طريقك إلى مواقع المواعدة!

لا أقدر على إنكار أن ثمّة علاقات حقيقية تنعقدُ مبادئها في أفق النت، ثم تتطور لتنتقلَ من الأفق الافتراضي إلى الواقع، صحيح أنها تجارب قليلة وأن الناجح فيها في حكم النادر، لكنها حقيقية وليست زائفة، وأن الندرة فيها بسبب الإحجام غير المبرر في.

عربي بوست
تم النشر: 2016/04/01 الساعة 07:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/04/01 الساعة 07:20 بتوقيت غرينتش

للغربة وقعٌ كبير على الإنسان، سواء غربة لغايةٍ معينة أم غربة للغربة نفسها، وكم من غرباء في أوطانهم لكن هذا ليس موضوعي؛ فالغربة كما لها من الإيجابيات لها من السلبيات. غادرتُ البلد لفكرة التجربة ولأن طموحاتي كانت أكبر، وأنا الآن أحاول جاهدةً تحقيقهُ رغم حجم المعوقات؛ أولاً لكوني أنثى وثانياً لأن الحياة لا تعطينا ما أردنا وللقلوب الخربة غرضها في إفساد كل جميل.

كان لزاماً الابتعادُ عن العلاقات التي فرضت نفسها عليّ والبحث عن جديد، فكان أول قرار اتخذته هو مراجعة صديقتي الأسترالية بحكم أن كل لقاءاتي بها كانت تتلخّص في مغامراتها مع شباب تعرفت عليهم من مواقع مختلفة ولحاجتي للحديث بلغة غير العربية كنت أتقن الاستماع وكان يغمرني الفضول لمعرفة بقية القصص وبماذا انتهت.!

لامرأة تقليدية مثلي عاشت ضمن عائلة اشتراكية كصورةٍ للمجتمع لكن الحقيقة كانت عكس ذلكَ، كانت مواقع التعارف كمكان أخطر من الشارع مع علمي اليقين أن التلاقي بين أي رجلٍ وامرأة قد يحدث في أي مكان، وبغير ترتيب وقصدية مسبقة، في سوق أو مستشفى أو على ضفاف نهر أو مكتبة أو حتى في الحرمين، أو غير ذلك مما لا يمكن حصره.

وهذا التصادف الجغرافي وتفاعلاته التي قد تنتج عنه لا يختلفُ إلا شكلاً -لا مضموناً- عن التصادف الإلكتروني في الانترنت، فهو التقاءٌ بالنهاية لكنه مخيفٌ، فلكأنك من رمى نفسه وتساهل وتحول الى ما يشبه "الشارع" الذي يطرقه كل العابرين. قد لا تعرف ما مصيركَ لكن كنت على يقين أني سأكون أولى ضحاياه، وسيلقى الكثير من الصدمات والخذلان والخيبة.

لكنني لا أتجاسرُ على التعميم، ولا أقدر على إنكار أن ثمّة علاقات حقيقية تنعقدُ مبادئها في أفق الانترنت، ثم تتطور لتنتقلَ من الأفق الافتراضي إلى الواقع، صحيح أنها تجارب قليلة وأن الناجح فيها في حكم النادر، لكنها حقيقية وليست زائفة، وأن الندرة فيها بسبب الإحجام غير المبرر في.

بدأت قصص "آمبر" ثتير الفضول وكنتُ كلما زدتُ استماعاً كلما تعطشتُ للزيادة، شرعت "آمبر" منذ وصولها الى تركيا في البحث عن أفضل وسيلة تعارف موجودة في العالم فكشفت عن موقعين "أوكيكوبيد" و" تاندر" وهما عالمان غريبان -تكون مصداقيتهما في الدول الغربية وليس في دول العالم العربي ولا حتى في تركيا بعض الأحيان- تستطيع من خلالهما رؤية كل الأنواع والعينات، أناس أخلصوا لهذا الموقع والغرض -غالباً- الإيقاع بأي فتاة ومواعدتها بلقاء أو لقائين.

