عادة ما نصادف شخصاً يجد صعوبة في تقبل بعض الأصوات، من بينها الأكل بصوت عالٍ أو التنفس أو غيرها، هذا التصرف الذي قد يسبب نوبة من القلق أو الغضب عند البعض، إلا أن رد الفعل هذا قد لا يكون عادياً، بل إشارة على الإصابة بمتلازمة الميزوفونيا أو كما يطلق عليها بعض الأطباء متلازمة حساسية الصوت الانتقائية.
فما هي الميزوفونيا؟ وما هي الأعراض التي تدل على الإصابة بها؟ وكيف يمكن الوقاية منها؟
ما هي متلازمة الميزوفونيا؟ متلازمة حساسية الصوت الانتقائية
في تطورات حديثة بمجال علم النفس، يُسلط الضوء على "الميزوفونيا"، وهي حالة تثير حساسية مفرطة تجاه أصوات معينة يعتبرها الأشخاص العاديون جزءاً طبيعياً من الحياة اليومية. الأصوات مثل مضغ الطعام، والتنفس، والكتابة، وحتى الطنين، يمكن أن تؤدي إلى مشاعر قوية من القلق والغضب لدى المصابين بهذه الحالة.
بينما لم تصنف الأبحاث العلمية متلازمة الميزوفونيا رسمياً كاضطراب نفسي أو عصبي، فإن الأثر الكبير لهذه الحالة على حياة المصابين بها وتأثيرها على من حولهم، دفع العلماء لأخذها بجدية أكبر. تشير الدراسات إلى أن المصابين بمتلازمة الميزوفونيا يجدون أنفسهم مضطربين بشكل كبير من الأصوات التي قد تبدو هينة للآخرين.
الشيء الذي يؤدي إلى ظهور أعراض مثل الوسواس، والقلق، واضطراب المزاج. ورغم عدم وجود علاج نهائي للميزوفونيا حتى اللحظة، إلا أن هناك أساليب وتقنيات معينة قد تساعد في التخفيف من حدة الأعراض.
النشأة التاريخية لمفهوم متلازمة الميزوفونيا تعود إلى بدايات التسعينيات، حيث قدم العالمان الأمريكيان، باول ومارغرت جاستربوف، أول وصف علمي لهذه الحالة في دراسات نُشرت بـ"المكتبة الوطنية للطب"، مشيرين إلى أن تجربة الاشمئزاز والغضب من أصوات محددة لا تعتمد بالضرورة على حدة الصوت أو تردده، بل على تجارب شخصية سابقة مرتبطة بهذا الصوت. وفقاً لنظريتهم، هذه المشاعر السلبية تتأجج بالاستماع المتكرر للأصوات المثيرة للانزعاج.
بعض الدراسات، مثل تلك التي أجريت في مركز أمستردام الطبي، تقترح أن جذور الميزوفونيا قد تعود إلى النزاعات الأسرية، خاصة تلك التي تحدث خلال وجبات الطعام، ما يربط المشاعر السلبية بالأصوات الطبيعية مثل مضغ الطعام. هذه النظريات تفتح المجال لفهم أعمق لمتلازمة الميزوفونيا وتطوير أساليب علاجية مستقبلية قد تسهم في تحسين جودة حياة المصابين بهذه الحالة.
ما هي أعراض الإصابة بمتلازمة الميزوفونيا؟
حسب المصدر نفسه تعود الأسس العلمية للإصابة بمتلازمة الميزوفونيا لعدة أسباب معقدة، فهذه المتلازمة تنشأ من خلل في الجهاز العصبي يؤدي إلى تفسير مبالغ فيه للتحفيزات السمعية وأحياناً البصرية، ما يجعل المصابين بهذه الحالة يترجمون الأصوات العادية بشكل يثير الانزعاج المفرط.
بالإضافة إلى ذلك تؤكد الأبحاث العلمية أن المصابين بمتلازمة حساسية الصوت يمكن أن يعانوا أيضاً من ارتفاع في ضغط الدم، ونبضات القلب، ودرجة حرارة الجسم، كرد فعل فسيولوجي مباشر نتيجة التوتر والإحساس بالإزعاج من الأصوات. وتحدث هذه الاستجابات في ظل ظروف يمكن أن تبدو عادية للآخرين، مؤكدة أن الميزوفونيا قد تظهر في أي مرحلة عمرية.
أما عن الأعراض الأساسية للمتلازمة، فتتمثل في ردود فعل مفرطة ومتنوعة تجاه الضوضاء الصادرة من الآخرين. من بين هذه الردود الشائعة:
- الاشمئزاز.
- الشعور بالإزعاج الشديد.
- الغضب.
- الردود الفعلية السلبية التي قد تصل إلى الإساءة الجسدية أو اللفظية.
- تجنب الأشخاص المسببين للضوضاء.
طرق العلاج من الميزوفونيا
حتى اليوم لا توجد علاجات مخصص لمتلازمة الميزوفونيا، ومع ذلك، يتم تطبيق بعض الأساليب العلاجية التي تستهدف التخفيف من الأعراض المرتبطة بهذه الحالة أو التعامل مع الحالات المصاحبة لها، مثل اضطرابات القلق، والاكتئاب، ومشكلات الأعصاب. من بين هذه الأساليب:
- الأدوية: يمكن وصف بعض الأدوية للتعامل مع الأعراض المصاحبة مثل الأعصاب والاكتئاب والقلق، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الأدوية ليست معتمدة خصيصاً لعلاج الميزوفونيا نفسها.
- العلاج السلوكي المعرفي (CBT): يُعد من الأساليب الفعّالة التي تساعد المصابين على تغيير الأفكار والارتباطات السلبية المرتبطة بالأصوات المزعجة، ما يساهم في تخفيف الاستجابات السلبية.
- إعادة التدريب على طنين الأذن: تقنية تشمل ارتداء جهاز يصدر أصواتاً لتحويل الانتباه وتعليم المصاب كيفية تجاهل الضوضاء، إلى جانب تقنيات الاسترخاء لتقليل الاستجابة التلقائية للضغط.
بالإضافة إلى ذلك، تشير الأبحاث إلى إمكانية اللجوء إلى عدة طرق لمواجهة هذه المتلازمة:
- استخدام سدادات الأذن أو سماعات في الأماكن ذات الأصوات المزعجة لتقليل التعرض للمحفزات السمعية.
- التنويم المغناطيسي كأسلوب علاجي قد يكون فعّالاً في التعامل مع حساسية الأصوات.
من المهم الإشارة إلى أن العلاج يجب أن يكون شاملاً، ويتناول، ليس فقط الأعراض السمعية، ولكن أيضاً الاضطرابات النفسية المصاحبة إذا كانت موجودة، مثل اضطراب الوسواس القهري، والشخصية الوسواسية، ومتلازمة توريت، واضطرابات الشهية، والاكتئاب، والاضطراب ثنائي القطب، وطيف التوحد. العلاج الفعال يتطلب تقييماً دقيقاً ومتابعة مستمرة مع المختصين لضمان الحصول على أفضل النتائج الممكنة.
كيفية الوقاية من متلازمة حساسية الصوت الانتقائية
للأشخاص المصابين بمتلازمة "الميزوفونيا"، يقدم الخبراء في مجال الصحة النفسية مجموعة من الإرشادات الوقائية التي تهدف إلى التخفيف من حدة الأعراض، وتقديم طرق فعّالة للتعامل مع هذه الحالة. هذه النصائح تشمل استراتيجيات متنوعة، مثل:
- استخدام سدادات الأذن في المواقف التي قد تتعرض فيها لأصوات تجدها مزعجة، كوسيلة للحد من التأثير السمعي المباشر.
- اللجوء إلى سماعات الأذن لإيجاد طبقة من العزلة الصوتية في حالات الإرهاق الشديد.
- تشغيل الموسيقى أو التلفزيون في الخلفية لإنشاء ضوضاء بيضاء تساعد في تشتيت التركيز عن الأصوات المزعجة.
- تبني استراتيجيات إدارة الإجهاد المتقدمة، لتقليل الضغوط النفسية التي يمكن أن تفاقم الحالة.
- تقليل التعرض للضوضاء بشكل متكرر، لتجنب إثارة ردود الفعل الحادة.
- الانسحاب من البيئة المحفزة فوراً عند الشعور ببداية الأعراض، مع اللجوء إلى تقنيات الاسترخاء مثل التنفس العميق أو التأمل.
- المواظبة على التمارين الرياضية لتحسين الحالة النفسية والبدنية.
- تجنب مصادر التوتر المعروفة بتحفيز المشكلة.
- الحصول على قسط كافٍ من النوم لضمان الراحة الذهنية والجسدية.
إضافة إلى ذلك، تشير الدراسات إلى وجود ارتباط بين حساسية الصوت والقدرات الإبداعية والذكاء العالي. يُعتقد أن الأشخاص ذوي العبقرية والذكاء المرتفع يميلون إلى التفكير العميق، ما قد يجعلهم أكثر حساسية تجاه البيئة الصوتية المحيطة بهم، بما في ذلك الأصوات اليومية مثل كتابة القلم على الورق أو مضغ الطعام. هذا الارتباط يُظهر أن متلازمة الميزوفونيا قد تكون مؤشراً على طبيعة فكرية متقدمة، لذا يُشجَّع المصابون بهذه الحالة على التعامل معها كجزء من تفردهم وليس كمصدر قلق.