السفن الشراعية قد تعود من جديد، والطحالب ستتوقف عن كونها عاملاً معرقلاً للملاحة، فهناك سباقٌ تكنولوجي قد يغيّر شكلَ السفن في المستقبل عمَّا عرفناه خلال قرن مضى.
فمن أجل تقليص الانبعاثات الكربونية إلى النصف، بدأ التنافس على إيجاد تكنولوجيا جديدة، لتحويل 50 ألفاً من أساطيل العالم القوية إلى سفن صديقة للبيئة، بعد تعهد، تم قطعه الشهر الماضي أبريل/نيسان 2018، بتقليص انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من السفن إلى النصف.
ففي اتفاق وُصف بالتاريخي، تم التوصل إليه بعد أسبوعين من المحادثات التفصيلية في لندن، اتّفقت شركات الشحن على تخفيض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى النصف بحلول عام 2050، بموجب الخطة التي أُقرت من قبل المنظمة البحرية الدولية (IMO)، وأصبحت ملزمة عبر 170 دولة عضوة.
وبعض البدائل المقترحة لتحقيق ذلك تتضمن العودة لأساليب قديمة، ولكن بطرق حديثة، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
لماذا بدأت عملية التغيير في القطاع، رغم أن الاتفاقيات الدولية أعفته من هذا العبء الثقيل؟
ملاحة السفن العالمية تتسبّب في أكثر من 2% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون العالمية، وهي تقريباً نفس نسبة الانبعاث التي تسببها الملاحة الجوية.
وتقول بعض التقديرات إن النسبة تصل إلى 3 أو 4%، فيما يقدر تقرير للبرلمان الأوروبي صدر في عام 2014، أن هذه النسبة قد ترتفع إلى 17% بحلول عام 2050.
وأظهرت دراسة أن انبعاثات السفن التي تزور موانئ الاتحاد الأوروبي تعادل 6.1% من إجمالي انبعاثات الكتلة التجارية، وهذا أعلى مما كان مقدراً سابقاً.
وعلى الرغم من ذلك، لم يتم تحديد أولوية للشحن البحري في أي من الاتفاقيات الدولية المرتبطة باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ، ولا تتضمن الاتفاقية الأخيرة التي خرجت من محادثات مؤتمر COP 21 في باريس عام 2015 نصوصاً وقيوداً على الشحن أو الارتفاع، والانبعاثات الناجمة عن الشحن الجوي.
فاتفاقية باريس عام 2015 لمحاربة التغير المناخي تركت التحكم في انبعاثات مجال النقل البحري للمنظمة البحرية الدولية.
والسبب أنه بغض النظر عن كون السفن أرخص وسيلة نقل، فإنها ما زالت أيضاً طريقة الشحن الأكثر فاعلية من حيث استهلاك الكربون، إذ تصدر السفينة الكبيرة حوالي 10 غرامات من ثاني أكسيد الكربون لنقل 1 طن متري من البضائع، 1 كيلومتر هذا يعادل نحو نصف انبعاثات القطار، وخمس ( ⅕) الشاحنة، وما يقرب من جزء من خمسين، مما ينبعث من الطائرة لإنجاز نفس المهمة.
ولكن هذا لا يمنع أنه إذا كانت السفن ستنتقل إلى استخدام وقود أنظف، فسيكون ذلك بمثابة انخفاض كبير في الانبعاثات، نظراً لضخامة هذا القطاع، حسب جينفييف جوليانو، مدير مركز النقل METRANS في جامعة جنوب كاليفورنيا.
لماذا عاد الأمل إلى إمكانية حدوث تطور بالنقل؟
رغم أن المجموعات البيئية استحسنت اتفاق تقليص الانبعاثات بقوة بحلول عام 2050، إلا أنها أشارت إلى قلة الإمكانات المتاحة تقنياً في مجال النقل البحري.
لكن تقريراً نُشر قبل اجتماع منتدى النقل الدولي ITF –وهي مؤسسة أبحاث مُدارة من قبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD- وجد أنه بإمكان مجال الشحن بواسطة السفن الوصول إلى تقليص الكربون بنسبة 95% بحلول عام 2035، عن طريق نشر التقنيات المعروفة حالياً على نطاق واسع.
هناك حلول لا تعتمد على التكنولوجيا الحديثة بل تحتاج لحسن استخدام الموارد
الخبر الجيد هو وجود حلول سهلة يمكن تطبيقها، ولا تعتمد على التكنولوجيا. وبالفعل اكتشفت ميرسك -أكبر شركة شحن حاويات في العالم- أن بإمكانها تقليص الوقود المستهلك بنسبة 30% عند التبخير ببطء.
وبسبب الانتشار الواسع للوقود الرخيص (والضار في أغلب الأحيان)، فإن السفن عادة ما تكون مسرفة في استهلاكه.
