منذ عرف البشر الحكاية لم يتوقفوا عن الافتتان بها، ومع تطور الزمن، طوّر الإنسان كيف يحكي. أصبح لدينا كتب ورقية وإلكترونية وسينما ومسرح وتلفزيون. أعمال لا حصر تصدر كل عام في هذه المجالات، منها ما ينجح ومنها ما يفشل.
وقد حققت بعض الأعمال الأدبية درجة نجاح عالية؛ حتى تحولت إلى مقررات دراسية يتهافت عليها طلبة الجامعات. نقدم لكم بعضاً من أشهرها في لمحة بسيطة عن مدى قوة الفن وتأثيره في الحضارة الإنسانية.
"هاري بوتر".. ظاهرة أجبرت الجامعات على تشريحها وتدريسها
لا يحتاج اسم "هاري بوتر" لمقدمات كثيرة. فهو الاسم الذي تصدّر أشهر سلسلة كتب فانتازية للكاتبة ج. ك. رولينج التي حققت بها نجاحاً لم تكن تتوقعه يوماً، وصارت ظاهرة نشأ عليها جيل بأكمله. غيرت هذه السلسلة مفهوم كتب الأطفال والمراهقين ومحبي الكتب ممن تمتد أعمارهم لما بعد الثلاثين، في رحاب روايات عن الفتى الذي عاش، ومعه محبوه، مغامراته في عالم السحر والخيال.
صدر من السلسلة أربعة كتب قبيل صدور أول فيلم يحمل اسمها، فحقق الفيلم صدىً مدوياً زاد من شهرة الكتب ومبيعاتها أضعاف ما حققته من قبل، ثم انطلقت الأفلام واكتملت سلسلة الكتب لتصبح سبعة أجزاء تحولت لثمانية أفلام.
لا يتسع المجال للحديث عن تأثير كتب وأفلام هاري بوتر، لكن يكفي للدلالة عليه أن هناك مقررات جامعية تختص بدراستهم، فهاري بوتر وعصر الوهم مقرر دراسي بدأ في جامعة درم البريطانية عام 2010. ويهدف الصف لمحاولة فهم ظاهرة هاري بوتر وأسباب شعبيتها، والنظر في علاقتها بنظام التعليم في القرن الحادي والعشرين وغيرها من المواضيع التي تُشرِّح السلسلة بشكل أكاديمي.
كما استضافت جامعة Yale الأميركية أيضأً حلقة دراسية نظمتها الكاهنة دانييل تومينيو بعنوان علم اللاهوت المسيحي وهاري بوتر؛ حيث أن لها رأياً مخالفاً عن المسيحيين الذين اتهموا الكتب بالهرطقة لأنها تروج لأعمال السحر، فقررت إدارة مناقشات حول مدى صحة هذا الاتهام.
والاهتمام بهاري بوتر مستمر حتى اليوم وبشكل أوسع من مجرد مناقشة مجموعة كتب وأفلام، إذ ما يقرب من عشر جامعات تُدرِّس مقررات لها علاقة بظاهرته.
سيد الخواتم.. يثير نقاش الفلسفة الأخلاقية والسياسية
الثلاثية الفانتازية السينمائية للمخرج بيتر جاكسون، وقد بُنيت على ثلاثية الكاتب البريطاني جون. ر. تولكين، التي كانت معروفة في الغرب بشكل كبير قبل صدور الأفلام، وعلى شكل أفلام كارتونية في أواخر السبعينيات.
لكن نجاح أفلام سيد الخواتم لفت نظر الكثير من الجمهور فاتجهوا لقراءة الكتب، وهناك 7 جامعات تُدرِّس صفوفاً تتناول أعماله.
ففي جامعة تورونتو حلقة دراسية بعنوان "سيد الخواتم: رحلة عبر الأرض الوسطى"، تتناول الشخصيات والأحداث واللغات الخاصة بالأرض الوسطى التي تدور فيها الرواية. وقد خصصت جامعة لويولا في مدينة بالتيمور صفاً لدراسة الفلسفة الأخلاقية والسياسية الخاصة بما وراء السلسلة.
لعبة العروش.. طريقة عصرية لإشراك الطلاب في علم اللغة
للدلالة على تأثير التلفزيون العارم، لا يمكن أن نغفل المسلسل الشهير لعبة العروش، والمقتبس من سلسلة روايات بنفس الاسم للكاتب الأميركي جورج ر. ر. مارتن.
عُرِض المسلسل لأول مرة عام 2011 ولم يتوقف نجاحه حتى الآن مع انتظار الموسم الجديد.
لا تختلف هذه الملحمة الفانتازية عن سابقاتها في ثرائها بالشخصيات والأحداث، وقد اخترقت الفصول الدراسية لتنال حظها من الشرح والتحليل. فجامعة تولسا تدرس كيف تم اظهار الإعاقات الجسدية في المسلسل، وهل هي خطوة لجعلها أمراً طبيعياً غير شاذ كما يتم تصويره في أعمال أخرى.
