بحلول الثالث والعشرين من فبراير/شباط كل عام، تحين مناسبة تأسيس أول نادٍ للروتاري في العالم بمدينة شيكاغو الأميركية على يد المحامي بول هاريس، وبمشاركة ثلاثة من أصدقائه؛ أحدهم كان محامياً والآخر مهندساً بأحد مناجم الفحم، والثالث كان حائكاً، كما تروي قصة ذلك التأسيس رئيس الاتحاد النوعي للأندية الروتارية في مصر ميان رسلان.
وتقول رسلان، في مقابلة مسجلة مع هافينغتون بوست بالقاهرة، إن فكرة الروتاري قائمة على كيفية إسهام الأصدقاء، من خلال مهنهم المختلفة في خدمة مجتمعاتهم.
اجتمع الأربعة المؤسسون الأوائل للروتاري بمنازلهم بالولايات المتحدة الأميركية، حيث أخذت تلك الاجتماعات طابعاً دورياً، مع حرص الأربعة على استضافة واحد من تلك الاجتماعات، كل في منزله، ومن هنا جاءت كلمة روتاري من مفردة Rotation التي تعني التناوب والدوران.
بارتفاع عدد الأعضاء الأربعة إلى عشرين عضواً بدأوا أول عمل خدمي في شيكاغو، الذي تمثَّل في إقامة مراحيض عمومية.
وكانت مدينة سان فرانسيسكو الأميركية ثانية المدن التي تشهد ميلاد ناد جديد للروتاري، في عام 1906، ومن الولايات المتحدة انتشرت الفكرة إلى أوروبا وغيرها من بلدان العالم.
بعد خمسة أعوام من اجتماع هاريس مع رفاقه، شهد العالم انعقاد أول مؤتمر دولي للروتاريين عام 1910 بمدينة سان فرانسيسكو بحضور 29 من الروتاريين.
وتقول رسلان، الحاصلة على الماجستير في الإدارة العامة من الجامعة الأميركية والدكتوراه في الموضوع نفسه من جامعة القاهرة، إنه بحلول عام 1942 كان هناك 49 من أعضاء الروتاري الدولي يساهمون في وضع مخطوطة إنشاء منظمة اليونسكو، كما أسهموا في كتابة ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، ما يفسر حصول الروتاري الدولي على مقعد دائم بالأمم المتحدة وبصفة استشارية.
لم ينتظر العرب طويلاً للانضمام إلى قافلة الروتاريين، حيث شهد عام 1929 تأسيس أول ناد للروتاري في مصر، بعضوية شخصيات مرموقة من وزراء ومسؤولين كبار.
عقب تأسيس نادي روتاري القاهرة عام 1929، أسس فلسطينيون أول نادي روتاري في وطنهم في ثلاثينيات القرن الماضي، غير أنه جرى إغلاقه عقب حرب الثمانية والأربعين، قبل أن يعاد افتتاحه مرة أخرى في عام 2008.
وتذكر رسلان، أن مجموعة أندية الروتاري في فلسطين تبلغ ثلاثة أندية حالياً، تتعاون مع غيرها من الأندية العربية، وغيرها الواقعة في منطقتها الجغرافية التي تجمعها برقم 2452 حسب تقسيم المناطق الروتارية.
الروتاري والأنرويل
حتى عام 1985 كانت عضوية الروتاري قاصرة على الرجال وحدهم، وحين أدخل أحد الأندية الأميركية إحدى السيدات في عضويته طرده الروتاري الدولي من عضوية المنظمة، إلا أن النادي أقام دعوى قضائية انتهت بتأييد القضاء لقبول عضوية السيدات بأندية الروتاري، وفقاً لمبدأ عدم التمييز بين الرجل والمرأة، كما هو منصوص عليه بالقوانين الأميركية، ومنذ ذلك الحين بات من حق النساء أن يحظين بعضوية نوادي الروتاري.
وتحكي رسلان كيف أن السيدات تقلدن العديد من المناصب بالمنظمة الروتارية بمجرد دخولهن في عضوية تلك الأندية، بل إن بعضهن وصلن إلى عضوية مجلس إدارة الروتاري الدولي، والعمل كمحافظي مناطق ورؤساء أندية.
انضمام السيدات إلى أندية الروتاري في مصر بدأ منذ التسعينات، وترأس بعضهن الأندية، غير أن أول سيدة تصل لمنصب محافظ منطقة كانت السيدة رسلان، التي تشغل المنصب حالياً للعالم 2016/2017، وتوضح أن انتخاب محافظ المنطقة الروتارية يجري قبل عامين من توليه منصبه.
إدارياً لا توجد علاقة بين الروتاري والأنرويل
الأنرويل هم مجموعة زوجات الروتاريين، حيث كن يجتمعن مع بعضهن لبحث خدمة مجتمعاتهن، حيث يذهب الرجال لاجتماعاتهم دون أن يسمحوا لهن بالحضور.