كما أن الوقود المستخدم في السفن، على سبيل المثال، لا يزال يحتوي على مستويات منخفضة من الكبريت وهو ملوث بشدة.
ومعظم السفن التجارية مصنعة من الفولاذ الثقيل، بدلاً من الألومنيوم الخفيف، ولا تعبأ بالقياسات الواضحة لتوفير الاستهلاك، مثل طلاء هيكل السفينة بطلاء خافض للاحتكاك أو استعادة الحرارة المفقودة.
وتستطيع تصميمات السفن الأقل عرضاً تقليص استهلاك الوقود، وبالتالي تقليص الانبعاثات بنسبة 10-15% عند السرعات البطيئة وحتى 25% عند السرعات العالية، وفقاً لمنتدى النقل الدولي.
ولكن استبدال الأسطول الحالي يحتاج وقتاً، كما أن متوسط عمر الأساطيل هو 25 عاماً. سوف تدخل قوانين كفاءة استهلاك الطاقة للسفن الجديدة المقدمة من المنظمة البحرية الدولية عام 2013 حيّز التنفيذ بشكل كامل عام 2030، مما يعني أن التحويل إلى سفنٍ قليلة العرض لن يُطبّق على معظم السفن في البحر حتى منتصف القرن الحالي أو بعد ذلك.
هل يمكن إدخال تعديلات على السفن الموجودة حالياً وعدم الانتظار لحين استبدال كل هذه الأساطيل؟
نعم، توجد الكثير من التعديلات التحديثية التي يمكن القيام بها على السفن الموجودة باستخدام التكنولوجيا المتوفرة لتقليص استهلاك الوقود، وبالتالي تقليل الانبعاثات، وفقاً لمنتدى النقل الدولي.
هذه أربعة تعديلات على سبيل المثال:
- يقلص تركيب أقواس السفن ذات التمدد بصلي الشكل تحت خط الماء الاحتكاك، وبذلك يقلص الانبعاثات بنسبة 2-7%.
- يمكن تقليص الانبعاثات بنسبة 3% عبر استخدام تقنية ضخ الهواء، التي تتضمن ضخ هواء مضغوط أسفل هيكل السفينة لتكوين سجادة من الفقاقيع الهوائية.
- استبدال المروحة الواحدة الخاصة بالسفينة باثنتين من المراوح، تدوران عكس بعضهما البعض، يؤدي لاستعادة طاقة تيار الهواء المنساب، ويمكن أن يزيد الكفاءة المكتسبة من 8 إلى 15%.
- يمكن أن يرفع تنظيف هيكل السفينة، وطلاؤها بطبقة قليلة الاحتكاك الكفاءة بنسبة 5%.
ولكن ماذا عن السفن الجديدة، كيف سيكون شكلها؟
وضع تصاميم أفضل ووقود أفضل سيخلق أنواعاً جديدة من السفن في المستقبل. ويجري بالفعل وضع الخطط، حسب تقرير The Guardian.
تُدفع السفينة Aquarius Ecoship، وهي سفينة شحن ابتكرتها شركة يابانية تسمى Eco Marine Power، بكتيبة من الأشرعة الصلبة والألواح الشمسية. ويمكن للنظام نفسه تزويد ناقلات النفط والسفن البحرية وغيرها الكثير.
يعترف المصممون بأنه لن يُغني كلياً عن الوقود التقليدي، حتى مع وجود بطاريات كبيرة لتخزين الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ستكون هناك حاجة إلى دعم احتياطي، لكنها قد تخفض الانبعاثات بنسبة 40%.
ويفتخر خط الشحن الياباني NYK بأن تصميمه لسفينة حاويات بطول 350 متراً، Super Eco Ship 2030، سيستخدم الغاز الطبيعي المُسال لجعل الهيدروجين يدير خلايا الوقود.
وعن طريق دعم من الألواح الشمسية التي تغطي كامل السفينة و4000 متر مربع من الأشرعة للسيطرة على الرياح، يمكن الجمع بين الغاز والألواح الشمسية لخفض الانبعاثات بنسبة 70%.
أما للحصول على خيار خالي من الكربون بالكامل، فيقدم المهندسون في Wallenius Wilhelmsen -خط شحن اسكندنافياً- E/S Orcelle، وهي سفينة شحن خفيفة الوزن مصممة لنقل ما يصل إلى 10 آلاف سيارة (كهربائية فيما نعتقد) على ثمانية طوابق.
سوف يتم تشغيلها بالكهرباء، نصفها يأتي مباشرة من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والموج، والنصف الآخر من تحويل بعض تلك الطاقة إلى هيدروجين لتزويد خلايا الوقود بالطاقة. وتقول الشركة إن السفينة يمكن أن تنطلق بحلول عام 2025.
