على الواجهة البحرية الشرقية لمدينة تورنتو، إحدى أكثر مدن شمال أميركا ازدحاماً، مدينة صناعية قديمة تحتل مساحة كبيرة. لفتت عين مطوري جوجل، الذين يخطون خطواتهم الأولى في مجال العقارات الذكية، ولكن بكل ما أوتوا من خبرة تكنولوجية.
مدينة تقنية ذكية بامتياز، تجمع المعلومات والبيانات لحظة بلحظة، وتسخّر التكنولوجيا لخدمة الإنسان. فهل تقبل أن تعيش في مدينة كل شيء فيها مراقب؛ داخل المنزل وخارجه؟
التجول في تورنتو مرهق جداً، والرحلة لأي مكان بالسيارة قد تستغرق ساعات، وركن السيارات يبدأ من 20 دولاراً لليوم الواحد؛ ناهيك عن كلفة المعيشة العالية والمرهقة.
صعوبة الحياة في أكثر مدن كندا ازدحاماً، دفعت بالشركة الأم لجوجل Alphabet أن تعمد إلى إنشاء حي جديد عالي التقنية high tech.
ويعمل مهندسو شركة Side walk lab على مدار الساعة لتحضير الخطط والضمانات لحكومة مقاطعة أونتاريو، لتوضيح صورة وشكل وبنية المدينة الأولى من نوعها.
وكانت الشركة فازت العام الماضي في مسابقة أطلقتها Alphabet، للعمل جنباً إلى جنب مع شركة ذات مفاهيم عصرية تكنولوجية تساعدها في بناء المدينة.
على أنقاض مدينة صناعية سابقة تحتل مساحة كبيرة على واجهة مائية (Quayside)، تنوي جوجل النهوض بمجتمع جديد كلياً. بحثت عن مواقع في عدة أماكن من العالم مثل أستراليا وبريطانيا ونيوزلندا، ولكنها قرَّرت أن تكون البداية في تورنتو.
ماذا يعني جديدة كلياً؟
توضح الشركة المصمِّمة أنها تستخدم التكنولوجيا، بما في ذلك الكاميرات وأجهزة الاستشعار التي تجمع وتحلل كميات هائلة من البيانات، للمساعدة في حلِّ مشكلات الحياة الحضرية، مثل سلامة المشاة وتكاليف السكن وعدم المساواة.
في هذه المدينة مثلاً تختفي ملكية السيارة الشخصية، وتكون جميع وسائل النقل عامة وجماعية، أسعار المنازل مقبولة، شرط أن تكون معززة لعزل صوت المطار القريب منها والأصوات. تتوفر في كل شوارعها حارات مخصصة للدراجات الهوائية، بما في ذلك حارات مزودة بالحرارة، لتُذيب الثلوج في أشهر الشتاء. وإشارات المرور ذكية، لا تصبح حمراء إلا عندما تتأكد أن المشاة قطعوا الطريق بسلام.
حتى البيوت تمتلك بنية تحتية تكنولوجية، مزودة بأنظمة تدير الحرارة وفق الحاجة إليها، ناهيك عن تزويدها بالأجهزة الذكية الجديدة من أنظمة المراقبة إلى الثلاجة الذكية، وغيرها من الاختراعات التي ستغير شكل المستقبل.
في هذه المدينة أيضاً تتجول سيارات جوجل الآلية، أي تلك التي تسير بلا سائق، إلى جانب شبكة طاقة لا تعتمد على النفط، والمباني النموذجية منخفضة التكلفة ذات استخدامات مرنة. وكذلك خدمات البريد والتوصيل الآلية عبر الروبوت، ناهيك عن إدارة النفايات بطريقة آلية أيضاً.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، اقترح البعض أن تكون ملكية الحيوانات الأليفة جماعية، لمن لا يقوى على الاعتناء بحيوانه الأليف طوال ساعات النهار لانشغاله بعمله.
