في وقت تشكو فيه المنطقة من نسب بطالة بين الشباب تزيد عن ضعف المعدل العالمي، ويسعى الكثيرون منهم للهجرة، فهل يمكن أن يحلم شاب مغربي بتأسيس شركته الخاصة؟.
ثقافة ريادة الأعمال والمشاريع الناشئة بدأت تنتشر في بعض البلدان العربية في الأعوام الأخيرة، إذ حقَّقت الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عام 2017 استثمارات قياسية، بلغت 560 مليون دولار، لما يقرب من 260 شركة ناشئة.
ولكن العوائق التي تواجه تأسيس الشركات الناشئة لا تقتصر فقط على التمويل أو توافر رأسمال، ولكن الأمر أعقد من ذلك بكثير.
ويعد المغرب أحد الدول العربية التي تسعى لتعزيز فرص شبابها للعمل على تأسيس شركاتهم الخاصة، وله تجربة جديرة بالاهتمام في محاولة دعم رواد الأعمال أمام العديد من التحديات التي تواجههم.
أبرز الصعوبات التي تواجه الشركات الناشئة
الحصول على التمويل اللازم، يأتي على رأس الصعوبات التي تواجه الشركات الناشئة، ولكن أيضاً هناك مشكلة إيجاد الأماكن المناسبة للعمل، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على التدريب والتعليم المناسبين، سواء ما يتعلق بالناحية التقنية أو إدارة الأعمال.
هذه المعوقات وغيرها تتواجد على الأغلب في معظم الدول العربية، ولكنها كانت تظهر بشكل أكبر في المغرب.
ولكن جرت محاولات وجهود من قبل الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، للتغلب على هذه المشكلات.
في هذا التقرير سنرصد الأفكارَ الجديدة في سوق ريادة الأعمال والشركات الناشئة المغربية في السنوات الماضية، بالإضافة إلى أهم مساحات العمل المشتركة في المغرب، وكيفية الحصول على فرص الاحتضان للشركات الناشئة.
التمويل: مَن ذَا الذي يريد الاستثمار في شركات جديدة؟
في المركز السبعين عالمياً في مؤشر تنافسية الاقتصاد يقبع المغرب، وفقاً لتقرير لمنتدى الاقتصاد العالمي، الذي يشير إلى أنه يملك سوقاً كبيراً يحتوي على العديد من الفرص، خاصةً مع توسع سوق القطاعات الخدمية داخل البلاد.
وبالرغم من توفر العديد من الأفكار في السوق المغربي، إلا أن تنفيذها يشهد عجزاً كبيراً بسبب ضعف التمويل، ومخاطر فرص الاستثمار التي يدعمها.
وتحاول الحكومة تقديم مجموعة من البرامج والمسابقات، التي تدعم هذه الأفكار بشكل أو بآخر، لتشجيع الشباب على المشاركة في توسيع سوق الشركات الناشئة، في ظل ارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير، التي تصل إلى 9.3%، حيث بلغ عدد العاطلين حوالي مليون و123 ألف شخص، مع عدم قدرة القطاع العام على استيعاب تلك النسبة.
لكن هذه الجهود من جانب الحكومة غالباً ما تُقابَل بالتشكيك بسبب العديد من الأخطاء والمحاولات غير الناجحة التي قامت بها.
ورغم هذه المشكلة فإن سوق الشركات الناشئة داخل المغرب لا يزال يافعاً، مما يعطيه الفرصة لكي يزدهر في المستقبل، خاصة مع ظهور العديد من المؤسسات التي تحاول ضخَّ المساعدة لكل من يعمل فيه، في إطار مبادرات للتغلب على أبرز مشكلة تواجه الشركات الناشئة، وهي ضعف التمويل.
طرق مختلفة للتمويل بعضها يتضمَّن شراكة
المستثمرون في المغرب كمعظم دول الشرق الأوسط لديهم ثقافة الحذر من إنفاق أموالهم في الشركات الناشئة، حتى ولو باستثمار صغير، خوفاً من فشل تلك المشاريع وضياع أموالهم.
لذلك هناك بعض المؤسسات، التي توفر مثل التمويل للشركات الناشئة في المغرب منها:
maroc numeric fund: نسبة بسيطة من الشركة مع خدمات متعددة
هي مؤسسة تُقدم رأس المال للشركات الناشئة في مراحلها الأولى، مقابل الحصول على 10% من الشركة، مع تقديم العديد من المساعدات الأخرى القانونية والتسويقية، بالإضافة إلى توفير مكان للعمل والخبراء لتقديم الاستشارات اللازمة.
wamda capital: تمويل في أي مرحلة
تقدم هذه المؤسسة رأس مال المخاطر كنوع من الاستثمار في الشركات الناشئة داخل الشرق الأوسط، للمساعدة في نمو وازدهار هذه الشركات، وقد قدَّمت بالفعل الأموال للعديد من الشركات، وهي على استعداد للمساهمة بشكل أكبر.
