أنت الآن في آخر يوم عمل في الأسبوع، مؤشر درجة الحرارة في سيارتك يشير أنها تخطت الـ 30 وسط اكتظاظ مروري حاد. تحاول أن تسلك إحدى الطرق المختصرة لينتهي بك الأمر في شارع لا تعلم كيف ستخرج منه.
تخرج هاتفك الجوال للحظة لتنظر في الخرائط، لكنك لا تنتبه إلى السيارة التي توقفت أمامك تواً.. ثم.. اصطدام!!
قد تشعر أن هذا السيناريو مبالغ فيه قليلاً، لكن ما تحتاج أن تعلمه حقاً هو أن أخطاء السائقين الفردية بسبب نقص الانتباه بالإضافة إلى عدة أسباب أخرى هي سبب أكثر من 90% من حوادث العالم. بل وأضف إلى ذلك الآن الهواتف المحمولة ومشغلات الموسيقى، ليتضاعف ذلك الرقم عدة مرات.
هل تعيد حساباتك الآن؟
هل ستثق في آلة تقود سيارتك بينما أنت مسترخِ تطالع كتاب أو ترد على رسالة نصية أو حتى تأخذ قيلولة قصيرة حتى تصل إلى عملك؟
لتجيب عن هذا السؤال، إليك بعض المعلومات التي لا بد أن تعرفها عن السيارات ذاتية القيادة قبل أن تقرر:
السيارة ذاتية التحكم (دون سائق) تعتمد على نظام روبوتي متقدم يستطيع استشعار البيئة المحيطة به واتخاذ قرارات بناء على تلك البيانات التي جمعها دون الحاجة إلى أي أوامر بشرية.
تلك المركبات تستخدم أنظمة متعددة في آن معاً، فتقوم باستخدام الرادار ونظام تحديد المواقع GPS للكشف عن موقع السيارة والمناطق المحيطة بها، وتستعين بنظام رؤية حاسوبي لقراءة وتحليل البيانات من حولها.
النظام المتقدم والمعقد يهدف إلى شيئين أساسيين؛ الأول تحديد المسار الذي ستتحرك فيه السيارة، بمعنى الشوارع التي ستسلكها للوصول إلى وجهتها.
أما الثاني فهو أن تبدأ السيارة بقراءة الطريق الذي تسير به، كوجود عقبة ما أمامها، أو إشارة حمراء، أو حتى لافتات المرور، بل أنه ومؤخراً طور معهد MIT نظاماً جديداً سيكون قادراً على قراءة تدفق المرور نفسه، أي دراسة السيارات والتمييز بينها لتحدد السيارة مثلاً ما إذا كان مناسباً زيادة السرعة للحاق الإشارة وهي صفراء، أم أن عليها التوقف!
قد تتعجب عندما تعلم أن الهوس باختراع سيارة تقود نفسها دون الحاجة إلى سائق، يعود إلى ثلاثينات القرن الماضي، حينما قامت شركة جينيرال موتورز برعاية دراسة تهدف إلى ابتكار سيارة كهربائية يتم التحكم بها لاسلكياً عن طريق حقول كهرومغناطيسية موجودة على الطرق السريعة بفعل دوائر مثبتة عليها. بل وأشارت الدراسة أن السيارة ستسير بسرعات خيالية قد تصل إلى 1500 ميل/ساعة.
النظرية كانت صحيحة بالفعل، بل ونجحت السيارة في تجربة مبدأية أقيمت في الولايات المتحدة في العام 1964، لكنها سارت على سرعة 140 ميلاً في الساعة فقط ولم يحدث لها أي انحرافات تحت أي ظروف جوية.
ولكن بالطبع لأن تكلفة مشروع مثل هذا كانت ستكون خيالية، نظراً للتعديلات التي ستحدث على الطرق السريعة، وشبه استحالة تنفيذها في ضواحي المدن، واتجاه العالم المحموم ذلك الوقت لتطوير سيارات تسير بالوقود الأحفوري، فإن تلك الدراسة لم تصمد وتوقفت في العام 1980.
استمرت عدة مشاريع في الظهور لسيارات قادرة على التحكم في نفسها خلال التسعينات وأوائل القرن الحالي، لكن القفزة الحقيقية حدثت في العام 2005، حينما استطاعت 5 سيارات بلا سائق إكمال السباق الذي أعلنته وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية "داربا"، وكانت المرة الأولى على الإطلاق لسيارة ذاتية التحكم للفوز بهذا السباق.
جوجل بدورها لم تنتظر كثيراً، فقامت بتعيين المشروعين الفائزين الأول والثاني وكلفتهم بمشروع إنتاج سيارة جوجل بلا سائق، ليس على المضمار هذه المرة، لكن في ضواحي المدن!
