هل هو خوف من العار؟ أم من ردة فعل المجتمع؟ أم من تبعات الاعتراف بالتعرّض للاغتصاب؟ أم أنها محاولة لخداع النفس؟ أسئلة كثيرة توضح الإجابة عن السؤال الرئيسي: لماذا لا يكشف ضحايا الاغتصاب تفاصيل الحادث؟
بحسب موقع BBC عربي، فإن 75% من النساء اللواتي يلجأن للمراكز منظمة مساعدة ضحايا الاغتصاب يطلبن العون جرّاء تعرّضهم لاعتداء قبل عام أو أكثر.
إذاً، لماذا لا يكشف ضحايا الاغتصاب تفاصيل الحادث؟
ناهيك عن عدم وجود علاقة بين الفترة التي تمضي قبل إبلاغ شخص باعتداء ومصداقيته، فهناك أيضاً من العوامل الاجتماعية والنفسية ما يحول دون تمكَّن الضحية من استيعاب ما وقع لها على الفور.
عدم التأكد
الصورة النمطية للاغتصاب لدى الكثيرين حول العالم تتمثل في قيام رجل غريب بالاعتداء على سيدة تسير في طريق مظلم أو تجلس في مكان عام فارغ.
والقليل يعلمون أن كل محاولة إجبار على الجنس من قبل أي شخص تعرفه أو لا تعرفه هي بمثابة الاغتصاب.
ولكن المشكلة لا تقف هنا، فأغلب الدول في العالم تختلف على السن الذي تعتبر فيه الجنس بالإكراه اغتصاباً، فبعض الدول تحدده بـ14 وأخرى تحدده بـ17.
والحقيقة الصادمة هي أن الدراسات تشير إلى أن أغلب حالات الاغتصاب في العالم لا تأتي من شخص غريب وعادة تكون الضحية تعرف المجرم جيداً.
وقد أظهرت دراسة أجريت عام 2016، وشملت كافة حالات الاغتصاب المبلغ عنها لجهة مركزية بالشرطة البريطانية على مدى عامين، أن 400 حادث اغتصاب لم يكن بينها حادث واحد يتفق والتصور السابق لرجل غريب يحمل سلاحاً ويغتصب امرأة تقاومه بمكان عام تحت جنح الظلام.
وهذا بالطبع لا يعني أن الضحية التي لا تقاوم الاغتصاب موافقة عليه، فقد أظهرت دراسة أجريت في عام 2017 أن 70% من السيدات يُصبن بالشلل المؤقت نتيجة الصدمة.
ومن التصورات الأخرى الشائعة أن ضحية الاغتصاب دائماً أنثى، ومن المؤلم حقاً أن معظم الرجال الذين تعرَّضوا لانتهاك جنسي كأطفال، بل واغتصاب ككبار، لا يصفون ما وقع بهم كذلك.
تبعة الإقرار بوقوع اعتداء
ومن الأمور المحيرة أنه حتى بعد الإقرار بالاعتداء تتواصل علاقة الضحية بمغتصبها، كأن يُلزم القانون المغتصب بالزواج من ضحيته، وفي ذلك حماية للمغتصب من المقاضاة وتلك القوانين قائمة في بلدان مثل الجزائر والفلبين وطاجكستان، وحتى في بلدان ليس فيها قوانين من هذا القبيل أحياناً تلجأ الضحية لمواعدة مغتصبها في محاولة للإقلال من وقع الصدمة أو استعادة زمام السيطرة المفقودة، وهذا أمر مفسّر سيكولوجيا فالأشخاص يتجاوبون بطرق شتى مع الصدمة وفق قناعاتهم التي تأبى أن تنظر إلى الزوج مثلاً أو الصديق بأنه غير أهل للثقة.
ويلجأ الذهن للنفي والإنكار للتعامل مع الصدمات، ويكون من الأيسر التصديق أن ما حدث لم يكن اغتصاباً في الحقيقة.
وكثيراً ما يستنفد الضحايا، خاصة الفتيات والنساء، جهداً كبيراً في محاولة استماحة العذر للمعتدي ومحاولة الإقلال من شأن الاعتداء باعتباره "سوء فهم أو سوء تواصل أو ممارسة غير صحيحة"، وتحميل اللائمة لوجهة أخرى؛ لأن تبعة وصف الأمر بالاغتصاب ثقيلة تبدأ بالنميمة واللوم وتنتهي بمصاعب اقتصادية ونبذ الأسرة للضحية والوصم الاجتماعي.
الخوف من العار
الإقرار بالاغتصاب يجعل الضحايا يشعرون بعارٍ أكبر، بينما عدم الإقرار قد يحميهم من كل هذا العار، وقد يؤْثر الضحايا تجنب الضيق والقلق الذي ينجم عن الإقرار بالأمر.
ومن الشائع أن تدفن الضحية شعورها بالخزي والحرج، بل وتوجه اللوم لنفسها تحسباً للوم اللائمين. ويحتاج الناجون من الاعتداء لمن يُسمعهم أن الأمر لم يكن "غلطتهم".