وجدير بالذكر أن تمويل "ومضة" يمكن أن يتم التقديم عليه خلال أي مرحلة من مراحل الشركة، سواء في بداية الفكرة أو في مرحلة النمو، مما يوفر فُرصاً وأملاً أكبر للشركات الناشئة.
outlierz: حصة مع المؤسسين عبر التفاوض
هي مؤسسة تمويلية مغربية، تهدف للاستثمار في إفريقيا- بتأسيس مقرها في المغرب عام 2017 للاستثمار في الشركات الناشئة المغربية، والتي تقودها مجموعة من أهم المؤسسين منهم Combinators ،Y Combinator، و500 Startups.
يمكن للشركات الناشئة المقبولة أن تحظى بتمويل يتراوح بين 50 ألف دولار إلى 200 ألف دولار، مع الحصول على حصة من الشركة يتم التفاوض فيها مع المؤسسين.
توضِّح هذه النماذج أن سوق ريادة الأعمال في المغرب بدأ في لفت أنظار المستثمرين والمؤسسات الداعمة للشركات الناشئة، مما يعطي دفعةً لهذه الشركات، خاصة في ضوء قرب المغرب نسبياً من أوروبا، مما يتيح ميزة نسبية في إمكانية الحصول على الدعم، من خلال بعض المؤسسات الأوروبية.
ارتفاع أسعار العقارات يُثقل عبءَ الشركات الناشئة، ولكن فكرة مساحات العمل المشتركة تقدم بديلاً ملهماً
تحاول أن تدبر ميزانيتك بحذر وأنت تؤسس شركةً لأول مرة في حياتك، ولكن تصدمك أسعار العقارات، سواء سعيت لاستئجار مقر للشركة أو شرائه.
ويعد ارتفاع أثمان العقارات في مناطق العمل، إحدى المشكلات التي تعاني منها الأعمال في المغرب بصفة عامة، ولكنها تشكل عبئاً أكبر بطبيعة الحال على الشركات الناشئة.
إذ لا يستطيع رواد الأعمال العثور على مكان للعمل بسهولة مع محدودية ميزانيَّاتهم والأموال التي يمتلكونها.
لكن الخبر الجيد، أن مساحات العمل المشتركة بدأت في الانتشار مؤخراً داخل المغرب، مما ساعد على توفير أماكن للعمل بأسعار مناسبة، خاصة بالنسبة للشباب من رواد الأعمال.
من بين هذه المساحات:
technopark: مساحات مخصصة للتكنولوجيا وغير مكلفة
ظهر إلى حيز الوجود بالمغرب في التسعينات من القرن الماضي مشروعٌ يهدف إلى تجميع الشركات المتخصصة في التقنيات الحديثة في مجمع واحد، بالعاصمة الاقتصادية للمغرب، الدار البيضاء.
ويساهم في الشركة التي تدير هذا المجمع المعروف باسم تكنوبارك وزارة التجارة والصناعة المغربية، وعدد من البنوك والصناديق.
ويوفر المجمع مساحات مكتبية للشركات بأسعار مناسبة وغير مكلفة، مقارنة بما حولها.
نجاح التجربة دفع بالمسؤولين إلى التخطيط لتكرارها في خَمس مدن مغربية أخرى، وبالفعل تم إنشاء مزيد من الفروع في مدن أخرى مثل الرباط وطنجة.
New Work Lap: توفر تدريباً وتوجيهاً للشباب إضافة للمساحات
نيو- وورك لاب هي أول مساحة عمل مشتركة في الدار البيضاء.
ولقد فرَّت بيئة مناسبة للعمل وتطوير المشاريع الناشئة من خلال تقديم برامج تدريبية وإرشادية لشباب رواد الأعمال.
كما توفر أيضاً إمكانية حجز غرف اجتماعات وطاولات عمل، بالإضافة إلى المساحات المكتبية والعديد من الخدمات الأخرى. وهناك فرع آخر للمساحة في مدينة خريبكة.
7ay Coworking بالرباط: تتيح كذلك فرصاً لعرض الأعمال الفنية
7ay هي مساحة عمل مشتركة تحتوي على العديد من الصالات المفتوحة، أو مكاتب العمل المغلقة التي تستقبل من خلالها رواد الأعمال وأصحاب الشركات الناشئة، وكل من يعمل لحسابه الخاص.
