المجرات النشطة هي أحد أكثر العوالم المضيئة المذهلة في الكون، حيث يكون حجمها هائلاً وتقع على مسافات بعيدة جداً. كما أنها تطلق كميات هائلة من الطاقة أثناء دخول المادة إلى قلب الثقب الأسود الضخم الذي يقع في منتصفها، حسب موقع The Conversation الأميركي.
واكتشف علماء الفضاء مؤخراً أن بعض المجرات مخبأة بواسطة كميات كبيرة من الغازات والدخان الشبيه بالغبار، لكن لا تزال كيفية تشكُّل هذه المجرات الغامضة غير واضحة بعد.
كيف تشكلت المجرة الأكثر إشراقاً؟
عمل فريق علماء الفلك الخاص بنا على تبين أصل أكثر المجرات إشراقاً في الكون، والتي تضم نجماً زائفاً يعرف باسم W2246.
وتُظهر أبحاثنا التي نُشرت في مجلة Science الأميركية أن المجرة W2246 تشكلت عن طريق اندماج العديد من المجرات مع بعضها البعض.
إنها بعيدة لدرجة لا تتخيلها
اكتُشف المجرة W2246 للمرة الأولى خلال المسح الشامل الذي أجراه مستكشف الأشعة تحت الحمراء عريض المجال، الذي يُعرف باسم تلسكوب WISE الفضائي، سنة 2010. ولا تبدو هذه المجرة كما نراها إطلاقاً لأنها تقع على مسافة بعيدة جداً عن الأرض، وهو ما يعني أن الضوء الصادر عنها يستغرق وقتاً طويلاً للغاية للوصول إلينا.
ويمكن القول إن هذه المجرة تقع على بُعد مليارات السنوات الضوئية، وهي بعيدة جداً لدرجة أن الضوء الذي نشاهده منها في الوقت الحالي هو ذات الضوء الصادر عنها عندما كان الكون يبلغ 8% فقط من عمره الحالي.
هذا الجسم شديد اللمعان
ويبلغ الضوء الصادر عنه 10 آلاف ضعف الضوء الذي تُصدره مجرتنا "درب التبانة". وفي عام 2016، أفضت الأبحاث السابقة بواسطة مجموعة من التلسكوبات المتطورة، على غرار مصفوف مرصد أتاكاما المليمتري الكبير وتلسكوبي هابل وهيرشل الفضائيين، إلى أن W2246 هي المجرة الحاملة للرقم القياسي باعتبارها أكثر المجرات إشراقاً في الكون.
تصدُر النسبة الأكبر من طاقة مجرة W2246 عن المنطقة الصغيرة نسبياً في مركزها، التي تعد أصغر حتى من مجرة درب التبانة نفسها بعدة مرات. وتُظهر الصور أن مركز المجرة المضيئة يحتوي على سحاب ضخم من الغاز الساخن المضغوط، الذي بدأ في التمدد والانفجار بشكل مماثل للفقاعات في كل اتجاه.
ملاحظات جديدة
عمل الباحث تانيو دياز سانتوس، رفقة 11 باحثاً آخر في تشيلي، على مراقبة المجرة المضيئة بواسطة مصفوف مرصد أتاكاما المليمتري الكبير ومرصد كارل جي العملاق، وذلك في مواقع مناسبة في تشيلي ونيو مكسيكو. وبيَّنت الأبحاث أن سحابة الغاز والغبار التي تحتويها مجرة W2246 غير مسبوقة.
تمثل حقيقة أن W2246 مضيئة للغاية دون التغذي على المجرات المجاورة منذ فترة طويلة لغزاً كبيراً بالنسبة للعلماء، وهو ما يُحتمل أن يتحدى جميع نظرياتنا حول كيفية تشكل الكون. وتُظهر نتائج الأبحاث الجديدة أن هناك العديد من المجرات القريبة منها على وشك التعرُّض للجذب بواسطة جاذبية الثقب الأسود في منتصف W2246، ويتجلى ذلك من خلال جسور الغبار الكوني، الذي يحتوي على المواد الصلبة الغنية بالكربون، والشبيه بسخام الوقود. وتمثل هذه الجسور المسارات التي تتبعها المواد الصلبة والغازات التابعة للمجرات المجاورة أثناء تعرضها للجذب من قبل الثقب الأسود العملاق.
