متى ظهر "النيش" في حياة المصريين؟ وما أهمية تلك الكتلة الخشبية القابعة في غرفة طعام البيت؟
يعرف "النيش" في القاموس المصري بأنه ثاني أضخم قطعة أثاث بالمنزل، والتي تلي خزانة ملابس غرفة النوم الرئيسية.
لغوياً، لكلمة "نيش" أو "نيتش" Niche أصول فرنسية وتعني المكان اللائق والمناسب للشيء القيم، ولها معنى مماثل في الإنكليزية تقريباً كوضع الشيء أو الشخص المناسب في المكان المناسب، فضلاً عن معنى آخر وهو الشرفة، من هنا يمكن أن نستنتج تسمية تلك القطعة الخشبية بهذا الاسم، حيث تحتفظ فيه ربة المنزل بأثمن القطع الكريستالية والفضية وغيرها في دولاب عرض.
تاريخياً، بالنظر إلى غرفة السفرة منذ عقود كانت تتألف قبل نحو 60 عاماً من طاولة طعام ومجموعة من المقاعد وقطعة خشبية بسيطة لحفظ أدوات المائدة تسمى بوفيه "Buffet"، ومازالت مستخدمة حتى اليوم في بعض الأحيان تلحق بمرآة مختلفة الأحجام.
وفي أحيانٍ أخرى كانت تسمى قطعة أقل حجماً من سابقتها بالـ "دلسوار" وهي خزانة مكونة من مجموعة أدراج بسيطة لحفظ نفس الأدوات، والتي لم يكن متعارفاً عرضها في خزانة زجاجية للملاعق والسكاكين والأطباق.
أما "النيش"، فلم يكن – بتصميمه وهدفه الحاليين – موجوداً قبل 30 عاماً تقريباً، حيث كان مصغر "النيش" مجرد دولاب زجاجي يعرض فيه أصغر وأثمن قطع من الفضة أو الكريستال والمقتنيات القديمة والتراثية بشكل عام، وكان يسمى "دولاب الفضية" ولم تكن له علاقة بغرفة الطعام وإنما كان أكثر ارتباطاً بالصالون خاصة لأنه لم يكن يضم أدوات المطبخ.
لم يكن "دولاب الفضية" أساسياً لدى الأسر المتوسطة التي لا تملك عادةً مقتنيات أثرية أو ثمينة، وإنما كان الشائع هو الـ "دلسوار" أو "البوفيه"، لكن بعض الأسر استحدثت استخدام "دولاب الفضية" كقطعة ديكور توضع فيها بعض القطع الخزفية البسيطة.
أما مرحلة السبعينيات فمثلت، مرحلةً تاريخيةً فارقة، حيث أحدثت طفرة في الديكورات والملابس فتراجعت التصميمات الكلاسيكية بشكل كبير وظهر مفهوم الـ "مودرن" في حياة المصريين، فاختفت الزخارف تدريجياً واختفى اهتمام الناس بالمقتنيات الأثرية وغير الأثرية وهو ما انعكس على تصميمات الأثاث المصري.
ثم جاءت فترة الثمانينات، وهي الفترة التي يراها صناع الموضة والديكور بالأسوأ على الإطلاق، حيث ظهرت بلا ملامح مميزة. وفي هذه المرحلة – على ما يبدو – ظهر "النيش"، وتراجع دور البوفيه ودولاب الفضية، فبدأ البعض يتباهى بمقتنياته من أدوات المائدة كأطباق البورسلين "الصيني" وكؤوس زجاجية وأطقم الملاعق.
باتت الأسر المصرية تضع "جهاز العروس" في "النيش"، ولأنه لم يعد يضم مقتنيات صغيرة، كان لا بد من زيادة حجمه بحيث يشمل بانوراما للعرض بالجزء الأعلى، وخزانة مغلقة بالجزء الأسفل، وكلما زاد حجم "النيش" وزخارفه كلما دلّ ذلك على ثراء الأسرة.