سرطان الثدي أمر كارثي؟ تخيل كيف يبدو في قطاع غزة

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/19 الساعة 07:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/19 الساعة 07:56 بتوقيت غرينتش

بينما تصل نسب البقاء على قيد الحياة للمصابين في إنكلترا 85%، فإنها تتراوح بين 30% و40% في غزة جراء الحصار على القطاع والإجراءات الإسرائيلية الأمنية.

شهادة الطبيبة الاسكتلندية فيليبا ويتفرد التي عملت في غزة عامي 1991 و1992 وعادت إليها مؤخراً تكشف عن أنه بينما يعد استئصال الثدي أمراً نادراً في بريطانيا، فإنه العلاج الأساسي في غزة بسبب غياب الطرق الأخرى، مذكرة في مقالها بصحيفة "الغارديان" البريطانية بتقديرات الأمم المتحدة إلى أنه بمرور 4 سنوات أخرى ستصبح تلك الأراضي غير قابلة للسكن.

وإلى نص المقال

منذ 25 عاماً، وأثناء الانتفاضة الأولى كنت أعمل جراحةً متطوعة لتقديم المساعدات الطبية للفلسطينيين في المستشفى الأهلي بغزة في الوقت الذي قاد فيه مؤتمر السلام في مدير إلى اتفاقية أوسلو، وخارطة طريق منتظرة للسلام بين إسرائيل وفلسطين. عدت إلى فلسطين منذ عدة أسابيع بصفتي جراحة متخصصة في جراحات سرطان الثدي.

وبالإضافة إلى عملي في العيادات وإجراء العمليات وورش العمل الطبية التعليمية في القدس الشرقية، قمت بزيارة غزة للوقوف على التحديات التي تواجه مرضى السرطان هناك، حيث رأيت نفاد الصمود والأمل في المستقبل، بالإضافة إلى شعورهم بنسيان المجتمع الدولي لهم.

المستشفى الأهلي أيضاً مازال كما كان، مع بعض العنابر الأنيقة والحدائق الجميلة. ومع ذلك، فغزة تختلف إلى حد كبير عن ذلك المكان الذي عشت وعملت به في 1991 و92. أثناء الانتفاضة الأولى، كانت غزة تخضع لسيطرة مباشرة من الجنود الإسرائيليين في الداخل، مع وجود حظر تجول ليلي، والعديد من نقاط التفتيش، بالإضافة لمستوطنين إسرائيليين. سببت هذه الأمور مصدراً دائماً للتوتر والمواجهات العنيفة بين يافعين يلقون الحجارة، وجنود مسلحين أو حتى مستوطنين. التعامل مع إصابات الطلق الناري في سيقان هؤلاء الشباب والصبية كان أهم واجبات الأطباء والمسعفين.

مثل هذه التحديات تغيرت حالياً بعائق جديد يقف أمام رخاء سكان غزة، وهو الحصار الخانق الذي يمتد لعقد كامل حالياً. في الوقت الذي لم تعد فيه الحياة بداخل القطاع تتضمن المزيد من حظر التجول أو المواجهات، فإن الحصار وخطر التوغل المتكرر من قبل إسرائيل يمثلان عائقاً أمام جميع جوانب الحياة، كما أن الدمار المستشري نتيجة الصراعات السابقة يبدو واضحاً في كل مكان.

في عام 2014، أودت العمليات الإسرائيلية بحياة 2000 فلسطيني بالإضافة لتشريد 100 ألف شخص، وعلى الرغم من أنني رأيت بعض علامات إعادة الإعمار تسير العملية بخطى متثاقلة، حيث ترى بعض المناطق التي تم تنظيفها من الأنقاض، بالإضافة إلى مبان نصف مكتملة في المدينة وفي مخيمات اللاجئين المحيطة. وبعد مضي عام ونصف، أشارت تقديرات الأمم المتحدة الى أن 75 ألفاً من بين العدد المذكور مازال نازحاً.

يتم إدخال مواد البناء بصعوبة إلى عزة، كما أنها تخضع للمزيد من القيود مؤخراً بعد منع إسرائيل بعض الواردات مثل الأسمنت. على الرغم من أن هدف إسرائيل هو منع بناء الأنفاق بواسطة المجموعات المسلحة، إلا أن الأكثر عرضة للضرر هم سكان غزة، الذين يعيش قرابة الربع منهم على أنقاض منازلهم المهدمة، وهم أكثر من يعانون.

