40 ألف إعجاب، و15 ألف مشاركة، كان هذا نصيب فيديو نشره الداعية الإسلامي المصري عمرو خالد عبر حسابه على فيسبوك، تحت عنوان "كلمة لكل بنت تفكر في خلع الحجاب".
تخيلي يوم القيامة جبل من الحسنات يهبه الله لكِ.. نظير كل لحظة ترتدين فيها الحجاب
Posted by Amr Khaled on Wednesday, January 29, 2014
لكن على أرض الواقع، يبدو أن الداعية الذي ينتمي لفئة "الدعاة الجدد"، والذي يعتبره البعض أحد الأسباب الرئيسية لانتشار الحجاب مع بداية الألفية الثالثة في مصر والعالم العربي، بدأ يرى بداية انحسار دعوته الآن، حيث قامت العديد من الفتيات مؤخراً بخلع الحجاب وخصوصاً بعد ثورة "25 يناير"، بل شمل الأمر نسبةً كبيرةً من المشاهير والمذيعات والناشطات والعاملات في المجال السياسي والحقوقي، واللائي لم يسلمن من اتهامات عدة، فتارة وسموا بالتمرد، وتارةً بالإلحاد، وتارةً بالتسيب. فكيف يفكرن يا ترى؟
لسنا منافقات!
"إن فعل شيء مع عدم اقتناعي به هو نفاق، ولو كانت هذه الحسنات بالنفاق، فأنا لا أريدها"، كان هذا تعليق الناشطة السياسية تسنيم محمد، على التعليق المرفق مع الفيديو، والتي تجازوت للتو الـ 20 من عمرها.
تحكي تسنيم لـ "عربي بوست" عن سبب ارتدائها الحجاب، "كنت أبلغ من العمر حينها 12 عاماً، لم يجبرني أحد، لكن كنت من صغري أشاهد البرامج الدينية، وكان الناس يتكلمون أمامي بأن الحجاب فرض، فكان فرضية الحجاب مسألة مسلّمة بالنسبة لي، بجانب الخطاب الدعوي الذي يعتمد على العاطفة، والذي أثر علي في نواحي عدة، إلا أنه مع مرور الوقت بدأت أشعر بأن ما يقال غير صحيح، وبدأت رحلة بحثي الخاصة".
تضيف تسنيم، "في إحدى مراحل حياتي، حدثت مشاكل كثيرة بيني وبين أهلي، نظراً لتمردي وعدم قبولي بقيم المجتمع، وكان من ضمنها مسألة الحجاب، بدأت أعيد نظرتي للدين مرة أخرى، وقرأت القرآن بمنظور مختلف، وبعد بحث طويل، وجدت أن الحجاب ليس فرضاً، حينها كنت راضية عن قراري في خلعه".
وترى تسنيم أن الثورة كان لها دورٌ هام في قرارها، حيث "لم أكن لأصير بهذه الجرأة والقدرة على مواجهة المجتمع والأهل والأصدقاء، خصوصاً أني أسكن في منطقة شعبية، إلا بالثورة، لقد واجهت مشاكل عدة بسبب قرار خلعي للحجاب، وقام أشخاص حولي بقطع صلتهم بي، وكانوا يرون أن أخلاقي فسدت، والبعض رماني بالإلحاد، بسبب قراري هذا، وحتى الآن يقال هذا الكلام، لكني لا أهتم".
وبسؤالها عن أسباب ظاهرة خلع البنات للحجاب حالياً، تقول تسنيم ل لـ "عربي بوست" إن "أغلب الجيل الحالي اكتسب نوعاً من الجرأة بعد الثورة، حتى أولئك الذين لم يشاركوا فيها وراقبوها عن بعد اكتسبوها أيضاً".
وتضيف تسنيم أنه بعد حالة الانفتاح التي أعقبت الثورة وتعرف التيارات المختلفة على بعضها البعض، تشجعت الكثير من البنات على رفض بعض العادات والأفكار التي أجبرن عليها، سواءاً بسبب إجبار الأهل منذ الصغر، أو لنظرة المجتمع، أوبسبب تأثرهم بالخطابات الدينية السطحية في سن مبكر، حيث كانوا يفتقدوا حينها للإرادة والوعي بشكل كامل.
وتتساءل تسنيم، "لم يرفضون الآن خلعي للحجاب وأنا مدركة لما أفعل؟ مع أنهم تقبلوا ارتدائي له وأنا في فترة مراهقتي؟".
ثورة اجتماعية
"لم يكن اختياراً حراً مني، كنت مجبرةً على ارتداءه، واقتنعت به وأحببته مع الوقت بسبب تشجيع الأهل، بجانب كوني صغيرة حينها وأحب تقليد الكبار"، هكذا تقول سارة عادل، صحافية وناشطة في منتصف العشرينيات، خلعت الحجاب بعد سنوات من ارتدائه.