يُعد وجود الغبار عاملاً مهماً للغاية، وهو نتاج تفاعلات نووية في عمق النجوم العملاقة، ثم ينتشر عبر الكون بعد انفجار هذه النجوم وتحولها إلى مُسْتَعِر أعظم. ويعني هذا الأمر أن الغازات المُحيطة بمجرة W2246 قد تكون نشأت عن بعض النجوم في الماضي أو من قبل بعض المجرات المحيطة قبل أن يبدأ النشاط المكثف الحالي لهذه المجرة المضيئة. وتقدم الصور الجديدة نظرة دقيقة على نشاط المجرة كما نراه اليوم، فضلاً عن تاريخها في أوقات سابقة من حياتها.
حتى يتمكن مرصد أتاكاما المليمتري الكبير من رؤية الغبار الممتد على شكل جسور بشكل واضح، يجب أن تكون غازات هذه الجسور ساخنة بشكل كبير، وهو ما يمكن من رؤية النجوم صغيرة الحجم التي توجد داخل هذا الغبار، فضلاً عن مركز W2246 المشرق. وتُشير حالة الغاز داخل هذه الجسور إلى أنه حتى إذا ما كانت مجرة W2246 هي مصدر الحرارة الرئيسي، فإن الغاز والمواد المتواجدة داخل هذه الجسور لا تزال تنهار تحت جاذبيتها الخاصة لتشكِّل نجوماً جديدة داخل هذه السحب، وهو ما يسمح لها بالانجذاب نحو الثقب الأسود المركزي في مجرة W2246 وتزويده بالوقود في وقت لاحق.
يمكن تحديد مقدار الكتلة التي تحتوي عليها مجرة W2246 من خلال حساب السرعة والفصل النسبيين للمجرات المصاحبة لها، ويمكن كذلك تقدير أن مدة التفاعل الحالية تبلغ 200 مليون سنة. وبعد جمع هذه المعطيات وحسابها معاً، عمل الباحثون على احتساب معدل كميات الغاز الذي ينجذب نحو الثقب الأسود، وهو ما أفضى إلى استنتاج مفاده أن الكمية كافية بالفعل لإنتاج الطاقة الصادرة عن هذا الجسم.
لا يمكننا رؤية تفاصيل ما يحدث داخل النواة المدمجة الساطعة لهذه المجرة أثناء انجذاب هذه المواد نحو ثقبها الأسود، الذي يعمل على تسخين المواد وإطفائها بعد ذلك. ويتعيَّن على العلماء إجراء عمليات قياس أكثر دقة لتبين ما يحدث داخل الثقب الأسود لمجرة W2246.
هل نشهد اقتراب النهاية؟
لحُسن الحظ، يخطط العلماء لإجراء المزيد من عمليات مراقبة المجرة المضيئة في عام 2021 بواسطة مرصد أتاكاما المليمتري الكبير وتلسكوب جيمس ويب الفضائي المقرر إطلاقه عام 2020. وسيتمكن الباحثون من الكشف عن الطريقة التي ينتقل خلالها الغاز والغبار داخل W2246 ويحوم حول المجرات الصغرى ثم يتحول إلى نجوم يجذبها الثقب الأسود ويستنزف مواردها.
لن توفر هذه الملاحظات الجديدة نظرة ثاقبة حول هذه المجرة فحسب، بل ستساعدنا أيضاً على فهم الطرق التي تتكون من خلالها المجرات العادية، فضلاً عن الظروف المطلوبة للوصول إلى المراحل الأكثر إضاءة في حياة المجرات.
لقد كانت مشاهدة مجرة W2246 ممتعة بحق، لكن الثقب الأسود الذي تحتوي عليه سيكون قد انتهى من التهام المجرات المجاورة له في غضون 100 مليون سنة. وفي ذلك الوقت، ستفقد المجرة المضيئة لمعانها المبهر ليتخذ جرم سماوي آخر لقب أكثر جسم إشراقاً في الكون. لا شيء يدوم للأبد.