أما جامعة كاليفورنيا بركلي، فتقدم كورس لغويات لعبة العروش وفن اختراع اللغة، يقوم بشرحه ديفيد ج. بيترسون، الذي اخترع لغة "الدوثراكي" المستخدمة في المسلسل.
وهناك مقرر آخر يهتم باللغات المبتكرة يُدرَّس في جامعة سان دييجو الحكومية ، وهو "اللغات المبتكرة: كلينجون وما بعدها"، وكلينجون هي اللغة المستخدمة في المسلسل الشهير Star Trek. يقول البروفيسور دوج بيجام "أردت البدء في تدريس هذا الكورس لأنني أردت طريقة عصرية لإشراك الطلاب في علم اللغة دون الحاجة إلى تعليمهم علم اللغة، فأنا أيضاً أحب ستار تريك."
أفلام الزومبي ونهاية العالم.. محفز للتفكير في طرق النجاة من الكوارث
لأفلام نهاية العالم جمهور كبير؛ تتنوع الأسباب، لكن عدداً كبيراً منها يتمحور حول فكرة هجوم الزومبي أو مصاصي الدماء. لذا قرر بعض الأساتذة في جامعة ولاية ميتشيجن تدريس كورس عبر الإنترنت موضوعه "النجاة من نهاية العالم وهجوم الزومبي".
لكن غلين ستوتزكي مبتكر الكورس صرّح أن استخدام فكرة الزومبي كانت لجذب انتباه الدارسين فقط، أما الكورس فهو يحلل السلوك البشري خلال الكوارث من خلال أحداث تاريخية حقيقية وأحداث افتراضية، وكيف تؤثر الكوارث الطبيعية على المجتمعات والأفراد. يُكوّن الطلاب مجموعات للتفكير في طرق وحلول للنجاة من الكوارث.
بينما يقول البروفيسور توميسلاف لونجينوفيتش، صاحب مقرر مصاص الدماء في الأدب والسينما بجامعة ويسكونسن: "تصوُّر العالم عن أوروبا الشرقية أنها منطقة يلطخها العنف الدامي. هذا الجزء من أوروبا يصوره الغرب على أنه أرض دراكولا والسلاف المتخلفين، وهدفي في هذه الدورة هو العمل خلال هذا النوع من الإدراك الثقافي السلبي عن طريق تحليل الفلكلور والأدب والسينما. أتمنى أن يتعرف الطلاب على الطريقة التي يتم بها بناء القيم الثقافية من خلال الصورة الشهيرة لمصاصي الدماء."
الأبطال الخارقون.. مقررات في الهندسة الكيميائية والفيزياء
البعض يرى أن أفلام الأبطال الخارقين مجرد مجموعة من الخدع السينمائية التي تجذب جماهير غفيرة لتحقيق مكاسب طائلة، والبعض الآخر يرى أن لها دوراً سينمائياً مهماً لا يقل أهمية عن أي فئة أخرى.
الخلاف انتقل حالياً إلى الجامعات، التي قررت أن تستعين بالانتشار الهائل لهذه الأفلام وانجذاب شريحة كبيرة من الشباب لها، ليقدموا فصولاً دراسية شيقة لتدريس العلوم.
ففي جامعة كاليفورنيا دافيس، استحدث قسم الهندسة الكيميائية وعلوم المواد فصلاً دراسياً بعنوان علم الأبطال الخارقين، يحاول التدريس بطريقة معاصرة ومحاولة فهم الأدوات التي يستخدمها الخارقون أمثال Iron Man.
"ربما تبدو غير حقيقة، لكن الأفكار وراءها لها صدى علمي"، هكذا صرّح البروفيسور المُحاضِر بجامعة فيكتوريا عن كورس علم باتمان، الذي يبحث بشكل علمي حدود الجسم البشري وقدرته على التكيف مع ممارسة الرياضة والتعافي من الإصابات.
أما الفيزياء فلها أيضاً نصيب، وفي جامعة مينيسوتا فصل دراسي عن علاقة الفيزياء بحياتنا اليومية لكن من خلال قدرات الأبطال الخارقين وتحليلها. إلى جانب عدة جامعات أخرى بها مقررات تدرس تطور الشخصيات بتطور الوقت.
كثير من الناس يعتبرون الكتب الهزلية والأبطال الخارقين مثل الأوهام الطفولية التي لم تحصل على مكان في العالم الحقيقي. ومع ذلك، فإن دراسة هذه الأعمال الخيالية العلمية تساعد على فهمنا لأنفسنا وتاريخ مجتمعاتنا. فدراسة الأبطال الخارقين ليست مجرد دراسة للخيال العلمي والخيال، بل هي أحياناً دراسة للإنسانية بحد ذاتها.