كنبات وأسرة وكراس وطاولات يعمُّها الأسود، وديكورات بتصميمات أنيقة تتخلل أشكالها توليفة من الألوان، إنه أثاث منزلي يتوهج سواداً، لكن المضيء فيه أن سواده ما هو إلا العجلات المطاطية كانت تالفة، فاستغلها شاب أمازيغي بموهبة وأعاد استعمالها، حيث أدرك أن كل شيء يتحول وقابل للتدوير.
محمد خاتو منذ صباه، يحكي أنه كان يحول أتفه الأشياء لصنع لعبة، طفولة قضاها في القرية الأمازيغية "المعدر الكبير" وسط غربي المغرب، علمته أن بالابتكار يمكن إعطاء الأشياء قيمة أخرى، لا تخطر على بال كثيرين.
بدت الحياة مربكة في أولى خطواته بعد إنهاء دراسته الجامعية، لكنه بقي شغوفاً بفكرة تأسيس شركة تحول العجلات إلى قطع ديكور عصرية، وإلى أثاث داخلي وخارجي.
أخطأ البداية لكن فرصة واحدة حوّلت اتجاهه
أنهى خاتو دراسته الجامعية، فكانت الفندقة بدايته في سوق الشغل، إلا أنه لم يلبث فيها كثيراً، ولم تتح له الفرصة لإيجاد عمل بديل، إلى أن التقى بشخص مد له يد العون، وقبِل بأن يشتغل معه في هندسة الديكور كمساعد له.
الفرصة أكسبت خاتو خبرة في مجال التصميم والديكور، وألهمته بأن يبدأ مسافة الألف ميل بخطوة واحدة على حين غرة، حين كان مع أخيه في "كراج" عمه، استحوذ على تفكيره مصير عجلات السيارات التي تملأ المكان، متسائلاً هل سيرميها في الحفر خارجاً أم سيوقد النار فيها، أو لم لا يعيد تقطيعها وتحويلها إلى شيء قابل للاستخدام.
قطّع عجلات السيارات، وأعد بها جفنة الغسيل، التي كانت أول شيء يصممه خاتو سنة 2004، ثم أعاد الكرة بعجلة دراجة نارية وعجلة سيارة ليحولها إلى طاولة الطعام، أشاد بعمله أفراد العائلة واُعجبوا، بل حتى زائرو المنزل راقتهم أفكاره، وشجعوه على المضي قدماً في هذا الأمر، كما شجعه الشخص الذي كان يشتغل عنده، ومنحه فضاء في إحدى "الفيلات" بقرية ميرلفت نواحي مدينة تيزنيت جنوب المغرب، لعمل أثاث خارجي يضم طاولات وكراسي وبعض الديكورات المنزلية، فرصة اعتبرها خاتو نادرة، ممسكاً بها ومبدعاً في إنجاز المطلوب فيها، إذ حظي بالتنويه الكافي للانفراد بعمله أو بالأحرى ابتكاراته وإنشاء مقاولته الذاتية عام 2013.
عقبة واحدة كللت بالنجاح
منذ بداية مشروعه في تحويل العجلات المطاطية إلى ديكورات المنازل، لم تكن من عقبات تواجه المصمم خاتو سوى واحدة، ألا وهي غياب الرأسمال، بيد أنه لو حظي به لكانت أفكاره كثيرة ومشروعه أكبر، وأتاح له فرصة تطويره وتسويقه على مستوى العالم.
انطلق المشروع برأسمال لا يتجاوز 5 آلاف درهم مغربي (533 دولاراً)، اشترى به مسامير وأخشاباً وعجلات مطاطية مستعملة، ثم بدأ العمل بابتكار تصاميم مختلفة، متطلعاً بأن تلقى إعجاب الناس، عمل بكد وبذل قصارى جهده كي يجعل مشروعه يكبر، فلم يكن ما يجنيه من بيع منتوجاته ربحاً يدخل جيبه، بل حافزاً لاستثماره مجدداً بجلب المواد الأولية، إلى أن أصبح لمشروعه صدى عند الناس، "آمنت منذ اليوم الأول بهذه الابتكار وبأنه سيكون فخراً لي لكي أعمل فيه بشغف"، يحكي خاتو لـ"عربي بوست".
