رأس الخيمة عاصمة المغامرات في الإمارات.. كيف تستثمر جبلاً عالياً

في الإمارات.. أبو ظبي إمارةٌ للنفط وإدارة الحكم، ودبي إمارة الاقتصاد بامتياز، والثقافة تختص بها الشارقة بمعرض الكتاب وبينالي الفنون واهتمام الحاكم بالكتب والإبداع... أما الطبيعة فلها إمارة رأس الخيمة..

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/30 الساعة 04:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/30 الساعة 04:58 بتوقيت غرينتش

في الإمارات.. أبو ظبي إمارةٌ للنفط وإدارة الحكم، ودبي إمارة الاقتصاد بامتياز، والثقافة تختص بها الشارقة بمعرض الكتاب وبينالي الفنون واهتمام الحاكم بالكتب والإبداع… أما الطبيعة فلها إمارة رأس الخيمة، التي تحظى بـ64 كيلومتراً من الشواطئ ذات الرمال البيضاء، إلى جانب ينابيع خت الكبريتية بفوائدها الصحية.

وقد نجحت الإمارة التي لا تمتلك مقومات اقتصادية كبيرة في استثمار الطبيعة في سياحة المغامرات، وأهم عنصر برأس الخيمة في هذا المجال هو جبل جيس، أعلى جبال الإمارات، الذي ترتفع قمّته إلى 1934 متراً فوق سطح البحر، والذي صار وجهة شهيرة لمحبي المغامرات والأنشطة المرتبطة بها، مثل "بطولة الخليج العربي للمسير الجبلي"، وبطولة "الطريق الحديدي" (Via Ferrata)، فضلاً عن أطول كابل معدني للتنقل بين الجبال في العالم (Zipline)، وهذا ما جعل من رأس الخيمة مركز جذب لنوع خاص من سياحة الرياضات والمغامرات الجبلية بشكل خاص.

سالي نيوال، محررة صحيفة الإندبندنت البريطانية، قامت بواحدة من تلك المغامرات، وكتبت عنها في صحيفتها:

"لقد حظيت بلحظةٍ مغامرة على بُعد بضع مئاتٍ من الأقدام أعلى جبل جيس، الذي يُمثِّل أعلى قمةٍ في الإمارات. تُعد هذه القمة كتلةً جبلية وعرة، منحوتٌ بها طريقٌ أسفلتي أملس يصل إلى أعلى الجبل، وترتفع 1900 متر فوق سطح البحر".

وتقول سالي في مقالها: هذه القمة جزء من سلسلة جبال الحجر، وتحوي تلالاً صخرية بارزة تظهر بعدة ألوان، من الأشقر الذهبي إلى لون ثمرة الكنتالوب، بحسب الوقت الذي تنظر إليها فيه… كنتُ قد ذهبتُ إلى إمارة رأس الخيمة الشمالية، للاستمتاع بنزهةٍ في طريق فيا فيراتا للتسلق في جبل جيس. وكنتُ أعتزم تجربة المسار الانزلاقي الذي يقال إنه الأطول في العالم وحظي بإشادةٍ بالغة، الذي كان من المقرر افتتاحه في ديسمبر/كانون الأول الماضي. لكنَّ سوء الأحوال الجوية تسبَّب في تأخير إتمام البناء، فتأجَّل موعد الافتتاح الجديد إلى أوائل فبراير/شباط المقبل".

المغامرات.. في البدء كان الجبل

تحكي نيوال عن المسار الانزلاقي الجديد، الذي تقول إن طوله سيتجاوز طول مسار "ذا مونستر" في دولة بورتوريكو، الذي يبلغ طوله 2200 متر. المسار الجديد سيُعزِّز وجوده مكانة إمارة رأس الخيمة كعاصمة المغامرات في الإمارات، "إذ يمكن للزوار الهروب من مظاهر الصخب في دبي، الواقعة على بُعد 90 دقيقة بالسيارة من المسار، والهروب من الزحف العمراني لمدينة رأس الخيمة القريبة منه، والاقتراب أكثر من الطبيعة، سواءٌ كان ذلك سيراً على الأقدام أو باستخدام الدراجة، أو السيارات الرياضية الخارقة، أو حتى بخوض مغامرة التعلُّق بحبلٍ فولاذي".

تمثل قمة جبل جيس بداية المسار الانزلاقي، حيث سيتمكن المشاركون من الانزلاق بسرعةٍ تصل إلى 128 كيلومتراً في الساعة. أما بالنسبة لغير المشاركين، فستكون هناك منصةٌ على ارتفاع 1300 متر لمشاهدة الجبل، تضُم أماكن مخصصة للتنزه، وعربات أطعمة متنقلة لتقديم الطعام للزوار، والأعداد المتزايدة من محبي السير لمسافاتٍ طويلة، والمُخيِّمين، وراكبي الدراجات النارية، والعدَّائين مرتادي الجبل (وتستضيف المنصة كذلك سباقات التحمُّل).