إذ يبدو قرار المنظمة البحرية الدولية (IMO) بالتوصل في النهاية إلى برنامج المناخ العالمي كان بمثابة الطلقة، التي تعلن عمّا يُفترض أن يكون سباقاً لخلق معيار جديد للشحن البحري منخفض الكربون، الذي يجب أن يكون هو القاعدة بعد بضعة عقود من الآن.
هل يمكن التخلي عن الوقود التقليدي، وما البدائل؟
التخلي عن الوقود التقليدي القائم على النفط، هو واحد من أكبر المكاسب، كما تقول مبادرة السفن المستدامة، وهي مجموعة صناعية نشطة تقدمية يشمل أعضاؤها خطوط الرحلات البحرية وخطوط شحن السلع.
تتراوح الابتكارات ما بين الاقتراحات من الوقود الحيوي إلى الغاز الطبيعي المسال (LNG)، ومن المفاعلات النووية إلى أشرعة تلحق بالرياح، ومن الهيدروجين إلى الألواح الشمسية.
لكلٍّ فوائده وعيوبه، ولا أحد يراهن بكل أمواله على حل واحد.
الطحالب تتحول من عامل معرقل لحركة السفن إلى وقودها الواعد الجديد
يُشكِّل الوقود الحيوي معضلة، لأنه يحتاج إلى مساحة على الأرض لينمو، على الرغم من أن المحاصيل المعدلة خصيصاً مثل الطحالب يمكن أن تغير ذلك، حسبما يقول الاتحاد الدولي لعمال النقل ITF.
هذا الخيار يحول الطحالب التي يعرقل تقليديا نموها على قاع سفن الحركة في البحر، إلى مصدر للطاقة، وبالفعل نجحت سفن الشحن العملاقة والسفن الحربية التابعة للبحرية الأميركية في الاعتماد على الوقود المشتق من الطحالب المعدلة وراثياً، في خطوة وُصفت بأنها يمكن أن تبشر بثورة في الوقود الذي تستخدمه أساطيل العالم.
الكهرباء ما زالت تنتظر ثورة
وفي حين تعمل المحركات الكهربائية بالفعل في بعض رحلات العبارات القصيرة، فإن الوزن والمكان الكبيرين اللذين تحتاجهما البطاريات على متن سفن المحيطات يجعلها غير قابلة على العمل بنجاح، إلى أن تتحقق اختراقات في بطاريات أيونات الليثيوم. بينما يمكن للطاقة الشمسية فقط زيادة مصادر الطاقة الأخرى.
ولكن هذا لم يمنع الصين من تدشين أول سفينة شحن كهربائية بالكامل، التي ستسافر مسافة 50 ميلاً بسرعة قصوى تبلغ 8 أميال في الساعة، وستكون قادرة على حمل 2200 طن من الشحنات، ولكنها بالكاد تستطيع عبور المحيط الأطلنطي الأضيق كثيراً من المحيط الهادي الذي تطل عليه الصين.
الغاز يبدو الخيار الأكثر نجاحاً حتى الآن، فما بالك إذا اجتمع مع الأشرعة الدوارة؟
أما أحد الابتكارات الجارية بالفعل فهو تحويل السفن لتعمل بالغاز الطبيعي المُسال.
وهناك بالفعل أكثر من مئة سفينة تعمل بالغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم. وسيُطلق جيل جديد من السفن البحرية العملاقة التي تعمل بهذه الطريقة، وتحمل ما يصل إلى 7000 مسافر بواسطة شركة MSC Cruises ابتداءً من عام 2022.
وهناك زعم بتحقيق انخفاض لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 15% في بعض السفن، التي تعمل بالغاز الطبيعي المسال، على الرغم من أن ذلك يعتمد بشكل أساسي على مراعاة تسرّب غاز الاحتباس الحراري، الميثان، إلى الحد الأدنى في السفن.
كانت أول سفينة سياحية تعمل بالغاز الطبيعي المسال هي سفينة Viking Grace التي تسافر بين فنلندا والسويد.
لدى هذه السفينة سبب آخر للشهرة. فهي تفتخر أيضاً بدايةً من أبريل/نيسان 2018، بأن لديها أول "شراع دوار" على متن السفينة للحصول على الطاقة من الرياح.
وهذه الأشرعة الدوارة لها أسطوانة كبيرة دائرية في وسط السفينة. وتخلق الرياح التي تصطدم بها قوة عمودية، يمكن استخدامها لتشغيل السفينة، وهي ظاهرة تعرف باسم تأثير ماغنوس.
وتقول شركة Viking Line إن الطاقة الإضافية ستقلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في السفينة بمقدار 900 طن متري (1000 طن) سنوياً.
ويبدو أنه علينا أن نترقب عودة السفن الشراعية، التي طالما استخدمها البشر لآلاف السنين، ولكن بشكل جديد تماماً.