وتضيف سارة في حوارها مع "عربي بوست"، إنه "مع مرور الوقت، شعرت بحقي في الاختيار الحر، وفي تقرير ماذا أرتدي، هذا الحق الذي لم يتح لي من البداية. ومن أجل تحقيق حرية الاختيار، كان علي أن أخلعه كما ارتديته سابقاً".
وبرأي سارة، فإن الثورة رغم عدم إصلاحها سياسياً، فإنها ساهمت بالتغيير في المجتمع دون قصد، "فإحساسي بالانتصار والحرية في بداية الثورة، أعطاني بشكل شخصي قوة نابعة من كلمة الشباب ووقعها على مسامع الناس، والتي كانت تتردد كثيراً في ذلك الوقت. حينها شعرت أنني قادرة على التأثير سواء على صعيد حياتي الشخصية أو على المستوى العام، وهذا ما كان ينقصني، حينها شعرت بالقدرة على التعبير واختيار ما أريده في حياتي، فكان قرار خلعي للحجاب".
وترى سارة أن أي جيل جديد من الطبيعي أن يكون أجرأ وأكثر تمرداً ممن قبله، لكن يبقى الذين احتكوا بالثورة بشكل مباشر وزامنوا لحظة التغيير، أسرع من غيرهم.
العنف في مواجهة حرية الجسد
شيماء طنطاوي، ناشطة نسوية مهتمة بقضايا العنف الأسرى ضد المرأة، والتي رصدت حالات عنف عديدة تجاه بنات ونساء قررن خلع الحجاب.
تقول شيماء لـ "عربي بوست"، إنه "لا يوجد إحصائية رسمية بحالات العنف الأسري في مصر ضد خالعات الحجاب، لكن تختلف وتتنوع أسباب العنف الأسري تجاه المرأة، ومعظمها يتعلق بشئ واحد، وهو حرية المرأة في التحكم بجسدها، فكل ما يتعلق بهذه الحرية وهذا الجسد، دائماً ما يصطدم مع الأسرة التي تريد أن تتحكم فيه، ويبدأ هذا التحكم بداية من ختان الإناث مروراً بخلع الحجاب وصولاً إلى الزواج بالإكراه".
ووفقاً لآخر إحصائية تابعة لمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، نشرتها جريدة الأهرام الحكومية في مايو/ايار 2013، فإن 92% من الجرائم الأسرية تندرج تحت ما يسمى بـ "جرائم الشرف"، والتي ارتكب الأزواج 70% منها ضد زوجاتهم، مقابل 20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم. أما الآباء، فارتكبوا 7% فقط من هذه الجرائم ضد بناتهم والنسبة الباقية وهى 3% ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم.
تضيف شيماء، أنه لا يوجد قانون في مصر يحمي الفتيات من العنف الأسري، خصوصاً القاصرات منهن، بل على العكس تقف الشرطة كثيراً في صف الأهل، وتحاول الفتيات اللائي تخطين السن القانونية، الاستقلال بأنفسهن، ولكن العرف والعادات بجانب وقوف الشرطة ضدهن في الكثير من الأحيان يقف حائل أمامهن".
يقول الناشط الحقوقي والمحامي، مصطفى محمود "لا يوجد قانون مخصص للعنف في مثل هذه الحالات، المتاح أمام المتضررات هو خط نجدة الطفل التابع للمجلس القومي للأمومة والطفولة، إذا كن أقل من 18 سنة، أما من هن فوق ذلك السن، فسوف يعاملن وفقاً للقانون العادي، والذي لا يفرق بين العنف العادي والعنف الأسري".
ويضيف محمود "إن ثقافه المجتمع تتسامح مع العنف الموجه ضد الأطفال والنساء خصوصاً، ويبررون ذلك بأنه من باب التأديب والتربية، وفى كثير من الأحيان يتمنع رجال الشرطة عن تحرير محاضر عنف أسرى ويقومون بدور وسيط لحل مشاكل العائلة".
يوافق رأي محمود، مديرة برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، جواهر الطاهر، والتي تقول إن القانون المصري لا يوجد به مصطلح العنف الأسري أصلاً، فرغم وجود مبادرات جادة ومسودات قوانين تقدمها المراكز الحقوقية، فإنه لم يتم سنها حتى الآن، أما الإجراءات التي تسري في حالات العنف ضد المرأة، تكون وفقاً لبعض المواد في قانون العقوبات.