تخوف السكان من هجرة المعلومات خارج الحدود إلى خوادم أميركية
يقف أهل تورنتو عند مصطلح "تجميع وتحليل البيانات"، وفي جمعية عمومية لمناقشة الامر طُرحت الأسئلة التالية:
١- هل ستمتلك Alphabet البيانات، وكيف ستتم مشاركتها أو استخدامها؟
٢- هل سيتم تخزين البيانات في الخوادم (Servers) الأميركية؟
٣- إذا كان الأمر كذلك، فهل ستكون هذه البيانات متاحة لحكومة الولايات المتحدة؟
أسئلة مشروعة ومنطقية، في زمن تتقلص فيه مساحة الخصوصية وتتسع رقعة التكنولوجيا، حتى داخل غرف النوم.
وأعرب العديد من سكان تورنتو عن قلقهم بشأن البيانات التي يمكن الحصول عليها وجمعها في هذا النوع من المجتمع المدفوع بالتكنولوجيا. وطلب كثيرون منهم ضمانات بتخزين المعلومات على الخوادم في كندا.
كما شدَّدوا على أن يكون جمع البيانات شفافاً وموافَقاً عليه، مع إعراب قلقهم بشأن "التركيز المفرط على التكنولوجيا" بدلاً من التصميم الجيد والمبتكر.
في المقابل، توجد وجهة نظر مؤيدة، تجد في المدينة دفعة للأمام وخطوة نحو مستقبل التصميم وتخطيط المدن الذكية، تكون تورنتو الرائدة فيها.
"ما نحاول القيام به لم ينجح أحد في فعله حتى الآن"
المدير التنفيذي للشركة أعرب في تصريحات إعلامية سابقة، عن أمله في وضع حجر الأساس العام 2020، على أن يشهد الصيف المقبل بداية اختبار التكنولوجيات الجديدة.
وأوضح دان دوكتروف أن الفكرة المبدئية للمدينة هي استغلال المساحة بطريقة ذكية، والاستفادة من موارد الأرض، واستخدام الطاقة المتجددة في إحدى أغلى مدن العالم عقاراً ومعيشةً، بينما تعاني شركات العقار في تلبية الكثافة السكانية المتزايدة.
وأوضح: "سيكون رصيف الميناء نموذجاً أولياً لفرصة أوسع.. ما نحاول القيام به لم ينجح أحد في فعله حتى الآن". واستثمرت الشركة حتى الآن 50 مليون دولار للاختبار فقط.
فشلت مشاريع المدن الذكية الأخرى بسبب الميزانيات، ومشاركة الكثير من الأطراف، واستخدام الموارد العامة. فهذا المشروع يتكلف عشرات المليارات ولا يمكن تنفيذه من أموال القطاع العام وحده، أي بكلام آخر أموال دافعي الضرائب.
المشروع تدعمه الحكومة الحالية، والتي يسيطر عليها الحزب الليبرالي بقيادة رئيسته كاثلين واين. والمقاطعة على موعد مع انتخابات، في 7 يونيو/حزيران المقبل، وجزء كبير من آمال جوجل بات معلقاً على تصويت الأونتاريين.
تعِد الشركة والحكومة الحالية أن يسهم المشروع في تأمين وظائف عمل للآلاف إلى جانب منازل وشقق بأسعار معقولة، بعدما شهدت تورنتو طفرة عقارية كبيرة في العامين الماضيين أدت لتخطي المنزل العادي (3 غرف نوم فقط) عتبة المليون دولار.
أسئلة كثيرة وأفكار مقترحة أكثر تنتظر سكان تورنتو، الذين يناقشون في جمعيات عمومية مرتقبة مشروع الحكومة الريادي المقبل؛ وما إذا كانوا سيقبلون بوضع حجر الأساس له، أو بقاء كل هذه الأفكار حبراً على ورق.. مليارات على المحك وكذلك خصوصيتهم.