هل يمكنك عرض حياتك الخاصة عبر شبكة الإنترنت؟ تعرَّف على العلاج النفسي “أونلاين”

دخلت الإنترنت عدة مجالات جديدة؛ منها عالم طب النفس، فمنذ فترة لاحظنا بروز ظاهرة جديدة تستحق الدرس: وهي المواقع والمدونات التي تتحدث عن علم النفس والأمراض النفسية بطريقة مبسطة ومفهومة لدى العامة، بالإضافة إلى المواقع التي تقدم جلسات علاج عن بعد، وخدمات المراقبة والمرافقة التي يقدمها مهنيون في هذا المجال لمن يعانون مشاكل نفسية عبر تطبيق سكايب لمحادثات الفيديو.

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/15 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/15 الساعة 11:26 بتوقيت غرينتش

دخلت الإنترنت عدة مجالات جديدة؛ منها عالم طب النفس، فمنذ فترة لاحظنا بروز ظاهرة جديدة تستحق الدرس: وهي المواقع والمدونات التي تتحدث عن علم النفس والأمراض النفسية بطريقة مبسطة ومفهومة لدى العامة، بالإضافة إلى المواقع التي تقدم جلسات علاج عن بعد، وخدمات المراقبة والمرافقة التي يقدمها مهنيون في هذا المجال لمن يعانون مشاكل نفسية عبر تطبيق سكايب لمحادثات الفيديو.

عرض خدمة جلسات العلاج النفسي عبر الإنترنت، أصبحت موجودة بإيطاليا وفي عدد كبير من دول العالم، وسأسعى إلى تحليل الجوانب الإيجابية والسلبية المرتبطة بهذه الممارسة،؛إذ إنه رغم إصرار كثير من أطباء النفس على التنديد بهذه الظاهرة والتشكيك في جدواها، فإن العلاج النفسي عبر الإنترنت أصبح أمراً واقعاً، ولذلك بات من الضروري النظر إليه وتقييمه.

مقارنة العلاج النفسي التقليدي بالعلاج النفسي عبر الإنترنت


يبدو أن جلسات المعالجة النفسية عبر الإنترنت لديها ميزة جوهرية تتقاسمها مع العلاج النفسي التقليدي، وهي وجود شخصين: مريض يتحدث عن مشاكله وعن الأفكار التي تراوده، وطبيب يحاول من خلال المحادثة فهم المشكل وتشخيصه وتقديم العلاج. وقد خضعت ظاهرة العلاج النفسي عبر الإنترنت خلال السنوات الأخيرة لدراسة مكثفة، خاصة من قبل علماء العلاج السلوكي المعرفي.

الانتقادات الموجهة للعلاج النفسي عبر الإنترنت


يعارض الكثير من المتخصصين في هذا المجال بشدة ممارسة هذه المهنة عبر الإنترنت؛ لأنهم يعتقدون أنه من المستحيل توفير نفس الظروف والشروط التي تتطلبها جلسة العلاج، واستحالة تجاوز حاجز المسافة وتعويض الحضور البشري بالتجهيزات التكنولوجية.

وإليكم جملة الحجج التي يقدمها المعارضون لهذه الظاهرة، حول سلبيات العلاج النفسي عن بعد:

على سبيل المثال، وجد بعض الباحثين في هذا المجال أن هناك بعض العوائق الجغرافية التي يصعب تجاوزها، والتي تبرز خاصة في تحديد مواعيد الجلسات بشكل يتناسب مع ظروف المريض والطبيب.

كما أثار هؤلاء مسألة أخرى أيضاً، وهي أنه في المراحل الأولى للعلاج سيكون من الصعب على الطبيب خلق نوع من الألفة والتواصل والثقة بينه وبين المريض، لتشجيعه على التحدث بكل انفتاح، وهو أمر توفره أشكال العلاج النفسي التقليدية التي يتواجد فيها الطرفان في مكان واحد.

في المقابل، يبقى هذا الأمر صعباً عبر الإنترنت، وهو ما قد يدفع المريض للانقطاع عن العلاج سريعاً قبل تحقيق الشفاء.

وحذّر بعض الباحثين الآخرين في هذه المسألة من مشكلة تغييب عدد من العناصر المهمة في جلسة العلاج، التي تمثل الهدف الأساسي من اللقاء بين الطبيب والمريض، وهي ملاحظة لغة الجسد أو ما يُعبّر عنه بالتواصل غير اللفظي.

كما ركز باحثون آخرون على مدى تعقيد هذه المسألة بسبب المشاكل التي قد تُطرح حول الثقة بين الجانبين وكتمان الأسرار، في ظل وجود التكنولوجيا كوسيط بين الجانبين، بالإضافة إلى عدد آخر من المشاكل الأخلاقية والتحديات القانونية التي تواجهها هذه الطريقة المستحدثة.