بالنسبة للنساء المصابات بسرطان الثدي في عزة، تؤثر حالة الانغلاق التي تفرضها مصر وإسرائيل على القطاع على جميع مراحل التشخيص والعلاج. كما أخبرني الأطباء في العيادات والمستشفيات بأنه من الصعب توفير الأدوية الحيوية بما فيها أدوية العلاج الكيميائي، في الوقت الذي عانى فيه بعض المرضى من انقطاع علاجهم الكيميائي بعد بدايته بسبب عدم توافر المواد والأدوية، أو حتى لعدم قدرتهم على إكمال دورة العلاج.

يمنع أيضاً دخول النظائر المشعة التي تستخدم في مسح العظام أو في التحاليل المخبرية للغدد الليمفاوية الإبطية من دخول غزة على الرغم من عدم وجود أي خطر بشأنها.

يمنع كذلك الجراحون في غزة من السفر للخارج لحضور المؤتمرات لتطوير مهاراتهم، وهو ما جمّد النشاط الجراحي ليصبح متأخراً بسنوات عن بقية العالم.

وأظهرت دراسة لكلية الطب بجامعة هارفارد الأميركية أن معدل البقاء على قيد الحياة الذي يبلغ 5 سنوات للمصابين بسرطان الثدي تتراوح نسبته من 30-40% في غزة، بالمقارنة بـ85% في إنكلترا.

العلاج الإشعاعي أيضاً غير متوافر على الإطلاق، لذلك يتوجب على المرضى الذين يرغبون في الحصول عليه التقدم بطلب لإسرائيل أولاً للسماح لهم بالسفر للعلاج في أحد مستشفيات القدس الشرقية. تستغرق عملية تقديم الطلبات وقتاً طويلاً، كما أنه يكون على المرضى تغطية نفقاتهم الشخصية من التنقل والإقامة.

طبقاً لمنظمة الصحة العالمية، ففي فبراير/شباط 2016، أكثر من 28% ممن تقدموا بطلبات للسماح بالانتقال للعلاج تم مقابلة طلباتهم بالرفض أو لم يتلقوا رداً على طلبهم. وفي الوقت الذي يعتبر العلاج الإشعاعي أمراً ضرورياً للحفاظ على بقاء الثدي، يؤدي هذا الأمر إلى أن أغلب من يصبن بسرطان الثدي يخضعن لاستئصال كامل للثدي وإزالة العقد الإبطية، وهو أمر أصبح لا لزوم له في دول كبريطانيا على سبيل المثال.

في إحدى مجموعات الدعم للمرضى في مخيم البريج للاجئين، سألت عمن تعرضن لاستئصال كامل للثدي، وكانت الإجابة أن الجميع قد تعرض لذلك بالفعل.

ويعاني أولئك النساء من صعوبات للحصول على الرعاية التي يحتاجون إليها في أصعب وأقسى اللحظات في حياتهن، قصصهن هي مجرد عدد قليل من بين عدد لا يحصى من سكان غزة الذي يعجزون عن إعادة بناء حياتهم بعد عدة جولات طاحنة من ذلك الصراع العنيف.

المجتمع الدولي بدأت تنصرف أنظاره عن غزة مع مرور عامين على العنف في 2014. قال لي أحد الزملاء السابقين في المستشفى الأهلي: "الجهات المانحة لا تساعد غزة مادام لا يوجد نزيف للدماء، كما لو كان علينا أن نموت ليساعدونا على العيش".

مما رأيته هنا، الحياة أصبحت خانقة وأكثر صعوبة مما كانت عليه منذ 25 عاماً. العام القادم سيشهد مرور 10 سنوات على الحصار و100 عام على وعد بلفور، الذي كان سبباً في قيام اليهود بتأسيس وطن لليهود في فلسطين. والآن، حان الوقت لبريطانيا أن تتحمل مسؤولياتها التاريخية وأن تفي بوعودها للفلسطينيين.

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه بمرور 4 سنوات أخرى فستصبح تلك الأراضي غير قابلة للسكن نتيجة لزيادة الضغط على مساحات الأرض، والغذاء وتوفير المياه، لذلك فحل هذه الأزمة الإنسانية يبدو أكثر إلحاحاً الآن أكثر من أي وقت مضى. تحاول فرنسا حالياً إطلاق مفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وهو ما يمثل حالياً أفضل آمال تحقيق السلام في المنطقة، في الوقت الذي يجب على بريطانيا أيضاً أن تلعب دوراً فعالاً في دعم هذا السلام.

* فيليبا ويتفرد طبيبة استشارية في الجراحة العامة وجراحة الثدي وسياسية اسكتلندية – عضوة في الحزب الوطني الاسكتلندي – بالإضافة لكونها عضوة برلمانية حالياً، والمتحدثة الصحية باسم الحزب في مجلس العموم البريطاني.

– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Guardian البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا.

تحميل المزيد