في عام 2009 تم إنتاج فيلم أمريكي-بريطاني بعنوان Hachi: A Dog's Tale، هذا الفيلم كانت أحداثه مُقتبَسَة عن قصة يابانية حقيقية، بطلها "كَلب" ضرب نموذجاً فريداً في الوفاء لصاحبه، إذ بقي (الكلب) لمدة 9 سنوات كاملةً أمام محطة القطار ينتظر صاحبه الذي توفي!
ومهما حاولوا إرجاع الكلب للمنزل، أو إثناءه عن الفكرة كان يعود مُستميتاً لنفس المكان، إلى أن توفي أمام محطة القطار، بعد أن أصبح حديث الصحف والأخبار، وصار علامة من علامات المكان، حتى إنه في أبريل/نيسان عام 1934 تم نصب تمثال من البرونز على شكل هتشيكو (الكلب) في الساحة أمام محطة شيبويا.
الطريف أن الكلب حضر بنفسه افتتاح التمثال، بعدها وفي أثناء الحرب العالمية الثانية تم استخدام المعدن المصنوع منه التمثال في تصنيع الأسلحة، قبل أن يُعاد صُنع التمثال مرة أخرى بنفس المكان عام 1984، ويصبح إحدى علامات طوكيو المميزة.
تمثال الكلب (يمين) صاحب الكلب في القصة الحقيقية وزوجته (يسار)
حُب الكلاب للبشر فِطرَة أم جينات وراثية !؟
وبينما عشنا زمناً طويلاً نتحدَّث عن علاقة الكلاب بالبشر، مُعددين مزاياها ونَدرتها، جاءت الدراسات العلمية الحديثة لتُفيد بأن حُب الكلب للإنسان، على الأغلب ليس أمراً اختيارياً؛ بل نتيجة جينات وراثية، على عكس حيواناتٍ أخرى كالذئاب مثلاً التي لا تتمتع بنفس الجين الوراثي.
وللتأكد من ذلك، قام العالمان Wilsson وSundgren بعمل أبحاث وتجارب -نشرتها حديثاً المجلة العلمية scientific reports– على 437 من كلاب الصيد التي وُلدت ونشأت في ظروف المُختبر، فتم وضع كل كلب في غرفة واحدة مع باحث، و3 أغطية بلاستيكية كل منها تُغطي هدية ما، بينما أحد تلك الأغطية مُثَبَّتاً بحيث لا يستطيع الكلب تحريكه مهما حاول أو بذل من الجُهد.
وقد مُنِح كل كلب 3 دقائق لاختباره وتسجيل رد فعله، وحساب كم سيستغرق من الوقت قبل أن يلجأ إلى طلب المساعدة من الباحث؛ بل وكيف سيقوم بفعل ذلك. فالكلاب على عكس الذئاب التي تميل إلى الاعتماد على نفسها في مواجهة العمليات الصعبة، وعدم طلب العَون من أحد، حيث لا تجد الكلاب أي غضاضة في التعبير عن حاجتها للمساعدة، وخاصةً من جانب البشر.
وهو ما حدث بالفعل بعد تلك التجربة، وفي حين كانت بعض الكلاب تطلب المساعدة بعمل تواصل بصري مع الباحث، كان هناك كلاب أخرى تقوم بجذب الباحث أو دفعه أو القفز عليه ليقوم بمساعدتها، بينما كان هناك أيضاً كلاب ترددت في طلب العَون، وهو ما أثبت وجود فروقات بين الكلاب بعضها وبعض، ما دَفَع الباحثين لتصنيف الكلاب فيما بينها إلى "مستأنسة" و"مُحبة للاختلاط" ولكن بدرجات.
بعدها، تم اختيار أعلى 95 كلباً، وأقل 95 كلباً في التواصل مع الباحثين، وسحب عينة من الـــDNA الخاص بها من أجل إلقاء نظرة مُقرَّبة وأكثر دِقة على جيناتها، وتحديد ما إذا كانت تمتلك أي صفات وراثية مُتعلقة بتواصلها مع البشر.
5 جينات لها علاقة بالميل للتواصل مع البشر
ليتم اكتشاف وجود 5 جينات لها علاقة بالميل للتواصل مع البشر، والغريب أن بعض تلك الجينات لها علاقة ببعض السمات البشرية لدى البشر أنفسهم! وقد أفاد الباحثون بأن تلك الجينات الـخمس لا بد أنها متفاعلة مع جيناتٍ أخرى داخل أجساد الكلاب، ما يجعل معرفة كيف تتم عملية التواصل القوية تلك بين الكلب والإنسان بالضبط غير مطروحة، وإن كان هذا لن يمنعهم من تكرار التجربة على سُلالات كلابية أخرى لمنح الدراسات أبعاداً أكثر شمولية.
ومن الجينات التي عُثر عليها بـDNA الكلاب:
· جين يسمى SEZ6L موجود لدى الكلاب التي تميل للاعتماد على البشر، كما أنه موجود لدى مرضى التوحد.
· جِين يطلق عليه COMT، وهو مُوجود لدى المراهقين الذين يتسمون بالطابع العدائي، وموجود أيضاً لدى من يُعانون اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط (ADHD)، أو انفصام الشخصية.
وإن كان العلماء لا يعرفون حتى الآن ما إذا كانت تلك الجينات تؤدي إلى نفس النتائج بالكلاب أم لا!
في النهاية وعلى الرغم من كل تلك الدراسات، والنتائج، فقد أفاد العلماء بأن الجينات الوراثية مسؤولة جزئياً فقط فيما يتعلق بحُب الكلاب للبشر، موضحين أن نسبة المساهمة الوراثية فيما يتعلق بهذا الموضوع لا تزيد على 30%، في حين أن الــ70% الأخرى تعود لأسبابٍ أخرى، قد يتم اكتشافها من خلال التجارب المُستقبلية.