ما هو موقعنا في هذا الكون؟.. ربما لا يكون هذا السؤال صحيحاً، بل يجب أن نسأل أنفسنا ما هو موقع هذا الكون اللامتناهي تحديداً، وهل نشأتنا تعود بالفعل إلى "الانفجار الكبير"، أم أن هناك نظريات أخرى تجيبنا على كثير من الغموض المحيط بنا؟
يعتقد بعض علماء الفلك أن الفراغ النسبي في موقعنا بالفضاء قد يكون السبب في أننا لم نعثر على حياة ذكية أخرى حتى الآن. وقد يذهب الأمر حتى لأبعد من ذلك، إذ تشير إحدى النظريات إلى أن كوننا محاصر بالفعل داخل ثقب أسود عملاق، وهو في حد ذاته جزء من فلك أكبر بكثير.
كوننا في مركز الثقب الأسود .. كيف ذلك؟
كل ذلك يدور حول نظرية مختلفة لما يعنيه بالضبط الثقب الأسود. الفهم السائد حتى الآن أنه لا يمكن لشيء أن يفلت من شدة الجاذبية في الثقوب السوداء، ولا حتى الضوء. ويعتقد أنه حتى المعلومات حول الجسم الذي يتم امتصاصه تختفي في غياهب النسيان، وهو ما يدعى بمفارقة معلومات الثقب الأسود.
لكن هنا تكمن المشكلة. إذ ينتهك هذا الفهم قاعدة معينة في الميكانيكا الكمومية، وهي القاعدة المعروفة باسم "الوحدة"، والتي تنصّ على أنه لا يمكن أبداً فقدان المعلومات تماماً. إذ سيظل بعض أثرها دائماً.
كيف يمكن للعلماء تجاوز هذا التناقض؟ إحدى الطرق المطروحة، وفقاً لمجموعة صغيرة من العلماء، هي أن كوننا يتموضع في مركز الثقب الأسود. وهو ما يُعرف باسم التخمين ER = EPR.
قبل الانفجار الكبير، كان هناك ما يسمى التفرد، وهو نقطة كثيفة بشكل لا نهائي، لا يمكن قياسها، تحتوي على كل المادة في الكون. هذه النقطة انفجرت وانتشرت في جميع الاتجاهات، ومن ثم خلق الكون المتوسّع الذي نراه اليوم.
هناك مشكلة واحدة رغم ذلك في هذا الاحتمال، إذ يرى العديد من علماء الفيزياء أن هذا أمر مستحيل.
الارتداد الكبير .. بدلاً من الانفجار الكبير
بدءاً من الستينيات، كانت هناك مجموعة صغيرة من الفيزيائيين تفكّر في نظرية الارتداد الكبير Big Bounce بدلاً من الانفجار الكبير Big Bang.
وتقضي تلك النظرية أنه بالإضافة إلى الزمان – المكان المنحني، كان هناك شيء يسمى الالتواء، والذي يأخذ بعين الاعتبار دوران الجسيمات. وفي هذا المقياس الأكبر macroscale، ينتج عن هذا التواء في نسيج الفضاء.
ويعتقد بعض العلماء أن الالتواء قد يكون قادراً على مقاومة الجاذبية. وبينما ينتشر الكون، وفق هذا الرأي، يتم استخدام المزيد من الطاقة ودخول المزيد من المادة إلى الكون، التي يتم توزيعها بالتساوي.
وكلما زادت المادة زادت قوة الجاذبية، التي تبدأ في وقت ما بضغط الكون. ومع ذلك، فإن قوة الالتواء تمنع الانهيار التام عند نقطة معينة، ما يؤدي إلى ارتداد الكون. إنها مثل كرة مطاطية تم ضغطها وإطلاقها. هذا ما يسميه الفيزيائيون "ارتداداً كبيراً".
ربما كان هناك أكثر من ارتداد واحد. كل ارتداد من شأنه أن يخلق فجوة سوداء جديدة، ثقب دودي في الواقع، يعمل كبوابة تفضي إلى كون آخر أو جزء آخر خاص بنا. وهذا يعني أنه يجب أن يكون هناك كون أعظم، وهو موجود داخل كوننا.