وتعزي شيماء جذور الأزمة بشكل عام إلى الثقافة الذكورية السائدة في المجتمع، حيث يخشى الذكور في الأسرة من أن يوصفوا بافتقاد الرجولة بين جيرانهم وأقرانهم، نتيجة إعطاءهم الحرية لبناتهن ونساءهن، تضيف شيماء "طبعاً هم يرون أن البنت كائن أقل درجة من الرجل".
تقول شيماء، "تتلخص أسباب ظاهرة خلع الحجاب الآن، في أن البنات يردن الإحساس في المقام الأول، بقدرتهن على اتخاذ القرار بشأن أجسادهن دون تدخل من أحد"، وتضيف أن حالات خلع الحجاب التي تعرفها، تنتمي معظمها لطبقات وثقافات متنوعة، وليس الأمر حكراً على طبقة أو ثقافة معينة، إلا أنها تزداد في الطبقة الوسطى، سواءاً قوبلت بالعنف أم لا.
فالبداية كانت من عند الثورة، "عندما شعرت البنات أن لهن مكاناً في المجال العام، فعرفوا أن هناك حق مهدور لهن في هذه البلد، وأن لهن دوراً، لكن لا يبدأ هذا الدور إلا عندما يشرعن بحريتهن في التحكم بأجسادهن، وعموماً مازال هذا التطور الفكري والاجتماعي مستمر".
لا قانون.. لكن عرف فقط
"كان ذنبي الوحيد، أني تساءلت لماذا حرامٌ علي كشف شعري، بينما أخي لا"، هكذا قالت نسمة، بنت الـ 22 من عمرها.
تحكي نسمة قصتها لـ "عربي بوست"، قائلةً إنها "خلعت الحجاب منذ سنتين، لكن لم يعلم أهلي هذا إلا منذ 4 شهور، بعدما رآني أبي صدفة خارج المنزل، وبمجرد أن رآني، اقتادني إلى المنزل، وبمجرد أن وصلنا، دفعني إلى غرفتي وأغلق الباب، وانهال علي بالضرب حتى نزفت من كل جسدي. قام بتحطيم إحدى المرايات الموجودة في الغرفة علي، لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل قام بالاتصال بأعمامي، حتى يأتوا ليساعدوه، كما ساعدوا بنت عمتي سابقاً، والتي انهالوا عليها بالضرب كما حدث معي، كما قامت أمي باجتراري من شعري".
كرد فعل غاضب على الانتهاك التي تعرضت له نسمة، قامت بحلق شعرها، تلك الخطوة التي لم يقابلها الأهل بجدية، بل فرضوا عليها الحجاب رغم ذلك، حتى قيل لها صراحة " تعري بعيداً عن البيت، لكن وانتي نازلة أو طالعة، ارتدي الحجاب".
تضيف نسمة، "في نهاية المطاف وبعد ضرب وشتم وأذية جسدية ونفسية متكررة، لجأت إلى الشرطة، لعمل محضر تعدي بالضرب، وقمت بالإقرار فيه أنني لست قاصراً وأنني تركت البيت بمحض إرادتي، لكني لم أسلم من المعاملة والنظرات القذرة من جانب رجال الشرطة هناك، حتى وبخني أحدهم قائلاً، لا يوجد أحد يقوم بتحرير محضر ضد أبيه، بعد ذلك، تم تحويلي على المشفى لعمل التقرير الطبي حتى يثبت في المحضر، ورغم أن جسدي مليئ بالكدمات وآثار الضرب، إلا أن الطبيب قال لي لا يوجد جروح ملحوظة تدفعني لعمل التقرير الطبي".
قامت نسمة بالهرب من المنزل والسفر إلى مدينة شرم الشيخ، وهناك تعرضت للكشف على بطاقتها الشخصية، حيث اكتشفت أن أهلها قد قاموا بتحرير محضر اختفاء، ورغم أنها ليست قاصراً، قاموا باقتيادها إلى البحث الجنائي، وقاموا بتوثيق يديها وتركها تجلس مع المجرمين والجنائيين، بعد ذلك تم تحويلها إلى النيابة العامة، "وهناك قام وكيل النيابة بمعاملتي بأسوأ ما يكون".
تقول نسمة إنه بعد ذلك قاموا بأخذها إلى معاون المباحث، والذي قال لها صراحة، "في مثل هذه المساءل لا نتعامل بالقانون إنما بالعرف فقط".
حاولت "عربي بوست" التواصل، مع أحد أشهر الدعاة الموجودين على الساحة، وسؤاله عن تفسيره للظاهرة وارتباطها بالثورة، إلا أن الرد جاء على لسان مسشتاره الإعلامي، وهو أن الشيخ لا يريد أن يدلي بتصريحات من الممكن أن تضعه وسط المعتركات والتجاذبات السياسية الحالية.