَّ الإدارة ربما تشعُر بالتجرُّؤ في عهد ترامب بأن تشرع في سياساتٍ تُعامل العمَّال المهاجرين وتقيِّمهم فقط على أساس قوَّة العمل دون الإقرار بإنسانيتهم".
تأشيرات مؤقتة بإنتظار سياسات هجرة وافدة جديدة
أكَّد آبي الطبيعة المؤقَّتة التي ستحملها التأشيرات الجديدة. لكن المحللين يقولون إنَّ الحكومة بحاجةٍ لتطوير سياسةٍ على المدى الطويل للهجرة الوافدة.
وتوقَّعت لولي ميورا، وهي محاضرةٌ بالسياسة الدولية في جامعة طوكيو، أنَّ الصين، التي ستواجه هي الأخرى عن قريبٍ مُشكلة تقلُّص وتقدُّم سنّ السكَّان نفسها، في نهاية المطاف، ستبدأ في استقدام عاملين أجانب. وقالت: "وبهذا يصبح علينا إرساء نظام لائق للعاملين الأجانب، كي يبقوا ويعيشوا ويعملوا بسعادة في اليابان".
من جهةٍ أخرى، تعاني الحكومات المحلية لتوفير الخدمات للأجانب. فقال كاتسوتوشي موراياما، وهو مسؤول بمجلس بلدية كاشيوا، إنَّ العاملين بالبلدية اضطروا إلى نشر قواعد إرشادية لعمليات الإخلاء في حالات الطوارئ ولكيفية التخلص من القمامة بعدة لغات. وتساءل إن كان سيصبح بمقدور الوافدين الجدد التعوُّد على الثقافة اليابانية المستندة إلى القواعد.
وقال: "أشدُّ ما يُقلِقنا هو ما إذا كان سيصبح بمقدورهم اتِّباع القواعد، مثل كيفية تصنيف القمامة قبل رميها".
ومثل هذه المخاوف يردُّدها اليابانيون ممَّن يخشون تدفُّق الأجانب إلى بلادهم. فقالت ميشيل فوكاي، وقد وُلِدَت في الفلبين، وانتقلت للعمل باليابان منذ 13 عاماً وتزوجت رجلاً يابانياً، إنَّ جيرانها طلبوا منها مؤخراً أن تشرَح لجارٍ باكستاني جديد كيف يُفرِز قمامته المُخصَّصة لإعادة التدوير.
وفي غداءٍ مُشترَك أُقيم يوم الخميس 6 ديسمبر/كانون الأول 2018، بمركز كاشيوا للتبادل الثقافي، حيث تشارَك بضع عشراتٍ من المقيمين المولودين في بلادٍ أجنبية ومن المتطوِّعين اليابانيين تبادل الأطعمة المعدَّة منزلياً مثل البانسيت بالابوك، وهو طبقٌ معكرونة (نودلز) فلبيني، قالت فوكاي إنَّها تأمل أن تعمل مقدِّمة رعايةٍ في دار مسنين محلّية.
وقالت: "اليابان بحاجة أن ينقذها العاملون الأجانب".