تلى ذلك السباق عدة اختراعات أخرى، كانتاج أول سيارة آودي Audi قادرة على ركن نفسها في مواقف السيارات دون الحاجة إلى سائق، لتصبح بعدها تلك التقنية صيحةً في عالم السيارات ذاتية القيادة، ويتبعها في ذلك جينيرال موتورز، ثم تقريباً كل السيارات الفارهة.
في خلال تلك الفترة أيضاً، ظهرت العديد من المشاريع لسيارات ذاتية القيادة في ألمانيا وفرنسا، لكن لم يسفر أي من تلك المشاريع بالبدء في إنتاج سيارة بلا سائق آمنة تماماً.
في العام 2012، نجحت جوجل في أول الاختبارات لسيارتها الذكية، في مضمار بلغ طوله 22 كيلومتراً دون أي أخطاء.
وعلى الرغم من أن السيارة لم تختبر في ذلك الوقت في مناطق حيوية كالشوارع المجاورة للمدارس او المستشفيات، إلا أن هذا النجاح كان دفعة قوية لجوجل لاستكمال مشروعها.
تلا ذلك إعلان العديد من شركات السيارات تطوير سياراتهم ذاتية القيادة، كإعلان نيسان عن تطوير سيارة ستكون متاحةً للبيع في الأسواق بحلول العام 2020، وإعلان جنرال موتورز هي الأخرى عن سيارتها الذكية التي تطورها، لتقوم مرسيدس بدورها في إطلاق أول سيارة فارهة لها من نوع S في العام 2014، والتي أتت مزودة بكاميرات تعطي صورة بانوراما حول السيارة، وتوفر ميزات مثل المحافظة على خط السير، وتثبيت السرعة، وفرامل الطوارئ، وتجنب الحوادث في حالة أن السائق مرهق. ولكننا لا نستطيع وصف هذه السيارة بالذكية تماماً، حيث أنها تتطلب أن تكون يدي السائق على المقود.
وفي نفس العام، ظهرت أول مركبة بلا سائق على الإطلاق لتصبح متاحةً للتداول في فرنسا، "مركبة نافيا" والتي على الرغم من أنها تسير بسرعة منخفضة نسبيا (20 كيلومتراً في الساعة)، إلا أنها أثبتت أنها قادرة على السير بشكل آمن تماماً وسط الشوارع دون أي أخطاء تذكر تقريباً.
لاحقاً في مايو/أيار 2014، أعلنت جوجل إطلاق 100 نموذج لسيارتها ذاتية القيادة للبدء في فحص وتحليل إمكانية طرحها في الأسواق، بينما أعلن الون ماسك الشهير صاحب شركة تيسلا عن سيارته تيسلا اس الكهربائية الذكية ذاتية القيادة، والتي تستطيع فعل كل شيء وحدها، لكن لم يعلنها ماسك ذاتية القيادة تماماً، ما يجعل من وجود سائق فيها أمراً ضرورياً.
وفي العام 2015، أعلنت جوجل ان سياراتها الذكية استطاعت قطع حوالي 2 مليون ميلاً دون الحاجة إلى سائق، مع 14 حادث صغير فقط، بينما كانت الحوادث الأخرى بسبب عدم انتباه السائقين المحيطين وتسببهم هم بالحوادث، سببٌ آخر يجعلهم يكملون ما بدؤوه كما يقول كريس اورمسون مدير مشروع السيارة ذاتية القيادة في جوجل.
الولايات المختلفة في الولايات المتحدة الأميركية بدأت في سن قوانين تسمحح للسيارات ذاتية القيادة بالسير في شوارعها، مع توقعات بإطلاق جوجل سيارتها الذكية في الأسواق العالمية في القريب العاجل، وأن تطلق تيسلا أيضاً سيارتها اس الجديدة في نهاية العام الحالي التي ستكون قادراً على النوم فيها أثناء ذهابك إلى عملك كما يقول ماسك.
تلك الصيحة الجديدة بدأت تتعرض لهجوم من مختلف المستفيدين من السيارات التقليدية، أهمهم كان مؤخراً هجوم شركات التأمين على ذلك المشروع وتصريحهم بأن سيارات ذاتية القيادة ستؤثر على شريحة ضخمة للغاية من نطاق أعمالهم.
أيضاً شركات البترول العملاقة من المتوقع أن تتضرر للغاية في حال انتشار مثل تلك السيارات والتي يميل أغلبها أن يصبح كهربائياً.
بعض مصنعي السيارات بدأوا في إطلاق حملة للتمييز بين السيارات ذاتية القيادة، كسيارة تيسلا مثلاً، والسيارات بلا سائق والتى لا يوجد فيها مقود من الأساس كسيارة جوجل.
مرسيدس أعلنت عن تطوير سيارة جديدة ستكون قادراً على عمل اجتماعاتك فيها دون النظر إلى الطريق أصلاً، السيارة شديدة الفخامة F015 تضيف الرفاهية إلى التكنولوجيا التي أصبحت في رأي مرسيدس "تكنولوجيا تقليدية لا تثير الدهشة بعد الآن"!