لا أحب المطارات، وأقول دائماً ليتها كانت للقاء فقط! لكن المطار هو البوابة إلى أي بلد يممنا وجهنا نحوه. هو العنوان الأول الذي نقصده والمكان الأول الذي يولد انطباعاتنا البكر حول القادم من الأمكنة، وقد يعطينا في الغالب فكرة عن وجهتنا وعما ينتظرنا فيها.. فإذا كان المطار جيداً وكانت كافة الخدمات متوافرة فيه وعلى مستوى عالٍ، نتوقع أن ينسحب الأمر نفسه على جميع الخدمات والأماكن في عموم البلد الذي نقصده، وإذا كانت خدماته سيئة أو ضعيفة، نتوقع بأن الأمر حتماً يشمل باقي الخدمات ومناحي الحياة في البلد.
لكن هناك مطارات تصيبك بالحيرة، فلا هي على مستوى جيد من الخدمات المقدمة، ولا هي ذات مستوى سيئ، ما تمنحك إياه هو الشعور المتوجس، الحذر حيال ما سيأتي، ومطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء واحد من هذه المطارات، كما وصفته لي ذات مرة صديقة فرنسية، كانت في زيارتها الأولى للمغرب.
عند مغادرته قالت لي مجدداً: "مطاركم شبيه بكثير من الخدمات في بلدكم الرائع، ليس سيئاً كثيراً لكنه ليس جيداً كما يجب!"، والحقيقة أن المطار الأول في بلدنا، وفق أعداد المسافرين عبره والرحلات اليومية الوطنية والدولية منه وإليه، يجب فعلاً أن يكون أفضل مما هو عليه الآن، سواء على مستوى ما يوفره من خدمات للمسافرين أو على مستوى البنية التحتية والتجهيزات التي يمكن أن تساعد على الرفع من جودة هذه الخدمات، وبرأيي أن اللون الرمادي الكئيب الذي يسيطر على ردهات المطار ليس اللون المثالي لنستقبل شخصاً ولا لنودع آخر، خصوصاً في بلد يعج بالألوان المتقدة كما الحياة في قلوب أهله.
كان ليكون من الجيد توفير كراسي مريحة يستريح عليها الذاهبون والقادمون ومن يرافقهم من الأهل والأصدقاء، ولا بأس إذا كان بعضها قابلاً للتمدد، حتى يستعين بها من كانت رحلته ليلية كما هو موجود في كل المطارات التي تهتم براحة الوافدين عليها، بدل أن يضطر عدد كبير من المسافرين إلى الاستعاضة بالمسجد الصغير الذي يكاد يتحول إلى غرفة نوم جماعية.
أيضاً، البلدان التي تفكر في راحة أهلها وزوارها تخصص حتى في مطاراتها مكاناً للعب الأطفال وفسحة لبعض الخضرة وتنشق الهواء، أضف إلى ذلك خيارات المطاعم، وهو الأمر المحدود جداً في مطار محمد الخامس الدولي، ناهيك عن ارتفاع أسعار المعروض المقتر من الطعام. والعتب هنا على قدر المحبة وعلى قدر ما أريد لجمال المغرب وغناه أن يتبدى منذ الانطباعات الأولى.
في باريس، قرب من البوابة رقم M29 بمطار شارل ديغول (الغول تعود على المطار وليس شارل) ، جلست أنتظر موعد الرحلة المتوجهة إلى واشنطن، كنت بحاجة إلى شحن هاتفي، وللأمانة لم أجد صعوبة في العثور على مكان للشحن، ففي جوانب جميع الكراسي المريحة والمتناثرة بأناقة فرنسية يوجد مكان للشحن.
منظر باريس أو ما يظهر منها خلف النوافذ الزجاجية يشعر بالارتياح أيضاً قبل رحلة ستدوم ساعات طويلة. خصوصاً تلك الأشجار التي تودع تشرين الأول وهي في كامل اخضرارها!
مطار شارل ديغول واحد من أكبر المطارات في العالم، إن لم يكن الأكبر على الإطلاق. ولكي يتنقل الزائر عبر بواباته، هناك قطارات خاصة بالمطار، مع توفر عدد كبير من المرشدين والمرشدات في كل مكان وعلى أتم الاستعداد للتوجيه والإرشاد.
من صمم ديكور المطار لابد أنه تعمد إبراز إشراقات الألوان به، حتى يكون لها وقع إيجابي على نفوس مودعة أو مفارقة أو عابرة! والحديث عن المطارات يذكرني بدونالد ترامب، المرشح الرئاسي في أمريكا، تابعته مؤخراً وهو يشن هجوماً لاذعاً على مطارات بلاده، غير مصدق أن مطارات دول الخليج أصبحت أفضل منها، وظننت حينها أن الرجل قد يكون محقاً في غضبه، لكن المطارات الأمريكية لا تستدعي ذلك.
في مطار دالس الضخم بضواحي واشنطن دي سي، يتنقل الركاب وينهون إجراءات الركوب بسرعة، يعثرون على أمتعتهم بسرعة، ويجدون سيارة أجرة في انتظارهم بسرعة أيضاً وبدون تسعيرة إضافية، مع ملاحظة التشديد الأمني الذي يشمل كل شيء، وهذا أمر سيكتشف الزائر لاحقاً أنه يشمل عموم البلاد وليس مطاراتها فقط.
بولاية كارولينا الشمالية يوجد مطار رالي دورهام، الذي يحيط به بناء ضخم ذو طوابق عدة خاصة بركن السيارات، وأعتقد حسب ما شاهدته أن هذا المطار الداخلي أكبر من مطارنا الدولي الأول مساحة وأكثر تطوراً أيضاً، من حيث التجهيزات والمعدات والخدمات. والهاجس الأمني كان حاضراً هناك أيضاً، حتى أن كل المسافرين ودون استثناء عليهم خلع أحذيتهم قبل المرور عبر آلة خاصة من أجل المراقبة، وهو الأمر الذي لا مفر منه سواء كان المسافر أمريكياً أو أجنبياً.
ولأن المطارات ذكريات أيضاً، فقد التقطت رفقة مجموعة من الأصدقاء المستغربين مثلي صورة جماعية تظهر فيها جواربنا الملونة للذكرى، قبل أن ننتعل أحذيتنا مجدداً ونمضي إلى الطائرة التي ستقلنا إلى مطار آخر.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.