يمكن التحقق من الكون الأكبر من الثقوب السوداء التي تمتد وتمتد، أو حتى تكون طبقات منها – تماماً مثل الدمى الروسية دمية أصغر داخل دمية أكبر، اعتماداً على عدد المرات التي حدث فيها ذلك، ما يجعل الكون المتعدد غريباً جداً في الواقع.
هذه نظرية مختلفة تماماً عن "الفراغات الزمكانية" التي تنبأ بها أينشتاين في وسط الثقوب السوداء.
لماذا تتواجد كمية ضئيلة من المادة المضادة في الكون؟
إلى جانب حل مسألة التفرد، يمكن لهذه النظرية أيضاً أن تساعدنا على فهم سبب وجود مادة مضادة ضئيلة جداً في عالمنا. يجب أن تكون هناك كميات متساوية من المادة والمادة المضادة التي تم إنشاؤها بعد الانفجار الكبير. لكن على الرغم من كثرة المشاهدات الدقيقة فإن المادة المضادة نادرة بشكل مدهش.
إحدى النظريات تقول إنه تم إنشاء المزيد من المادة أكثر من المادة المضادة. وأن المادة وذرات المادة المضادة جذبت بعضها البعض، وألغت بعضها البعض، تاركة وراءها هذه الأقلية من المادة المتبقية. المشكلة هي أنه لا يمكن لأحد تفسير سبب وجود مادة أكثر من المادة المضادة.
مع تخمين ER = EPR، بينما تتحلل المادة إلى إلكترونات وكواركات، والتي تكون وفيرة في كوننا، تتحلل المادة المضادة إلى القوة الغامضة المعروفة بالطاقة المظلمة، والتي يعتقد أنها تدفع المجرات، ما يفسر المعدل المتسارع للتوسّع الكوني.
الثقوب الدودية.. والجسيمات المتشابكة
لذا فإن الثقوب السوداء تكون أنظمة ثقوب دودية، وفقاً للتخمين. الثقب الأسود يمكن أن يمتصّ الأشياء في أحد طرفيها، في حين أن الثقب الأبيض يدفعها إلى الخارج، وإلى كون جديد أو إلى نقطة أخرى في كوننا.
كان خوان مالداسينا Juan Maldacena من جامعة برينستون وليونارد سوسكيند Leonard Susskind من جامعة ستانفورد قد اقترحا نظرية التخمين لأول مرة في عام 2013. وتزاوجت النظرية مع نظرية النقل الكمي عن طريق الثقوب الدودية، ويحدث هذا النقل الكمي عندما تصبح جسيمتان متشابكتين، حيث يتفاعل الجسيمان ويقومان بالدوران المغزلي نفسه، فيربطهم تفاعلهم بطريقة غامضة.
حتى لو كان أحد الجسيمين على الجانب الآخر من الكون، فهما يبقيان متشابكين، ويمكن للجسيم أن يسافر إلى الجسيم الآخر المرتبط به عبر كامل المساحة أسرع من سرعة الضوء. كيف يعمل هذا؟
هذا التخمين البسيط المفاجئ ER = EPR يمكن أن يكون هو الحل، وعلى هذا النحو، يساعد هذا التخمين في شفاء الصدع بين ميكانيكا الكم والنسبية العامة، ما يؤدي إلى النظرية الموحَّدة لكل شيء.
يسمى النفق الواقع بين الثقب الأسود والأبيض بالحلق. وفي ورقتهم التي نشرت عام 2017 في مجلة نظرية الفيزياء عالية الطاقة، بنى بينغ جاو Ping Gao ودانييل جافريس Daniel Jafferis من جامعة هارفارد وآرون وول Aron Wall من جامعة ستانفورد، على نظرية التخمين ER = EPR. وقد أثبتوا رياضياً أنه إذا تم اصطفاف اثنين من الثقوب السوداء بالطريقة الصحيحة، فإن تواصلهما الفريد، وصولاً إلى المستوى الكمي، من شأنه أن يحافظ على حلق الثقب الدودي وأن يبقيه مفتوحاً.