ليس بعيداً عن مركز دمشق، وتحديداً في منطقة برزة، افتتح أحد محلات بيع الدجاج المقلي والشاورما فرعاً ضخماً له يضم طاولات وكراسي لاستقطاب مزيد من الزبائن، وبمجرد الاقتراب منه ستصلك رائحة اللحم والدجاج المشوي، وستفاجأ بعدد الزبائن المنتظرين دورهم أو الجالسين أمام وجباتهم.
الحال في برزة ليس مختلفاً عن بقية المناطق في دمشق، سواء الشعبية منها أم الراقية، فمحلات المأكولات والمطاعم مازالت تستقطب الجميع وغالباً ما تكون مكتظة رغم ارتفاع أسعارها، ما يطرح تساؤلاً عن قدرة الناس على مواكبة هذا الغلاء والشراء من هذه الأماكن؟.
قلَّة خيارات التسلية
يقول سامي زرقا وهو طالب جامعي في بداية العشرين ويحصل على مصروفه من والده لعربي بوست، أنه يذهب مرة في الأسبوع إلى محلات بيع السندويش أو الشاورما، وهو يقتصد في نفقاته طيلة الأسبوع ليتمكن من تنفيذ هذا الأمر مساء الخميس.
ويوضح أنه لا يستطيع الدخول إلى المطاعم، وخاصة الخمس نجوم منها، فتكلفة أي وجبة غداء لا تقل عن الأربعة أو الخمسة آلاف ليرة (أي ما يعادل العشرة دولارات)، وهذا الرقم لا يمكنه توفيره إلا في المناسبات المتباعدة، لهذا اقتصرت نشاطاته مع أصدقائه على محلات المأكولات وتناول الطعام في الشارع وفي بعض الأحيان الذهاب إلى المقاهي لتدخين الأركيلة، مشيرا إلى أن هذه الجهات ورغم ارتفاع أسعارها نسبياً لكنها تبقى أرخص من سواها.
أما ليلى طحان وهي موظفة، فتوضح أنها تضطر للذهاب إلى المطاعم مع أصدقائها رغم ارتفاع تكاليفها، والسبب عدم توفر أماكن بديلة للتنزه في دمشق، فبعد الأزمة تقلصت الخيارات وباتت تقتصر على المطاعم والمولات في أحسن الأحوال، وتضيف أن المولات أيضاً أصبحت أشبه بتجمع للمطاعم، لا يمكن تأدية أي نشاط فيها سوى قليل من التسوق أو المشي ثم الجلوس في مطعم.
وعن قدرتها على تأمين مصاريف المطاعم مقارنة براتبها، توضح بأنها كموظفة تتقاضى راتباً محدوداً، وغالباً ما يقتصر جلوسها على كأس عصير أو فنجان قهوة، وتعتمد على محلات الوجبات السريعة لتناول الطعام فيها في حال كانت جائعة بدلاً من الأكل في المطعم بسبب ارتفاع الأسعار.
تخصصات عديدة
لا تخلو شوارع دمشق من محلات ومطاعم متنوعة الخدمات، حتى أن بعضها مخصص للشوكولا أو الحلويات فقط، وبعضها مخصص لغير المدخنين، وحتى توجد مقاه ثقافية تقدم خدماتها مترافقة مع حفلات غناء أو لقاءات ثقافية، وغالبية هذه الجهات تعمل حتى ساعات متأخرة من الليل وهي تستقطب الكثيرين.
ونسأل صاحب مطعم متخصص بالشوكولا وأنواعها، عن سبب اختياره لهذا النوع من المأكولات وعن مخاطرة افتتاح المطعم في ظل تراجع الوضع المادي، فيقول إنه قبل افتتاح مشروعه لاحظ أن الناس يحتاجون لما يدخل السعادة إلى قلوبهم بسبب الحرب والتعب، وهم رغم أعبائهم المادية الصعبة مصرون على الذهاب إلى المطاعم والخروج من المنزل، حتى لو تسبب لهم الأمر بضائقة مالية، هذا ما شجَّعه على تأسيس المطعم لإيمانه بأن مردوده سيكون مقبولاً.
وأوضح أنه قد اختار مجال الحلويات، لأن عليها إقبالاً كبيراً من الزبائن وخاصة الفتيات اللواتي يتهافتن على مطعمه يومياً ويلتقطن الصور أمام منتجاته وخاصة أمام "شلال" الشوكولا الموجود في المحل.
ولمزيد من الترويج استحدث صفحة لمطعمه على فيسبوك واشترك بالعديد من الصفحات المتخصصة بالمطاعم، واليوم تضم صفحاته عدداً جيداً من المشتركين الذين يتشاركون صورهم أو صور منتجاته.
ولا ينكر مشكلة الغلاء التي تجعل من كل شي مرتفع التكلفة، ما يضطره إلى رفع أسعاره بشكل دائم ليتمكن من مواكبة هذا الغلاء، ويطرح مثالاً بأسعار الموز التي بلغت في الفترة الماضية سعراً مرتفعاً تجاوز الألف ليرة (2 دولار).
وفي حال رغب أي شخص بتذوق الطعام الياباني فمازالت حتى اليوم بعض المطاعم المتخصصة بالسوشي والمأكولات الآسيوية تعمل بالعاصمة السورية، وهي تتواجد في الأماكن الراقية من دمشق وتعتمد على أعداد ليست كبيرة من الزبائن نظراً لارتفاع أسعارها، ومع هذا ما تزال مستمرة في عملها ولم تغلق أبوابها.
ويقول نادل يعمل في أحد هذه المطاعم إنهم يعتمدون في عملهم على الأجانب المتواجدين في سوريا بحكم عملهم مع منظمات دولية، كما يعتمدون على سكان المنطقة المجاورين، ولا تخلو طلباتهم من زبائن يأتون لمرة واحدة بهدف التعرف هذا الطعام، وغالباً ما يتشارك هؤلاء في أطباق قليلة تتناسب مع ميزانياتهم.
المأكولات الشعبية في الصدارة:
رغم تنوع الخيارات في شوارع دمشق، ولكن تبقى للمأكولات الشعبية حصة الأسد من السوق لأنها ومع ارتفاع أسعارها تبقى مقبولة إلى حد ما، ولا يخلو محل فلافل من ازدحام للزبائن وخاصة في المساء، وكذلك الحال مع المحلات المتخصصة ببيع المعجنات، والتي باتت تقدم اليوم أصنافاً عديدة تبدأ من الزعتر وتنتهي باللحم والدجاج.
وتقول هدى مرعي -وهي مُدرسة- أنها تشتري بشكل دائم من محلات بيع الفطائر، وتعتبر هذا الطعام بمثابة وجبة للفطور، وكي لا تدفع مبلغاً كبيراً تقتصر في طلبها على الزعتر والجبنة البلدية لأن أسعارها أقل من الأصناف الأخرى.
وتوضح أنه لم يبق شيء رخيص فحتى الفطور في المنزل بات مكلفاً أيضاً مع استمرار ارتفاع أسعار الخبز ومشتقات الحليب وأيضاً المكدوس (يتكون من باذنجان وجوز وفليفلة حمراء) الذي بات يشكل عبئاً على الكثيرين، حتى أنهم قلصوا من كميات إنتاجه وبات بعضهم يعتمد على الفستق السوداني بدلاً من الجوز.