من باحث عن عمل إلى مدير عمال
إذا كان خاتو بدأ بمفرده، فهو اليوم يشعر بالفخر بتوظيف أربعة عمال، ومتدربين اثنين في ورشة عمله في مدينة أغادير (جنوب غرب المغرب). كما يشغل في الخياطة وتزيين المنتوجات نساء قريته" المعدر الكبير" (قرب تزنيت)، إضافة إلى جامعي العجلات "الميخالة" ونجار.
لا يعتمد خاتو على العجلات الجديدة في ديكوراته، فصميم المبادرة هو استغلال العجلات التالفة في أمور قابلة للاستعمال، لذلك فهو يشتري العجلات المستعملة من جامعي القمامة الذين ينقبون في مخلفات الأزبال، يوصيهم مسبقاً بجلب أكبر كمية عثروا عليها، ولكل شيء ثمنه.
مثلاً درهم واحد (0,11 دولار) هو سعر عجلة دراجة هوائية مستعملة، ودرهمان (0,21 دولار) لعجلة الدراجة النارية، وخمسة دراهم (0,53 دولار) لعجلة السيارة، و150 درهماً (16 دولاراً) لعجلة الجرّار أو المحراث.
التسويق الإلكتروني هو أسلوبه لتحقيق هدفه
شكلت مشاركة خاتو بمنتوجاته في المعارض الجهوية، البدايات التسويقية الأولى في مسار تجربته المهنية، حيث شارك في معرض مدينة أكادير وتزنيت وتارودانت والقنيطرة، وشهدت مشاركته في معرض مدينة مراكش، شراء جميع منتجاته وتقديمها في القمة المناخية العالمية كوب 22 (مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ).
لكن اليوم، فإنه يعتمد أساساً على التسويق الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني، كما يساهم عملاؤه في فرنسا وهولندا في تطوير مبيعاته.
حماية البيئة بتقنية تدوير العجلات
يعتمد كثيرون على استخدام العجلات المطاطية المستعملة في فرن لحرق الفخار، لأن اشتعاله يزيد النار حرارة، لكن يلوث الهواء بدخان كثيف وروائح كريهة، أما آخرون فيوقدون فيه النار مع مخلفات الأزبال.
لكن تقنية الشاب خاتو التي اتبعها في تدوير العجلات، وإنتاج ديكورات مميزة، كانت سبيلاً آخر لحماية البيئة والتخفيف من وتيرة التلوث الهوائي، تقنية من الصعب تعلمها حسب قوله، إذ ليست كل عجلة يمكن تدويرها وإعادة تحويلها لمنتوج آخر، بل لكل منها خاصية تميزها لإنتاج ديكور معين، مما يتطلب جهداً كبيراً وصبراً أكبر، لا سيما أنها تعتمد بالأساس على مجهود اليدين، فلا يستخدم أي آلة سوى واحدة لقطع الحديد من إطار العجلات.
على خطى النملة اختار شعار شركته
شركة اختصاصها تصميم التحف والمنتجات التي تستعمل كديكورات للمنازل، بتدوير العجلات المطاطية التالفة للسيارات وتحويلها إلى أثاث منزلي وأعمال فنية، اختار خاتو "Upcyclemo" تسمية لها، وتتكون من "Upcycle" وتعني إعادة التدوير للأفضل، و"mo" إحالة إلى اسمه محمد.
واختار النملة شعاراً لشركته، بعد أن شاهد فيلماً وثائقياً حول حياة النمل، وكيف يقتات على بقايا الطعام وينظف الطبيعة من المخلفات.