في سردهاَ وجدت أن موقع "أوكيكوبيد " الأكثر جدية وخصوصية إذ إنكَ تضيف المعلومات التي تريدها، تختار الشخصية التي توافق شخصيتكَ وكلما أضفت معلومة عنكَ تضاعفت الرسائل فتعتقد أنك خضت لجةّ الإعجاب من الرسائل، وأنت لم تبرح الشاطئ بعد؛ أعني الشاطئ الذي يتجمهر فيه كل عشّاق البحر، ليتفرجوا قليلاً أو كثيراً، فإن غابت الشمس أخذوا أنفسهم ومضوا كلٌ في حال سبيله، أي إنهم لم يبحروا فيه إلا بعيونهم فقط، مع أنهم يحبونه.

اكتشفت بعد فترة تطول أو تقصرُ أن المواقع عموماً تحوي على ثلاتة أصناف:
من يحتاج فقط للحديثِ مع امرأة وقضاء وقت معها خاصةً إن كانت من جنسية أخرى، وهم ما بين 28 إلى 35 سنة، وجدتُ أن الحديث مع هؤلاء متعة لا توصف فهم أناس مثقفون ولهم آداب للحديث يفقهون فيهِ الكثير، كما أن صداقتها معهم مازالت متواصلة لحد الساعة، تجد خبراتهم في الحياة كفيلة بأن تغير نظرتها القاصرة عن الأمور.

والصنفُ الثاني: وهو الجدي والخائف، لا يعرف ما الذي يريده من الموقع وفي نفس الوقت فهو يخوض لعبة الغزل المتواصل الذي يعرف بنفسه أنه لن يؤدي به الى أي مكان، ربما قد يفيد أحداً إن لم يكن نادراً لكن أعتقد أن الغالبية منا يتفادون المغازل أي زير النساء، فحتى لقاؤك به قد لا يعدو أن يكون تعارفاً عابراً، بحيث لا يعلق في النفوس منه شيءٌ ذو بال.

أما الصنف الثالث وهو الخطير: أناس في أفواههم طعم العطش، وقد تحسبُ أن أجوافهم متصحّرة، مع أنهم طالما تحدثوا عن الارتواء والأنداء كثيراً، إلا أنك تجدُ شفاههم صخرية جافّة، بدوا فقراء معدمين يتظاهرون بالاستغناء، كالحالم الذي يمتّع نفسَه ويمنّيها بالأماني الكواذب، والتي يدري أنها لا شيءَ، ولا جرم، فقط لغرضٍ في نفس يعقوب والإشارة تكفي الأذكياء.

خلصت "آمبر" بعد مجموعة من المحاولات أنك إن كنت طبيعية في حياتك العادية فعليكِ أن تكوني أنثى في الحياة الأخرى ومن الذكاء أن تتظاهري بالرزانة والهدوء، حتى وإن لم تكن عادتك، ولا تبالغٍي في غض البصر عن الرجل، بل عليكِ أن تظهري أنكِ -أيضاً- تريدين أن تتفحّصيه، ففي هذا ما سيُشعره بذاتيتكِ وشخصيتكِ المستقلة وأن لك قراراً أنتِ من سيتخذه، وهذ الانطباع له ما بعده، وأظنك ستجدين أن ثمّة وسطاً خيّراً بين تطرّفين: المبالغة في الخجل وكأنك أمامَه دابة ترتعد تكاد روحها من فرط الخوف أن تزهق وَبين أن تبدي جرأةً لا يحبذها الرجال في الفتاة عادةً، فتسقطين التكلف وكأنك تجالسينه للمرة الألف.!

أخيراً وليس آخراً، كلّ له غاياته الخاصة في الدخول لمثل هذه المواقع، من يملكُ وقتاً وصبراً فليفعل، لكن قبلها ليعطي نفسه فرصةً لحبّ نفسه والتعايش مع حياته والرضا عنها مع أنني أستبعدُ دوام رضى الإنسان مهما بذل وكافح وحقّقَ، لكنني أرى أن "تطلّب الرضى" هو الطريق الوحيد لنرتقي ونحسّن من وضعيتنَا وحواراتنا التي نحن من يحددها، وهذا التحسين والتطوير متدرج بطبيعتهِ، والذي يجعلنا نترقّى في مدارجِهِ هو شعورنا بعدم الاكتفاء بما أنجزنا مما يحملنا على تجاوزه بمضاعفة الجهد وترتيبه أكثر، ويأتينا الإحباط إن شعرنا بأنَّنا للحظة أبطأ من تسارع الخطى المطلوب لتخطّي الراهن إلى المأمول ولنتذكر دائماً أن " الأفضل دائماً، لمنْ يحسن الانتظار !"

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد