الحياة رقعة شطرنج!

كلّما كان الحُلم قويّاً اشتدّ الدفاع وازداد عُنفاً، وكان الهجوم مكبلّاً بقوّة المبدأ والحق والكفاح فلا يُبالي لأي شيء يعيقه أبداً، تكمُنُ قوّة الحلم والفكرة بجوهرها وانتماء من حولها لها فلا يهزها عبث العابثين ولا إحباط المحبطين وتمضي قويّة لتبلغَ ما تُريد.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/28 الساعة 02:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/28 الساعة 02:44 بتوقيت غرينتش

منذ أن بلغت من العمرُ ما يجعلني أُمَيّزُ خطواتي واحدّدُ تفكيري، علّمني أبّي لعبة الشطرنج، كان يتلذذ بخسارتي ثمّ يشفقّ عليّ فيجعلني انتصر لأغترّ قليلاً وأعيد الكرّة في اليوم المقبل.

إنّي ممتنّة لهُ أن علّمني اللعبّة بهذه الكيفيّة, فلُعبة الشطرنج علّمتني الكثير من الدروس .
تأملها لحظةً فأشعرتني، أنّ الحياة كما رقعة الشطرنج، وأنّ هناك انسجام عجيب بينهما، الحياة لعبةٌ أيضاً، لا تصدّقوا من يقولون أنّها شيء جاد ومليء بالحزم، لا تصدّقوهم، حاوِلوا أن تخلقوا يوماً مفهومكم الخاص عن الحياة، أنظروا لها ولو ليوم واحد، على أنّها [ لعبة ].
حبّي للشطرنج دفعني لأقرأ عنها، لألعبها بشغف، ولأسقط تحركّات الحياة على رقعتها.

أحبّ سريةَ التفكير فيها، وعمقَ الشعورِ بالنصر المُعلنِ بعنف والخيبة المخفية بصمت، تلهمني مهارة التخطيط للهجوم القادم واستخدام الخطط البديلة، والملهم أكثر مهارة [ التخمين ] بما يفكّر بهِ الخصم وما يخطط له وتخمين ردّات الفعل والهجمات المتوقعة.
يلهمني ما وراء النبرة الحادة أو ذبول الحاجب ضعفاً وخذلاناً، الدهشة، الانطلاقات، والانكسارات ….
أمّا الحياة؛ فهيَ حقّاً تُشبه الشطرنج !
أحدُ القطع الملهمة هو ( الجندي ) رغم صُغره، وضعفه، وتهميشنا لدوره، ورغم تضحيتنا به..فهوَ إن صمّم على بلوغ حافة العدوّ صار ( وزيــــراً )!.

هذه لفتة ملهمة فكذلك في الحياة، الكثير من النجاحات الصغيرة، الّتي لا ننظر لها بعين الاعتبار، ونُهملها فلا نرى إلى السقف العالي دون تأمل كيفيّة الصعود درجةً درجةً، خلوّ أحد اللاعبين من كلّ قطع الجنود لديه ضعف وتنبيه على اقتراب الخسارة، كذلك فإنّ عدم اهتمامنا بالإنجازات الصغيرة بالصعود درجة درجة فهو خطرٌ وضعفٌ داخليّ وهشاشة تملؤنا.

نمضي في الحياة، جنوداً وملوكاً..وزراء وقلاع..

نتقمّصُ دورَ الفيل لنتحايل عنِ الطريق المستقيم، فليسَ دائماً تتوجب علينا الرتابة نحتاج لجنون الفيل أحيانا وانزلاقاته لنبلغ ما نريد، وبالحصان لنقفز عن كلّ ما يعيقنا، فنصل لنقطة نريدها، إنّ أغلب تحركات الحصان على اللعبة تثير عنصر المفاجئة لدى الخصم، الحصان مهمٌ جداً، كبعضِ إنّه الوصفات السرية لنجاحك لا ينبغي على الجميع أن يعرفها، وكما قد تكون نقطة ضعف لديك انطلاقة لنجاحك، ونقطة قوّة داعمة له؛ كذلك الحصان .