وتشرح رسلان: الأنرويل تعني العجلة الداخلية، وهي تسمية مجازية، تفيد بأن السيدة هي الإطار الداخلي مع الرجل، تبني وتعمل داخل المجتمع، فإذا كان الرجل يشكل الإطار الخارجي فهي الإطار الداخلي، لكن الأنرويل منظمة بمفردها، ولها رئيسة دولية مستقلة، وإن كانت المنظمة تأخذ نفس تنظيم وتأسيس الروتاري. فلا علاقة بين الاثنين سوى أن الأنرويل مكون من زوجات الروتاريين.
الإنتر آكت
هم شباب الروتاري صغيرو السن، من سن 12 إلى 18 عاماً، ولا يمكن تأسيس أي نادي إنتر آكت دون موافقة نادي روتاري يشمله، ويوافق على تأسيسه ويشرف عليه، لأنه لا ذمة مالية منفصلة لأندية الإنتر آكت، ولا يمكن لأعضائها فتح حسابات لأنديتهم لأنها غير مشهرة رسمياً.
الروتر آكت
هم شباب الروتاري أيضاً، لكن من سن 19 وحتى سن 30، ممن يعملون مع أندية الروتاري، وحين يتجاوزون عمر الثلاثين ينضمون للأندية الروتارية بشكل رسمي، ما يعزز إقامة تواصل بين أبناء العائلات الروتارية من صغار وكبار، بحسب رسلان.
قصة الأندية الروتارية وتطورها في البلدان العربية شبيهة ببعضها؛ تبدأ بأعداد قليلة ثم تنتشر إلى الأقاليم وتتكاثر.
ويوجد في مصر حالياً 91 نادياً للروتاري، تعمل جميعها بشكل رسمي كجمعيات مشهرة لدى الشؤون الاجتماعية.
وكانت مصر، حتى عام 2012، جزءاً من منطقة روتارية تضم البحرين والأردن والسودان والإمارات ولبنان وجورجيا وأرمينيا وقبرص وفلسطين، إلا أنها استقلت بنفسها كمنطقة بمفردها منذ خمس سنوات، تحمل رقم 2451، وتتمثل في الاتحاد النوعي لروتاري مصر، وتضم في عضويتها 2300 عضو روتاري.
ووفق رسلان، فإن عدد أعضاء أندية الروتاري في العالم يبلغ مليون ومائتي ألف، مقسمين على 35 ألف نادٍ، و534 منطقة، وكل منطقة منها تجمع ما بين 75 نادياً أو 2700 عضو، أيهما أكثر.
ويترأس منظومة الروتاري الدولي، رئيس يعاونه 17 عضواً بمجلس الإدارة.
ماذا يقدم الروتاري للناس؟
من أهم المشروعات الدولية التي يرعاها الروتاري في العالم منذ عام 1985 وحتى الآن، القضاء على شلل الأطفال، وهو مشروع دولي يعتبره الروتاريون جوهرة التاج في عملهم الخدمي.
انتهى شلل الأطفال في غالبية دول العالم، غير أنه لا يزال يهدد أطفال باكستان وأفغانستان، ما يجعل الروتاري يواصل جهوده في ذلك.
كما يهتم الروتاري الدولي بمحو الأمية، ويعتمد في ذلك أسلوباً مبسطاً لمحو أمية الكبار.
وتقول رسلان، إنه تم محو أمية 120 ألف دارس منذ التسعينيات. وبالإضافة لذلك هناك مشروعات لتوصيل المياه النظيفة للبيوت، وتدريب النساء، وتقديم المنح الدراسية للشباب من خلال أندية الروتاري.
اللافت أن الروتاري يتجه حالياً لإقامة المدارس، وذكرت رسلان أنه سيتم وضع حجر الأساس لمدرسة روتارية للأطفال بمحافظة الفيوم، في مصر في الثامن عشر من مارس/آذار المقبل.
ويدخل الروتاري في شراكات محلية مع رجال أعمال ومؤسسات أهلية، وأخرى دولية مع اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية، كما يتعاون مع جهات حكومية في العديد من البلدان، ومنها مصر، حيث وقع الاتحاد النوعي لأندية الروتاري مؤخراً بروتوكولات تعاون مع جامعة القاهرة ومحافظتي القاهرة والفيوم، ولروتاري مصر هذا العام، مشروعات خدمية عديدة بالفيوم أبرزها تطوير المستشفى العام، وتوصيل المياه النظيفة لألف أسرة، وتجهيز 50 عروسة يتيمة، وإطلاق قوافل طبية شاملة.