قبل الافتتاح.. مغامرة جبلية آمنة

تنبه نيوال إلى أن عدم افتتاح المسار الانزلاقي حتى الآن لا يعني عدم وجود أنشطة متاحة، حالياً، من هنا بل يسمح المكان بمغامرات صغيرة خاضت إحداها وحكت تفاصيلها:

"توجد حالياً مساراتٌ انزلاقية آمنة بطول 50 متراً و60 متراً و300 متر كجزءٍ من مسار التسلُّق الشاق"، وتضيف: "عن طريق التعلُّق بسلكٍ فولاذي مُثبَّت في الصخور باستخدام معدات التسلق: كالخوذة والسرج والخُطَّافات. وبالتقاط صورةٍ من زاويةٍ منتقاة بذكاء، يمكن لأي شخص أن يبدو وكأنَّه متسلق جبال محترف، ولكنَّها حقاً وسيلةٌ آمنة نسبياً لتحظى بمغامرةٍ جبلية".

كان من المثير للاهتمام بالنسبة للكاتبة البريطانية أنَّ عدد النساء اللاتي يرتدن الطريق أكبر من عدد الرجال.

"كان مُرشدونا يشددون بنبرة مُطَمئنةٍ على مراعاة السلامة، ويُذكِّروننا بأن نحافظ على رطوبة أجسادنا في أثناء الساعات الأربع التي يستغرقها المسار. ربما كان الجو شتوياً، لكنَّ شمس ما بعد الظهيرة تستنزف طاقتك؛ لذا يختار الزوار الأذكياء خوض التجربة في الصباح لانخفاض درجة الحرارة، والاستمتاع بمساحةٍ أكبر من الظل".

أقر أنا الموقِّع أدنا..

لكي يقوم المغامر بالتجربه، عليه أولاً أن يوقع على استمارة، أو تعهد يؤكد فيه أنه هو المسؤول عمّا يقع له في التجربة، وأنه يعفي الإماراتيين من المسؤولية، وهو بالضبط ما فعلته نيوال، قبل أن يسمحوا لها بالتدريب على خوض التجربة: "ذهبنا إلى منطقة التدريب لسماع شرحٍ موجز، هناك خُطَّافان لتأمين تثبيتك بالحبل، وينبغي أن نكون مقيدين بأحدهما على الأقل طوال الوقت. وفي حال سقوط إحدى الصخور، علينا أن نصيح لتنبيه الشخص الموجود بالأسفل بعدم النظر إلى أعلى تحت أي ظرفٍ. وفي أثناء انزلاقنا على المسارين القصيرين علينا الانتقال إلى الجانب الآخر بأنفسنا من دون مساعدةٍ من أحد، ويتطلَّب الانزلاق على المسار الذي يبلغ طوله 300 متر الإمساك بحبلٍ أخضر موصولٍ بنهايته، لضمان عدم انزلاقنا إلى الوراء نحو المنتصف".

تجربة التسلق الأول تمت بسرعةٍ كبيرة، كما تقول كاتبة الإندبندنت، مع وجود مرشدين على مستوى عال من الخبرة في الأمام والمنتصف والخلف، بقيادة مُحمد يونس، الشهير بـ"العمدي"، الذي تدرَّب على رياضة تسلق الجبال في المعهد البريطاني لتسلُّق الجبال، مهمتهم مساعدة المتسلقين للجبال.

وكلما أصبح المسار أكثر انحداراً، مع وجود حبلٍ فقط يربطنا بالجبل، تقول نيوال "نشعر بالاقتراب أكثر من الطبيعة.. على الجبل، من المحتمل أن يكون أكثر ما تراه هي الماعز، لكنَّ الأماكن الأخرى في الصحراء تضم حيواناتٍ أخرى كالإبل، والحمير، والغزلان، والقطط البرية، والثعالب، فضلاً عن الكثير من الطيور، بدءاً من الصقور وحتى عصافير القنبر. وتُعلِّق الإمارة الهادئة آمالها لجذب مزيدٍ من الزوار على مزيجٍ من جودة عوامل الجذب، وإمكانية استخدام المسارات الجديدة في جبل جيس، بالإضافة إلى الشواطئ الرملية والصحراء الهادئة التي تتمتع بها المنطقة. ومع سيطرة إمارتَيْ دبي وأبو ظبي على العناوين الرئيسية، شعرتُ وكأنني أعيش سراً سينكشف عما قريب".

مسارات ثلاثة

"مشينا لمدة ساعتين تقريباً قبل أن نصل إلى المسار الانزلاقي الأول"، تكمل نيوال حكاية مغامرتها، "وكنتُ أُفضِّل دوماً الشعور بالإثارة التي يمكنني التحكم بها نسبياً؛ لذا أشعرني دفعي بعيداً عن الصخرة، ويدا المُدرِّب الثابتتان بالخوف أكثر من خوفي في أثناء تجربة التسلق التي خضناها. ومع ذلك، لطَّف نسيم الهواء الناتج عن الاندفاع من حرارة أشعة الشمس، وشعرتُ كذلك بالإثارة إثر تحليقي في الهواء، شاعرةً بالأمان لعلمي بأنَّ هناك مُرشداً سيتلقفني عند الطرف الآخر، مع أنَّني لم أتمكن قط من نسيان أنَّني على ارتفاعٍ شاهق. كنا على ارتفاع 120 متراً عند أعلى نقطة، وأصابني النظر إلى الطريق المتحرك بسرعة من أعلى باضطراباتٍ في معدتي في كل مرة".

أما المسار الانزلاقي الذي يبلغ طوله 300 متر فكان يبدو مختلفاً عن المسارين القصيرين، ليس فقط في كونه أطول بخمسة أضعاف، بل لأنَّه بارزٌ كذلك بمسافة 100 متر فوق الطريق. جهَّزني العمدي للهبوط، وذكَّرني بإمساك الحبل الأخضر الموصول بالنهاية ليتمكن المدرب الموجود على الجانب الآخر من سحبي مرةً أخرى إلى الجبل".

حادث صغير واكتشاف وإنقاذ

وتصل المغامرة إلى الذروة على قدر كبير من الإثارة مع تعرض نيوال لحادث صغير، عندما لم تلتفت إلى أحد تعليمات السلامة.

"كنتُ أتوقع التحرك بسرعة، لكنَّ الأمر كان بطيئاً نوعاً ما، وأشعر بالامتنان لهذا، مع أنَّه قد يُخيب آمال أولئك الباحثين عن مزيدٍ من الإثارة والسرعة. لكنَّه كان يعني بالنسبة لي أنَّني أملك وقتاً لاستكشاف الأشياء المحيطة، والاستمتاع بهواء الجبل المُنعش والمناظر الخلابة. حتى أنني جرَّبتُ مدَّ ذراعي كطفلٍ يلعب لعبة الطائرات. لكن مع الأسف، كان ذلك مخالفاً لتحذيرٍ واردٍ في الشرح الموجز كنتُ قد نسيته. رأيتُ الحبل الأخضر متأخراً جداً، ومددتُ يدي للإمساك به لكني لم أستطع ذلك.


وقبل أن يكون لدي وقتٌ لأفكر، كنتُ أتحرك في الاتجاه المعاكس للمدرب الموجود بانتظاري، وبدت الصخرة في الأفق كأنَّها آخذة في التضاؤل. وكما حذَّرونا، لم أتوقف حتى وصلتُ إلى منتصف طريق العودة عبر المسار المنزلق، حيثُ أُجبرت على التوقف، واهتز الحبل، وتدليتُ في الهواء مثلما حدث لعمدة لندن السابق بوريس جونسون في الاحتفالات بأولمبياد لندن 2012. ولكن بدلاً من التلويح بعلمين بريطانيين مثل جونسون، كنت ممسكةً بقوة بالحبل الملفوف حولي. فحين تعطَّل جونسون في المسار المنزلق في حديقة فيكتوريا بلندن، كان يبعد أمتاراً قليلة عن الأرض، وكانت مزحته بشأن السلم طلباً منطقياً. لكن ليس هناك سُلَّم قابل للوصول إلى حيث كنت أنا، وتجمَّع حشدٌ من المُتفرجين لالتقاط صور سريعة للمتسلقة التي علقت أثناء الانزلاق، ودقَّت السيارات بالأسفل آلات التنبيه.

حسبتُ أنَّني سأنتقل بسرعة إلى منطقة الأمان باستخدام إحدى الرافعات، لكنَّي لم أحظَ بهذا القدر من الحظ؛ إذ تضمَّنت خطة إنقاذي شخصاً مربوطاً بالحبل، استخدم يديه للإمساك بي، ثم احتضنني لإعادتي مرةً أخرى. صوَّر لي جانب من عقلي أنَّ سقوطي غير محتمل في ظل إمساكي بحبلٍ معدني مُثبَّت ببكرةٍ، ووجود عددٍ هائل من الخطاطيف، لكنَّ الجانب الآخر كان يخبرني بأنَّ الحبل المُهتز يشير إلى أنَّني على وشك الهبوط بسرعة إلى الأرض تحت عجلات إحدى السيارات. وفور أن شق مُنقذي، الذي كان يرتدي زي تسلُّقٍ لامعاً، طريقه نحوي ببطءٍ مؤلم، أدركتُ أنِّي كنتُ أتأوه من الخوف. وحين سحبني في النهاية إلى الحافة، شعرتُ بامتنانٍ بالغ لم أشعر به قط لوقوفي على أرضٍ ثابتة. وحاول العمدي تهدئتي قائلاً: "سالي، أنتِ محظوظةٌ للغاية". وبينما كنتُ أسير بخطواتٍ متهادية عائدةً إلى نقطة البداية، تساءلتُ عمَّا إذا كنتُ سأصبح حديث الناس في رأس الخيمة".

في فبراير/شباط المقبل ربما تحظى أنت أيضاً بتجربة ذلك المسار الانزلاقي وتخوض تجربة اللعب مع أعلى جبال الإمارات ارتفاعاً.

علامات:
تحميل المزيد