أمّـا الملك!

الملك لا يخطو سوى خطوةً واحدة، إنّه لبّ اللعبة وسرّها الكبيــر، فرغم ثقله ورتابة حركته لكنّ كل ما يُعني الخصم محاصرته، والكل في الجهة المقابلة يُدافع ويضحّي ويكافح لأجله، الملك لا يدرك أنّه دون القطع الّتي حوله لا شيء، سوى ملاحقٌ حتّى يحاصر ويُهزم !
الملك في الحقيقة ضعيف، لأنّ قوته تكمُن بمن حوله وحبّهم له..

طوال اللعبة يخشى الملك كلمة [ كش ]! ليس قادراً حيالها على فعل أيّ شيء سوى خطوةً واحدة! والعجيبُ إن كانت تلك الخطوة أيضاً[ كش ]، في هذا الوقت ليسَ هناك سبيلٌ للنجاة سوى قطع الرقعة صاحبة نفس اللون أن تتكاتف لأجله، إن ضعفت القطع, فالهزيمة حليفةُ هذا الملكِ التعيس.

دعوني أهمسُ في آذانكم نصيحة: الحلمَ الكبير المقدسّ في حياتكم أسقِطوا عليه لقبَ الملك وكافحوا بكلّ ما لديكم لأجله، ليكن حلماً عظيــــماً يستحقّ التضحيات، وثابتٌ لا تزعزعه الهجمات فيتحرك حركةً واحدة أمام العبقاتِ ليتعلّم منها وتجعل منهُ أقوى، لا يكن الملك في حياتكم حُلماً ضعيفا فيُضعُف الدفاع وسرعان ما تُهزموا.

كلّما كان الحُلم قويّاً اشتدّ الدفاع وازداد عُنفاً، وكان الهجوم مكبلّاً بقوّة المبدأ والحق والكفاح فلا يُبالي لأي شيء يعيقه أبداً، تكمُنُ قوّة الحلم والفكرة بجوهرها وانتماء من حولها لها فلا يهزها عبث العابثين ولا إحباط المحبطين وتمضي قويّة لتبلغَ ما تُريد.

أمّا الحُلمُ الضعيف سرعان ما يخذلُه الدفاع، ويجعل منهُ الهجوم فريسةً سهلةً يتلذذ الخصم بدحضها.
تعلّمت من وحيِ الشطرنجِ شيئاً عجيباً، صرتُ في الآونة الأخيرة حين ألعب وأخوض بجولةٍ مع منافس قويّ وضعتُ في رأسي فكرةً أو حلماً ما، واسقط هذه الفكرةِ على الرُقعة وأخوضُ فيها!!

أفكِّر في كمّ انتمائي لها، ما سيفعُل بي فاشعر عند التعرض للهجوم بغصّة في جوفي، كلما كانت الغصّة مؤلمة، ادركتُ أنّ الفكرة تتعمقُ أكثر وأكثر، فأتمرّد على الرقعة لأدافع وأقلب حال الهجوم، فأهاجم بقوّة الفكرة و بمبادئها، أفكّر بمعيقاتها وكيف يمكن لي أن أتحدّاها، أتحايل، أخمّن، أتذاكى، أتمهّل بتفكيري وأتريّث قبل أداء أيّ خطوة واهتم بتفاصيل كلّ خطوة، حتّى يصبح جلّ تفكيري متركزاً على نجاح الفكرة وانتصارها في النهاية .
أمّا إن هُزمت، أدركتُ أنها تحتاج للمزيد من اليقين والعمل والتمكّن لكي تكون الفكرة الّتي تستحقّ أن تنتصر، وحينها أتعلّم أنّها فكرة لا تصلح لتمضي في الحياة طالما أنّها انكسرت في حلبةِ الشطرنج!

من الجميل أن نخوض الحياة كما نخوض اللعبة، والأجمل أن تكون هذه اللعبة هي رقعةُ الشطرنج..
هنا يكمن الذكاء في خوضِ الحياة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد