يساور عبد الغفور قلق بالغ من أن تطول تداعيات الهجوم الإرهابي الذي هز فندقاً سياحياً بسوسة، خوفاً على حركة السياح الذين دأبوا على زيارة متجره في مدينة سيدي بوسعيد على مدار العام.
لسنوات ظلت المدينة الجاذبة للسياح والواقعة بأحواز العاصمة بمنأى عن أي تأثير لأعمال العنف والإرهاب التي تشهدها تونس منذ الإطاحة بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي في عام 2011.
لكن مع سقوط نحو 60 قتيلاً في هجومين منفصلين على متحف "باردو" في العاصمة ونزل "امبريال مرحبا" بسوسة، أصبح انحسار عدد السياح ملحوظاً في ذروة الموسم السياحي بتونس ما طرح مخاوف لدى الحرفيين وأصحاب المطاعم والمحلات السياحية.
عبد الغفور قال إنه "يمكن لأصحاب المحلات في سيدي بوسعيد أن يصمدوا لأشهر. لديهم مداخيل جيدة وأملاك ولكن إذا طالت الأزمة أكثر من ذلك فسيطرح هذا مشاكل".
وأضاف الحرفي أمام محله الخالي من الزبائن، "نأمل أن تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي في أقرب وقت".
القطاع السياحي يتراجع بقوة
ويقف القطاع السياحي الذي يقوم بتشغيل 400 ألف عامل ويساهم بنسبة 7% من الناتج المحلي الإجمالي على قدم واحدة في تونس مع مغادرة الآلاف من السياح للبلاد بعد هجوم سوسة في يونيو/حزيران، فضلاً عن تعليق الرحلات البحرية المتجهة إلى تونس منذ هجوم "باردو" في مارس/آذار الماضي.
وأحدث ذلك خسائر قدرت بأكثر من 500 مليون يورو بحسب وزارة السياحة، وتراجعاً بنسبة 70% للنشاط السياحي خلال الفترة الصيفية.
سيدي بوسعيد تحتفظ بهدوئها
ولكن في سيدي بوسعيد وبخلاف الأزمة التي تهدد الحرفيين والمطاعم السياحية، لا تزال المدينة الساحرة بجمالها وفية لسمعتها كإحدى المناطق الأكثر جذباً للزوار بفضل خصائصها المميزة وموقعها الجغرافي ومعمارها الفريد ذو اللونين الأبيض والأزرق. مع ذلك لم تستثن السلطات المدينة من التدابير الأمنية الصارمة بعد أحداث سوسة بنشر وحدات مسلحة في مدخل المدينة وعناصر أخرى وسط الشارع الرئيسي المزدحم بالمحلات والمقاهي.
اليوم وبينما يعيش القطاع السياحي وضعاً دقيقاً، فإن المدينة التي يقطنها قرابة 5 آلاف شخص وتضم 4 أروقة للفنون تفتح أبوابها للزائرين على مدار السنة ومقاهي مزدحمة، تحمل على عاتقها مهمة الحفاظ على استقطاب سياح العالم إلى تونس.
"لا تضخموا ما حدث"
ويشير دليل سياحي برفقة مجموعة من السياح الروس إلى أن "السياحة في تونس صناعة عريقة. يجب أن يكف الإعلام عن تهويل الأمور. ما حدث يمكن أن يحدث في أي دولة أوروبية".
ويضيف الدليل، "الروس يحبون المغامرة وهم يقبلون على تونس كما في السابق. لم تؤثر أحداث سوسة على رغبتهم في زيارة هذا المكان الرائع".
تاريخ سيدي بوسعيد
وبشكل عام، تستمد المدينة منذ القرون الوسطى سحرها من موقعها المطل من فوق منحدر صخري شاهق تكسوه الأشجار ويطل على سواحل مدينة قرطاج التاريخية وخليج تونس.
ويروي المؤرخون أن جبل سيدي بوسعيد كان يلعب منذ القدم دوراًَ استراتيجياً ودفاعياً لدى القرطاجيين لحماية مدينتهم من الغزو الخارجي في القرن السابع قبل الميلاد، وحافظ الجبل على ذات الدور مع الفاتحين المسلمين حتى القرن الثاني عشر.
ويربط مدرج طويل وسط غابات الصنوبر الكثيفة بين قمة الجبل وحتى أسفل المدينة نحو المرفأ. وهو من بين الوجهات الرئيسية التي يسلكها السياح لدى قدومهم إلى سيدي بوسعيد.
أصولٌ صوفية للمدينة
ومع أن المدينة التي تحمل اسم ولي صالح يدعى أبو سعيد الباجي وتضم مقاما له، عرفت منذ قرون كمهد للتصوف والتأمل إلا أن التحول الجذري الذي أعاد تعريف سيدي بوسعيد كمنطقة استجمام وترفيه جاء في بدايات القرن التاسع عشر.
فخلال حكم العائلة الحسينية بنى محمود باي الذي حكم بين سنتي 1814 و1824 مسكنا بالقرب من مسجد الزاوية ثم تبعته عدد من عائلات الطبقة البرجوازية بمدينة تونس بتشييد منازل على تل سيدي بوسعيد خصصت في الغالب لقضاء عطلة الصيف وحضور الاحتفالات الصوفية الموسمية.
ومع بداية القرن العشرين ذاعت شهرة سيدي بوسعيد شيئاً فشيئاً وأصبحت قبلة المثقفين والفنانين التشكيليين والكتاب ومشاهير السينما في العالم وشيد بعضهم مساكن خاصة بهم في المدينة.
وحتى اليوم لا يزال قصر النجمة الزهراء الذي شيد للرسام الإنكليزي الشهير البارون رودولف ديرلانجي بين عامي 1912 و1922، محافظاً على إطلالته البهية في المدينة بهندسته الشرقية والأندلسية وهو أحد العلامات البارزة التي تعكس عمارة سيدي بوسعيد.
لكن البارون ديرلانجي لم يكن وحده من ساهم في شهرة سيدي بوسعيد العالمية، فهناك أيضاً الرسام الألماني الشهير بول كلي الذي حط رحاله في سيدي بوسعيد في زيارة استغرقت أشهر لتونس عام 1914.
آثارٌ وذكرياتٌ أندلسية
وتعد بيوت وبنايات سيدي بوسعيد بأبوابها العتيقة ذات النقوش الأندلسية والعربية مصدر إلهام لزائريها من أهل الفن والثقافة، ومصدر إعجاب للفنانين. ويحتفظ أهل المدينة حتى اليوم بذكريات تاريخية مع زيارات سابقة أبرزها لملك الروك الراحل مايكل جاكسون والفنان الفرنسي باتريك برويال والمصريين أم كلثوم وعبد الحليم حافظ.
ومع جمال المكان وفتنته فإن الزائر إلى سيدي بوسعيد لا يمكن أن يفوت فرصة التهام فطائر "البلبلوني" المطلية بالسكر أو الجلوس في مقهى العالية أو مقهى سيدي الشبعان في قمة جبل سيدي بوسعيد والمطلة على مياه البحر المتوسط.
ويختم عبد الغفور، "من الصعب التدارك في الموسم السياحي الحالي لكن على الأقل نأمل استئناف الرحلات البحرية السياحية إلى تونس في أقرب وقت، لأن هذا سينقذ تجارتنا من الركود في الوقت الحاضر".