تنتشر محلات مواد التجميل وباعتها غير النظاميين عبر أزقة وشوارع المدن الكبرى في الجزائر، إذ يمتهن المئات من الشباب تجارة هذه المواد، غير آبهين بمصدرها ومحتوياتها ولا أضرارها على صحة من يستعملها.
وتُقبل الجزائريات كثيراً على اقتناء تلك المواد من بائعيها غير المصرح لهم، رغم أن الكثير من الكريمات والمرطبات ومنتجات التزيين المعروضة للبيع ماركات مقلدة لا ضمانات على سلامتها الطبية.
ويدق أطباء ومتابعون ناقوس الخطر؛ كون تلك المواد المعروضة للبيع تحمل بداخلها محتويات كيميائية سامة فد تؤدي إلى الإجهاض أو الإصابة بسرطان الجلد، في ظل انعدام وصفات دقيقة على العلب تعطي تفاصيل المحتويات.
ظاهرها تجميل وباطنها سموم قاتلة
ويؤكد مصطفى زيدي، رئيس جمعية حماية المستهلك في الجزائر لـ"عربي بوست"، أن مواد التجميل المعروضة للبيع في أماكن عديدة "لا رقيب عليها ولا حسيب لمسوقيها، فهي تحمل كل أنواع الأخطار، باعتبارها ترتبط أساساً بأعضاء حساسة كالبشرة والعين".
وأفاد مصطفى بوجود المئات من الماركات المسوّقة في الجزائر – التي اطلعت جمعيته على البعض منها – تحمل أخطاراً كيميائية "تسوّق بطريقة غير مدروسة، في ظل تحاشي بعض المصنعين والمسوّقين لعملية تسجيل ماركاتهم بالديوان الوطني لحقوق المصنع".
ويقول لهلالي موفق، طبيب مقيم بالمؤسسة الاستشفائية محمد الأمين دباغين بباب الواد بالعاصمة، لـ"عربي بوست"، إن مواد التجميل المغشوشة والموازية تحمل موادّ كيميائية خطيرة، تكون سبباً في العديد من الأمراض كالحساسية المفرطة والالتهابات وكذلك الأمراض الخبيثة كالسرطان.
حناء حارقة وملون لالتهاب العينين
يقول رئيس جمعية حماية المستهلك، مصطفى زيدي، إن جمعيته "وقفت عند حالات جد خطيرة بسبب الاستعمال العشوائي لمواد التجميل".
وسجلت الجمعية في يناير/كانون الثاني 2016 تعرُّض فتاتين لحروق من الدرجة الأولى بسبب استعمال حناء قادمة من الصين، وتُباع على أنها حناء طبيعية، بينما هي في الأصل مصنعة من مواد كيميائية تسبب التهابات وحروقاً خطيرة، "وقد أدت إلى نقل الفتاتين إلى المستشفى لتلقي العلاج تحت العناية الدقيقة".
كما سجلت الجمعية أيضاً التهاباً خطيراً لعين امرأة وجفنها، وقد تم نقلها إلى المستشفى على إثر ذلك، "بسبب استعمالها ملوّن عين مقلداً، ومصنوعاً من مواد غير مطابقة للبشرة، خاصة على مستوى المنطقة الحساسة القريبة من العين".
وتعتبر هذه الحالات – حسب زيدي – "عينة بسيطة من العاصمة الجزائر فقط، وهناك حوادث مشابهة لها العديد من الولايات (المحافظات) الأخرى، تتطلب التحرك العاجل للسلطات المعنية".
حتى الإجهاض
يشير الدكتور لهلالي إلى أن تأثير مواد التجميل المغشوشة والمقلدة المنتشرة في الجزائر لا يقف عند التأثيرات السابقة فقط، بل يمتد الأمر أحياناً إلى التسبب في الإجهاض للنساء الحوامل، بسبب المواد الكيميائية المستعملة في صنعها.