ويحذر آخرون أيضاً من أن شبكة الإنترنت في حد ذاتها قد تصبح سبباً في تشتيت التركيز وإعاقة الاندماج في الجلسة العلاجية، لتمثّل مشكلة بالنسبة للطبيب والمريض.

نقطة أخرى تثير القلق فيما يخص العلاج عن بعد، وهي إدارة الأزمات والطوارئ التي قد تحدث خلال جلسة العلاج، فما الذي يمكن للطبيب فعله مثلاً لو أن مريضاً بعيداً عنه جغرافياً ويعيش في بلد آخر قال في أثناء الجلسة إأنه يريد الانتحار؟

كما حذّر معارضو هذه الطريقة من صعوبة أخرى، تتمثل في المشكلات التقنية المتعلقة باستعمال الإنترنت، مثل تأخير وصول الصوت أو الصورة، أو عدم وضوحهما بسبب ضعف جودة خدمة الإنترنت.

وربما تكون أبرز ملاحظة في هذا الصدد، رغم تنامي انتشار جلسات العلاج النفسي عبر الإنترنت، هي غياب دراسات علمية جادة ودقيقة حول آثارها، فضلاً عن غياب تشريعات وقوانين تنظم هذا المجال وتضمن حقوق كل طرف.

كيف يمكن تطوير مجال العلاج النفسي عن بعد؟


في المقابل، يعتقد المدافعون عن فكرة تقديم جلسات علاج عبر وسائل التواصل الحديثة أنه رغم المسافة الفاصلة بين الطرفين، فإن جلسات العلاج عن بعد تستوفي الشروط والمعايير الأساسية التي تتوافر في الجلسات التقليدية المباشرة.

فوفقاً لدراسة صدرت في سنة 2011، فإن التواصل غير اللفظي بين الطرفين لا يمثل عائقاً، وتأثيره لا يختلف كثيراً بين الجلسات التقليدية والجلسات عبر الإنترنت. كما يعتقد مساندون آخرون لهذه الظاهرة الجديدة أن العلاج عن بعد يفترض أن المريض لن يستعمل كثيراً حاستي اللمس والشم، باعتبار أنه موجود في بيئته المعتادة، وهذا على الأرجح سوف يؤدي به إلى تنشيط ذهنه وبقية مداركه بشكل كبير، وهو ما يساعد على نجاح هذه الجلسات.

علاوة على ذلك، فإن استعمال الإنترنت يطرح عدة مميزات، منها سهولة الوصول إلى الطبيب والإفصاح عن المشاكل، بالإضافة إلى تعمير الاستبانات والإجابة عن الأسئلة عبر موقع في الإنترنت، وإمكانية تسجيل جلسات العلاج ليتمكن الطبيب فيما بعد من تقييم سير الجلسات وتشخيص الحالة.

لنكن صريحين، علينا أن نقر بأن كثيرين من المرضى النفسيين يرون أن شبكة الإنترنت هي مكان آمن بالنسبة لهم يمكنهم الوثوق به أكثر من العالم الحقيقي، وهو أثبتته دراسة لعالِمي النفس "أميشاي هابرغر" و"زاك هايات" في سنة 2013.

كما أن شبكة الإنترنت قد تمثل الحل الأمثل بالنسبة لبعض من يعانون مشاكل نفسية ويجدون في الوقت نفسه صعوبة في مغادرة المنزل ومواجهة العالم الحقيقي. في هذه الحالة، يمكن أن تمثل الإنترنت فرصة لإيجاد قنوات التواصل مع هذا المريض وإخراجه شيئاً فشيئاً من العالم الافتراضي إلى العالم الحقيقي.

كما أن أولئك الذين يشجعون على هذا النوع من العلاج النفسي يعتقدون أن المشاكل التي تواجهها جلسات العلاج عبر الإنترنت هي نفسها التي تواجهها جلسات العلاج التقليدية المباشرة؛ حيث إن أنماط التواصل هي نفسها في الحالتين.

ومن الصعوبات التي يمكن أن يواجهها الطبيب المعالج عبر الإنترنت، ارتكاب المريض في بعض الأحيان أخطاء تؤثر على سير العلاج، على غرار؛ نسيان موعد فتح الإنترنت لإجراء الجلسة، والتحدث بصوت ضعيف لا يصل عبر الإنترنت، وعدم استعمال السماعات، والجلوس في مكان بعيد عن الميكروفون، وتلقي مكالمات هاتفية، والإجابة عن الرسائل الإلكترونية ومحادثات مواقع التواصل الاجتماعي كما لو كان المريض في جلسة مع الأصدقاء، والبقاء صامتاً فترة، والتردد، والسعال، والتأخر في الحضور للجلسة، والتخلف عن تسديد رسوم الجلسات العلاجية.

وعلى كل حال، فإنه من المهم الإشارة إلى أن الفوائد طويلة المدى ومدى فاعلية العلاج عن بعد؛ تبقى مسألة في حاجة لدراسة معمقة.