التمويل
وتدافع رسلان بقوة عن استقلالية أندية الروتاري العربية عموماً، وفي مصر على وجه التحديد، وترفض ما يثار من اتهامات بشأنها، قائلة: الروتاري في مصر أعضاؤه رجال ونساء مصريون وطنيون يحبون بلدهم، ويجمعون أموالاً من مصادر مصرية ورجال أعمال مصريين ومؤسسات مالية مصرية، ويقدمون الخدمة داخل مجتمعهم.
الروتاري لا ينتمي إلى دول أجنبية، ينتمي إدارياً إلى منظمة دولية، مثل الصليب الأحمر والهلال الأحمر، فقط إدارياً. الروتاري منظمة دولية لها أفرعها في العالم، والأفرع مستقلة بقوانينها وبأسلوبها.
الروتاري وحقيقة علاقته بالماسونية
ما إن تكتب كلمة الروتاري في أي من محركات البحث الشهيرة حتى تجد العديد من الكتابات التي تتهم أندية الروتاري بالانخراط في أنشطة ماسونية، هدفها الإضرار بالعرب، وهو ما ينفيه الروتاريون العرب مراراً.
ما الذي وضع الروتاري في خانة الاتهام تلك وما أصل الحكاية؟
تقول رسلان: ارتباط الروتاري بالماسونية معلومة مغلوطة تماماً، ولا أساس لها من الصحة، سوى أنه في الزمن القديم كان بعض الماسونيين أعضاءً في الروتاري.
الماسونية حركة نعلمها جميعاً، قامت عام 1700 تقريباً، وكلمة الماسونيين باللغة الفرنسية تعني بنَّائِي الطوب، الذين كانوا يبنون الكنائس والقصور.
مع الوقت تجمَّع هؤلاء البناؤون وأصبحوا يشكلون قوة كبيرة، وأخذوا مجازا كلمة الماسونية، أي بناة الطوب، وبدأوا في الأعمال الاجتماعية لبناء المجتمع أو الأشخاص. لهم طقوسهم وأساليبهم ولا يربطهم بالروتاري أي شيء.
بعض الناس يزعمون أن طقوس الروتاري سرية مثل الماسونيين، طقوسنا ليست سرية إطلاقاً، الروتاري طقوسه معروفة ومعلنة في الإعلام. اجتماعاتنا معروفة وأعضاؤنا معروفون. هناك 6 ملايين ماسوني في العالم، وكان في مصر عدد كبير من الماسونيين بمئات الآلاف.
لا أعلم لماذا يدعون أن الماسونية خطيرة ومدمرة، وأنا لا أعتقد ذلك، فهي إحدى حركات العمل الاجتماعي التي تقدم خدمات مختلفة، تربطهم صداقاتهم ببعض، ولديهم بعض الطقوس التي يَعرفون بها بعضهم، لكن لا أعتقد أنها لهذه الدرجة من الشر، ولكن في النهاية لا يربطها مع الروتاري أي شيء.
وتختتم رسلان، الحاصلة على دكتوراه الإدارة العامة عن رسالة بعنوان العوامل المؤثرة على تولي المرأة المناصب القيادية، بالقول: هناك من يرغب في هدم الروتاري وهدم صورته، الروتاري له أعداؤه، لأننا ننزل إلى المناطق الفقيرة، وهناك منافسة كبيرة لا نقيمها نحن، لكن يشعر بها الآخرون من الجمعيات الأخرى التي تعتبر الروتاري يأخذ من رصيدها، ونحن نهدف للمصلحة العامة فقط.
العضوية والاشتراكات
وبحسب هانية الملواني، سكرتير روتاري الجزيرة السابق، فإن أعضاء نوادي الروتاري يدفعون اشتراكات سنوية للعضوية، قائلة: نحن مثلاً ندفع 1800 جنيه سنوياً، جزء منها يذهب للروتاري الدولي الذي يتعاون معنا أيضاً، وخاصة حين تكون هناك مشروعات خدمية مشتركة مع مناطق جغرافية أخرى.
ويحظى مؤسس الروتاري بول هاريس بمكانة كبيرة بين أعضاء تلك الأندية، حتى إن الحصول على دبوس زمالة بول هاريس يكلف صاحبه ألف دولار أميركي.
وتنظيمياً يتولى إدارة أندية الروتاري رئيس ونائب رئيس وسكرتير، وفي الغالب فإن اختيار رؤساء الأندية يجري بالتوافق عادة كما تقول الملواني.
وللأندية لجان داخلية، أبرزها لجان العلاقات العامة والإعلام وتنسيق المشروعات.
وترد الملواني على سؤال بشأن علاقة أندية الروتاري بالإعلام قائلة: كان للإعلام موقف عدائي من الروتاري في البداية، كانوا يربطون بيننا وبين الماسونية، أو يقولون إن أعضاء الروتاري غير معنيين سوى بالحفلات وما إلى ذلك، لكن الصورة تحسَّنت حالياً.