وهناك – حسب الدكتور لهلالي – "نساء حوامل يستخدمن مواد تجميل بعد شرائها من الشارع دون العلم بتأثيراتها الجانبية على الحمل والجنين، ويتسبب ذلك بعض الأحيان في سقوط الجنين، خصوصاً في الأشهر الثلاثة الأولى".
ويؤكد أن من بين تلك المواد أيضاً "ما يسبب بعض السرطانات، لاسيما على مستوى الجلد".
أنقذونا!
تصف نصيرة قارص، رئيسة مكتب جهوي لاتحاد النساء الجزائريات، في تصريح لـ"عربي بوست"، الاستعمال الواسع لمواد التجميل المقلدة بـ"الكارثة" التي تهدد الجنس اللطيف في الجزائر.
وطالبت قارص الجهات المسؤولة بـ"التحرك الجاد لمراقبة ما يتم تسويقه من منتجات موجهة للمرأة على أساس أنها مواد تجميل، وهي في الواقع مواد تخريب البشرة وبث مختلف الأمراض".
الكل يدري ولكن؟
وقال مصدر برتبة رائد من المديرية العامة للجمارك الجزائرية – رفض ذكر اسمه – إن عملية المراقبة السنوية للجمارك "كشفت أن مواد التجميل تأتي على رأس المنتجات المقلدة التي يحاول المستوردون إدخالها، ففي عام 2015 قُدّرت نسبة هذه المحجوزات بـ39%، تضاف إلى مواد التنظيف والتزيين ولعب الأطفال، وكذا الهواتف النقالة المقلدة".
ويُرجع ذات المصدر وجود مواد التجميل المقلدة وغير الآمنة في الجزائر إلى "انتشار بعض الورش المصنعة محلياً لمواد تجميل تحمل ماركات عالمية"، وذكر في هذا الصدد أن مديريتي الجمارك بكل من سطيف ووهران غربي البلاد "قامتا بتفكيك ورشتين سريتين لإنتاج غسول ومزيل شعر مقلدين خلال يناير/كانون الثاني 2016".
وتساءل مصطفى زيدي، رئيس جمعية حماية المستهلك الجزائرية، عن سبب "بقاء الشركات العالمية المتخصصة في تصنيع مواد التجميل في دور المتفرج، رغم أن ماركاتها باتت تباع بشكل وبمحتوى مختلفين تماماً".
وتخضع السلع الوافدة إلى الجزائر "إلى إجراءات صارمة" – حسب رائد المديرية العامة للجمارك – "للحفاظ على صحة المستهلك بالدرجة الأولى، وكذا سمعة الوطن على جميع الأصعدة، وكل القوانين يتم العمل بها من طرف الأعوان، رفضاً لأي إجراء مخلّ بالتعاملات التجارية، لاسيما تلك التي لها علاقة بصحة المواطن".
ويضيف أن جزءاً من تلك المواد أيضاً "يأتي بطرق غير قانونية من بعض دول جنوب شرق آسيا".
الأوضاع المادية للنساء
نصيرة قارص بدورها أكدت أن أغلب النساء الجزائريات يعلمن أن المواد المعروضة للبيع في الشارع مقلدة، "لكن الأوضاع المادية تجعلهن يستعملن المقلد دون الأصلي"، على حد قولها.
وفي هذا الشأن تؤكد أنها زارت أحد الأسواق الشعبية "فوجدت مثلاً أحمر الشفاه يُباع بـ200 دينار جزائري لـ4 وحدات كاملة، وفي المقابل فالوحدة الأصلية الواحدة في المحلات المعروفة تباع بما يزيد على 150 ديناراً".
وبين كل هذا وذاك يبقى المطلب الأول هو التحرك لمراقبة ما يدخل ويسوّق داخل الجزائر من منتجات مقلدة، خاصة تلك المرتبطة أساساً بصحة الإنسان، التي تعتبر مواد التجميل في مقدمتها.