بين الأصالة والمعاصرة، يقدم سوق "واقف" في العاصمة القطرية الدوحة مشهداً مصغراً عن نهضة الدولة الحديثة، في ظل حرصها على الحفاظ على تراثها العربي.
وبعد خضوعه لعملية تحديث شاملة، يجمع سوق "واقف" بين جنباته اليوم العديد من المطاعم الحديثة إلى جانب محلات الخزف والآرابيسك، ومنتجات الحرف اليدوية وغيرها من المتاجر التي تضفي نكهة عربية خالصة.
أطلق عليه القطريون هذا الاسم لأن باعته كانوا يصطفون واقفين على جوانب أزقته في الماضي، أما اليوم فتستقبلك أفواج من الحمام التي اتخذت منه موطناً لها.
ويتميز السوق بتنوعه الثقافي نهاراً وحياته الليلية الصاخبة ليلاً على وقع الموسيقى والرقص والمرح.
فقطر، كمعظم دول الخليج، تستقبل عدداً كبيراً من جنسيات العالم، خصوصاً بعد نهضتها العمرانية والاقتصادية في العقدين الماضيين لتقدم نموذجاً للتعايش.
وبالعودة إلى سوق "واقف"، فتنتشر على جوانبه المطاعم الإيطالية والتركية والمصرية والقطرية والسعودية والهندية. ولعل أشهر الوجهات عربة الشيف أحمد الشيخ، شيف الكشري المصري، الذي يقف على عربته التقليدية أمام مطعم "ليالي الحلمية". وإلى جاب مذاق الشطة والدقّة المميزة، يحسن الشيف استضافة زبائنه.
يبدأ العمل على عربة الكشري التقليدية من الساعة الثالثة عصراً عندما يخرج الناس من أعمالهم ويتجمّع الأصدقاء في السوق، علماً ان أغلب زبائنه من المصريين المقيمين.
ليس وجهة للتسوق فحسب!
قد تظن للوهلة الأولى أن سوق "واقف" مكان للتسوق فقط، بينما هو أكبر من مجرد مكان تقليدي، حيث تحتار فيه بين المسارح والعروض الفنية والمطاعم والمقاهي وسوق الذهب ومركز الحرف اليدوية والفنون وغيرها.
بدأت جولة "عربي بوست" في مركز سوق "واقف" للفنون القطرية، حيث التقينا الفنان التشكيلي القطري فيصل مرزوق العبد الله، نائب مدير المركز الذي أوضح دور المركز في إحياء التراث القطري وإبراز الفنانين الموهوبين من القطريين والمقيمين على حد سواء، مشيراً إلى دعم الدولة لكل ما يتعلق بإحياء التراث والحفاظ عليه.
أما مركز الحرف فله حكاية أخرى، إذ يعمل هنا عشرات الفنانين الموهوبين من أصقاع الأرض المختلفة، ورغم تنوّع جنسيات هؤلاء الفنانين بين القطري واليمني والمصري والهندي، تجمعهم روحهم الفنية في هذا المركز الفني الفريد.
مركز للمهن العربية التقليدية
وبعد انتقال الزجاج المعشّق والفسيفساء وفن الزجاج الملوّن من مصر الفرعونية والمملوكية إلى بلاد الشام والعراق واليمن والخليج العربي، بات يستخدم حصراً في صناعة الأباجورات للإضاءة والديكور، وفق ما أوضح الفنان اليمني محمد العميسي، الذي ورث مهنته عن أبيه منذ كان في الصف الثالث الابتدائي.
أما أخوه يحيى العميسي فيوضح أنه جاء إلى قطر منذ ثلاث سنوات وتعلّم هنا فن التصنيع بخوص النخيل، إذ يصنع السُفر التي تستخدم لوضع الطعام عليها، والزبلان التي توضع فيها الفواكه، والمهفة الملوية التي توضع فيها المكسرات، والعرائس والدمى على أشكال مختلفة، والتي تستخدم في تزيين المنازل.
أما عبدالله الحيدر، قطري الجنسية، فتحدث عن صناعة أدوات الصيد القديمة التي يعمل بها منذ سنوات، مؤكداً عدم قدرة الحرفي على الاستمرار في عمله دون دعم يصفي ذهنه.
ويقول الحيدر إن الشتاء هو موسم أدوات الصيد القديمة، فبعد الأمطار تحضر أنواع كثيرة من الطيور المهاجرة، ويتهيّأ الجو للرحلات البرية في الصحراء والتخييم، فيتوافد على المحلات القطريون وغير القطريين من هواة الصيد بالأدوات التقليدية.
ويضيف "لا تستخدم كل الأدوات للصيد فبعضها يستخدم للزينة، مثل الأفخاخ كبيرة الحجم ونماذج سفن الصيد القديمة".
وعن المنسوجات وصناعتها باستخدام النول، حدّثنا باسم فضل المنصوري، يمني الجنسية، قائلاً إنها فن ممتع لصاحبه، وإن المنتجات تتنوع على حسب الطلب بين ملابس نسائية أو تزيين أو تطريز أو سجاد أو أعلام وشعارات.
وفي محلٍ للسيوف، تعرّفنا على بيلو الهندي من مدينة كيرلا، الذي أكد أن كل هذه السيوف تصنّع في الصين، وتأتي إلى هنا جاهزة، وأن مهمتهم هنا تقوم على تزيين وتطريز قبضات السيوف وأغمادها بما يتناسب والذوق المحلي.