تعجز الكلمات عن وصف الأجواء الرمضانية بالمغرب، فكل شيء مختلف ومميز، العبادات، والتقاليد والواجبات….إنه شهر الإيمان والتآخي والخيرات بلا منازع في كل شيء وحتى الأمور البسيطة توحي بقيمة هذا الشهر الفضيل عند المغاربة؛ حيث المساجد مكتظة بالمصلين في كل الأوقات، وخصوصاً عند صلاة التراويح، إضافة إلى قراءة القرآن الكريم والتسبيح والتقرب من الخالق، التبرعات وتحضير الإفطار الجماعي للمساكين والفقراء من طرف الميسورين وبعض الجمعيات الخيرية، بما أضحى يصطلح عليه بموائد الرحمن.
كل شيء مباح إلا رمضان..
رمضان عند المغاربة شيء مقدس، تجد البعض لا يقوم بالفرائض الإسلامية كلها، لكنه يصوم رمضان، عادات متوارثة وقيم دينية متلازمة من جيل لجيل، إنها علاقة حب وإيمان منقطع النظير، يقول أحد المبتلين بشرب الخمر: "أقطع شرب الخمر قبل رمضان بأربعين يوماً، وأصلي التراويح بالمسجد بالحي، ورغم أن الأمر ليس بالهين لا يمكنني الإفطار، صيام رمضان أمر لا يناقش، ونحن نحبه لأنه يذكرنا بأناس نحبهم وبأشياء لا توجد طيلة السنة، والله يعفو عنا من البلية يا أخي".
ومن العادات التي تدخل في الجانب الروحاني خلال هذا الشهر الكريم خروج رائحة العود والند والبخور من جل المنازل؛ حيث رائحة المسك والطيب في كل الأماكن.
المغاربة يقومون بالزيارات العائلية فيما بينهم على طول السنة، فما بالك بحلول شهر رمضان؛ إذ تبدأ الأسر في زيارة الأحباب والجيران وصلة الرحم.
تحكي أمينة بفخر: "هذا الشهر الكريم يريحنا من رؤية الحانات والبارات؛ إذ تغلق أبوابها خلال هذا الشهر، ويا ليت رمضان كان على طول العام، لكنا استرحنا من شرورها، كما أن جل المدخنين تجدهم يتحدثون عن إرادتهم وتفكيرهم في ترك هذه الآفة، إنه شهر كريم عند الله".
وتعرف الرياضة كذلك ازدهاراً في هذا الشهر؛ إذ الدوريات المصغرة (التورنوات) والجري في الخلاء وممارسة الحركات والألعاب الرياضية داخل القاعات المغلقة ولعب مباريات كرة القدم بقرب الشاطئ وكرة اليد وممارسة الكرة الحديدية وكرة الطاولة… إلخ.
عادات متوارثة وثقافات متنوعة..
يبدأ التحضير لاستقبال رمضان عند المغاربة على بعد أسابيع؛ حيث تزدهر تجارة العطرية (التوابل) والفواكه الجافة والحلويات… إذ يعرف الإقبال على هذه المواد تزايداً مهولاً، تشتري النساء السمسم واللوز والجوز والكاوكاو (الفول السوداني)… ليحضرن ما يلزم لاستقبال هذا الشهر.
المطبخ المغربي برمضان له نكهة أخرى، بكل شيء يستشعر الفرد وجود رمضان فرائحة الحريرة (حساء مغربي أصيل) والمسمن والشهيوات تفوح من كل الأزقة.
وعند الإفطار تجتمع الأسرة كلها حول المائدة؛ لتتلذذ وتتغدى على ما لذ وطاب من الوصفات المغربية الأصيلة، الحريرة، الشباكية، البريوات والسفوف (يقال له أيضاً سلو أو التقاوت) والملاوي، البطبوط، الرغايف، المخمار والبغرير (أنواع من الفطائر) والعصائر والشاي المغربي المنعنع والثمر والشريحة… (هذه الوجبات توجد في كل المنازل المغربية ثم يضاف أشياء أخرى على اعتبار مستوى ودخل الأفراد) وبعد الإفطار مشاهدة بعض الشكيتشات الركيكة التي تبثها القنوات المغربية ورغم فراغ محتواها أصبحت مشاهدتها شيئاً من العادة.
العادات الاستهلاكية برمضان جد صعبة؛ حيث تعرف الأسواق حركية غير مألوفة، ضجيج هنا وآخر هناك وتجارة غدائية تفوق كل الحسابات والأرقام.
رمضان ليلاً جد مختلف، فبمجرد الانتهاء من صلاة التراويح تعرف المدن المغربية حركية تضاهي حركية النهار في الأيام العادية؛ إذ الخرجات العائلية والفسحات والتسوق وممارسة المشي… وتعرف المسارح ودور الشباب والمراكز الثقافية أمسيات دينية وفنية عديدة؛ حيث مسابقات تجويد القرآن والمديح وعروض الأزياء الخاصة بالملابس التقليدية كالقميص والجلابية… والمسرحيات الفكاهية، كما تكتظ المقاهي بالزوار؛ إذ الجلسات الحميمية بين الأصدقاء وشرب الشاي المغربي.
وبالليل حيث السكون، يخترق سمعك صوت الطبل أو النفير الذي يذكر الناس باقتراب موعد السحور، وهو صوت الشخص الذي يقال له عندنا النفار وفي مصر المسحراتي، ويعتبر هذا من التراث الشعبي والثقافي الذي يجب المحافظة عليه؛ حيث يلاحظ أنه بدأ يقل في السنوات القليلة الماضية.
وما زال المغاربة متشبثين بعاداتهم وتقاليدهم التي اكتسبوها منذ فتح عقبة بن نافع للمغرب إلى الآن، ويكفي المرء أن يقوم بزيارة للمغرب ليستشعر كل الأجواء الرمضانية وحلاوتها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.