يوجد مقرها في المنطقة الصناعية بالعاصمة الرباط. بالإضافة لذلك تعد 7ay مساحة ثقافية أيضاً، إذ تتيح للفنانين من الشباب عرض أعمالهم من خلالها.
Emerging Business Factory بمراكش: ابتكارات إعلامية تتضافر مع مساحات خضراء
أطلقت تلك المساحة عام 2016 على يد رائد أعمال، وتعتبر من مساحات العمل الطموحة التي تعمل على ابتكارات التكنولوجيا والإعلام.
يوفر Emerging Business Factory (مصنع الأعمال الناشئة) 120 مكان عمل، بالإضافة إلى مطعم، ومن المتوقع أن تتضمن في المستقبل مساحات خضراء على السطح تشكل مختبراً للزراعة.
ولكن المبادرات الرامية لدعم الشركات الناشئة لم تكتفِ بمحاولة توفير مساحات مشتركة بتكلفة معقولة، ولكن سعت للتقدم أكثر في اتجاه مد العون لرواد الأعمال.
أماكن الاحتضان: توفر التدريب والتمويل
مشكلات الشركات الناشئة لا تقتصر على التمويل وتوافر المقرات، ولكن يشكل التدريب إحدى نقاط الضعف المنتشرة في هذه الشركات.
وفي مواجهة هذا التحدي، يُعتبر الحصول على فرصة للاحتضان من إحدى الجهات التالية خياراً مناسباً.
المركز المغربي للإبداع وريادة الأعمال الاجتماعية: تدريب دون مقابل
يعد المركز المغربي للإبداع وريادة الأعمال الاجتماعية mcise إحدى الجهات التي تقوم باحتضان الشركات الناشئة في مراحلها الأولى، مع تقديم مجموعة من البرامج التدريبية في إدارة وتطوير الأعمال.
ويقوم المركز بمساعدة الشركات دون الحصول على مقابل منها، إذ يصنف كمؤسسة غير هادفة للربح، تسعى لتطوير المجتمع وحل مشكلاته.
جمعية سيدات الأعمال المغربيات: تدريب وتمويل بشرط بسيط
بالنسبة للسيدات فقد تم تأسيس جمعية سيدات الأعمال المغربيات، التي تقوم بتقديم العون للشركات الناشئة، التي تسهم في تأسيسها سيدة واحدة على الأقل.
وتوفر الجمعية فرصاً للتدريب، وتقوم بتوفير رأس المال وما إلى ذلك من أوجه التعاون.
جهات معنية بشركات التكنولوجيا بشكل خاص
توجد أيضاً بعض المؤسسات التي تقدم خدمات الاحتضان للشركات المتخصصة في التكنولوجيا الطبية، مثل Biotech Maroc، أو التكنولوجيا النظيفة مثل المركز المغربي للصناعات النظيفة Moroccan Centre for Clean Manufacturing.
المستشارون: وجودهم مسألة مصيرية ومبادرات جماعية لحل المشكلة
نقص الخبرة المتوقع لدى الشركات الناشئة يجعل حصولها على المشورة والتوجيه مسألةً تكاد تكون مصيرية أحياناً.
ويعاني المغرب من مشكلة قلة المستشارين والمُوجهين للشركات الناشئة في السوق، مما يرفع من درجة المخاطرة واتخاذ القرارات لدى تلك الشركات، لأنهم لا يستطيعون أحياناً الحصول على المشورة في الوقت المناسب.
لكن أماكن العمل المشترك مثل iNSANE حاولت التغلب على تلك المشكلة، من خلال تنظيم مجموعة من المؤتمرات والتجمعات المفيدة للشركات، وتجميع أكبر قدر من العاملين في السوق لتوسيع دائرة المناقشات والحصول على بعض النصائح المفيدة.
كما تحاول مؤسسات مثل enpact -مؤسسة غير هادفة للربح تساعد على توفير برامج الإرشاد للشركات للمساعدة على تنميتها- تقديم خدماتها في العديد من بلدان الشرق الأوسط، من بينها المغرب.
بالإضافة إلى أن العديد من البرامج التي سبق تقديمها في هذا التقرير تقدم بجانب المساعدات المالية، أو احتضان العديد من خدمات الاستشارة المفيدة للشركات التي تعمل داخل برامجها.
وعلى الرغم من المعوقات التي سبقت الإشارة إليها، فإن سوق ريادة الأعمال والمشاريع الناشئة المغربية تتوسع بشكل ملحوظ في الفترات الأخيرة، وتبشر بزيادة الفرص في المستقبل، وتشكل المبادرات السابقة تحفيزاً إضافياً لنمو هذا القطاع.