ويمكن لهؤلاء الأطباء الذين يقدمون جلسات عبر الإنترنت تلقي تدريبات مكثفة للتعامل مع الوضعيات المعقدة والخطيرة، مثل مواجهة مريض يريد الانتحار، وتلقي الإشارات المبكرة التي تُنذر بوجود خطر.

ويجب على كلا نوعي العلاج النفسي، المباشر وعبر الإنترنت، عدم تجاهل الفروق الثقافية بين الأشخاص، ومن الضروري جداً بالنسبة للمعالجين النفسيين أن يتمتعوا بوعي تام وتفهم لبعض المسائل الحساسة لدى أشخاص منحدرين من ثقافات معينة. أما الإنترنت، فيمكنها تقديم تسهيلات كبيرة بهدف تسهيل الاندماج الثقافي بين مختلف الأشخاص.

كما أن الإنترنت توفر لبعض المرضى النفسيين المنتمين إلى أقليات ثقافية معينة فرصة كي يجدوا على الشبكة العنكبوتية أطباء يشاطرونهم الثقافة أو الديانة نفسها، يكونون مؤهلين أكثر من غيرهم للتقرب منهم ومعالجتهم، حتى لو كانوا في دول أخرى بعيدة.

أما بالنسبة للصعوبات التقنية فإنها ستظل دائماً موجودة، رغم أنها في تراجع مستمر؛ إذ إنه توجد اليوم حلول عملية ناجعة لضمان جودة الصوت والصورة في أثناء الجلسة. كما تختص جلسات العلاج عبر الإنترنت بمميزات أخرى، من بينها أن هذا النوع من العلاج قد يكون الحصول عليه أسهل وأقل تكلفة بالنسبة لشرائح معينة من الناس، مثل سكان المناطق النائية والبعيدة، وأولئك الذين يعانون إعاقة جسدية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الخيار قد يصبح الأمثل بالنسبة لمن لا يمتلكون الوقت الكافي للذهاب لعيادة الطبيب، مثل الذين يسافرون بشكل مستمر، أو المقيمين ببلد أجنبي.

كما تمثل المعالجة عبر الإنترنت حلاً بديلاً لمن شرعوا في القيام بحصص العلاج النفسي مع طبيب معين، ثم اضطرتهم الظروف إلى تغيير بلد الإقامة.

الدراسات الموجودة حول العلاج النفسي عبر الإنترنت


في دراسة صدرت سنة 2008، قيّم الباحث آزي باراك مدى فاعلية التدخل النفسي عبر الإنترنت (العلاج السلوكي المعرفي، والعلاج النفسي التعليمي، والعلاج السلوكي)، وقد تبين أن هذه الطريقة فعالة بنفس درجة جلسات العلاج التقليدية التي يلتقي فيها الطبيب والمريض وجهاً لوجه.

كما تبين أيضاً أن الرابط القوي بين الطرفين، الذي يعد ضرورياً لنجاح العلاج، يمكن تطويره سواء عندما يكون التواصل عبر الإنترنت أو بطريقة مباشرة، بالدرجة نفسها.

وقد تم تقييم مدى فاعلية هذه الطريقة الجديدة في عدة دراسات ركزت على مشاكل الصحة العقلية، منها دراسة بعنوان "إنسومنيا" (الأرق)، صدرت عن "ريتر بارد" سنة 2009، ودراسة أخرى بعنوان "الإدمان عن الكحول"، صدرت عن "ساند شتروم" سنة 2016، والتي توقعت نتائج واعدة لطرق العلاج الجديدة، تضاهي تلك التي تحققها طرق العلاج التقليدية.

كما صدرت دراسة أخرى شاملة عن الباحث في علم النفس "شبيك" سنة 2007 والتي أظهرت تحقيق أسلوب المعالجة عن بعد نتائج طيبة في مواجهة مشاكل التوتر والاكتئاب. كما أن دراسة أجراها الباحثان "أندرسون" و"كويبرز" سنة 2009 خلصت إلى أن علاجات الاكتئاب عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة تبدو واعدة جداً، وقد تثبت جدواها بشكل علمي في وقت قريب.

يبدو من خلال هذه المعطيات، أن الفوائد بعيدة المدى لجلسات العلاج عبر الإنترنت، ومدى فاعليتها، تحتاج لمزيد الدراسة المعمقة. وفي الأثناء، نأمل أنه بالتزامن مع تزايد دور الإنترنت في حياتنا وتطورها وتعدد استعمالاتها، سيكون بإمكاننا الاستفادة منها في ممارسة مهنة العلاج النفسي، حتى نتمكن من تعميق تجربتنا في هذا الموضوع، ثم إصدار قوانين وتعليمات منظمة لهذا القطاع.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة lastampa الإيطالية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.

علامات:
تحميل المزيد