يكون الشعور بالوحدة عابراً في معظم الأوقات، فهو شعورٌ مُؤقَّت، أي أنَّنا نعلم أنَّه سيمُر مع الوقت. وتدفعنا الوحدة إلى محاولة التواصل مع الآخرين، ولكن بالنسبة للكثيرين من بيننا فإنَّ هذا الشعور هو أمرٌ يُصيبنا طوال الوقت، إذ يصير حالةً قائمة أكثر من كونها مُجرَّد مشكلةٍ مؤقتة. ويُمكن لهذه الوحدة المزمنة أن تُؤذينا بمرور الوقت.
كم مرةً تشعر بالوحدة؟ ولا يعني هذا قضاء الوقت بمفردك، بل الشعور حقيقةً بالوحدة والعزلة. ويحدث ذلك لنا جميعاً من وقتٍ لآخر، أو حين نعود إلى المنزل في عطلات نهاية الأسبوع ولا نجد شخصاً لقضاء الوقت معه، وربما نشعر بالعزلة حين نرى كل الأزواج والأصدقاء السعداء وهم يُمضون وقتاً رائعاً.
يُؤدِّي الشعور المزمن بالوحدة إلى تغيُّرات في داخلنا على المستوى الخلوي، مما يُمكن أن يكبت نظامنا المناعي، ويُسبِّب ردود فعلٍ التهابية، ويتركنا أكثر عرضةً للعدوى والأمراض. فكيف نتغلَّب على الوحدة إذاً؟ هذه النصائح قد تساعدك في التخلص من الشعور بالوحدة وفقاً لما نشره موقع The Good Man Project الأمريكي.
الشعور بالوحدة لا يعني أنَّك بمفردك
إحدى المشكلات التي نقع فيها حين نشعر بالوحدة هي أنَّنا نفترض أنَّه شعورٌ نابعٌ من كوننا بمفردنا، فالبشر كائناتٌ اجتماعية بطبعها، ومن المنطقي أن نربط العزلة الجسدية بالعزلة الاجتماعية، لكن حين نُحاول مُواجهة العزلة نميل إلى محاولة ملء الفراغ في حياتنا عن طريق إحاطة أنفسنا بالبشر بمُختلف الطُّرق، والتي لا تُجدي نفعاً عادةً. وبحسب المُصابين بالعزلة المُزمنة فإنَّه من الممكن تماماً أن تشعر بالوحدة حتى وأنت وسط الجموع.
ومفتاح كسر الوحدة لا يتعلَّق بكمّ الأشخاص في حياتك، بل يتعلَّق بجودة علاقتك بالناس. والتمتُّع بمجموعةٍ واسعة من العلاقات مع الناس لا يعني الكثير في غياب مضمونٍ لتلك العلاقات.
ويُعَدُّ فيسبوك والشبكات الاجتماعية مثالاً على كيفية قدرة التواصل على الدفع بك إلى النقيض، لتصير أكثر وحدة. والحصول على مئات أو آلاف الأصدقاء والمتابعين ربما يُصيبك بحيرةٍ من كثرة الثروات، ولكنها لن تُشعِرَك بأنَّها علاقاتٌ "حقيقية".
ولا يُجدي الأمر حين تتضمَّن غالبية تفاعلاتنا الضغط على زر "أعجبني" بسيط، أو تعليقات الضحك الفارغة على منشورات إنستغرام.
ولست بحاجةٍ إلى مئات أو عشرات الأصدقاء، فكل ما تحتاج إليه هو حفنةٌ قليلة من الأصدقاء المُقرَّبين الموثوقين، لدرجة أنَّ ثلاث أو أربع علاقات اجتماعية قوية يُمكنها أن تُشكِّل الفارق بين أن تكون بمُفردك وبين الوحدة، فكيف تفعل ذلك؟
اعثُر على مُجتمعك
يُعَدُّ دافعنا إلى الانتماء أحد مفاتيح تجربتنا الإنسانية، حتى في أوساط الانطوائيين المُنعزلين، تظلُ هناك حاجةٌ للعثور على فريقنا أو قبيلتنا، إن جاز التعبير. وداخل هذا المُجتمع نستطيع العثور على الأشخاص الذين يُمكننا التواصل معهم.
وربما يتطلَّب ذلك درجةً مُعيَّنة من الإبداع في بعض الأحيان، وإذا كُنت تُفضِّل المساعي الأكثر فردية مثل الكتابة أو الفن أو البرمجة؛ فعليك أن تعثُر على فرقٍ أو تجمُّعات ذات صلةٍ بهوايتك. هل هناك ورشة كُتَّاب يلتقي أفرادها بالقرب منك، أو ربما جولةٌ على الحانات للفنانين؟ وربما تُضطَّر في بعض الأحيان إلى توسيع آفاقك.
وإذا كُنت تعيش في بلدةٍ صغيرة، فربما عليك أن تنتقل إلى مناطق مُتصلةٍ باهتماماتك. وربما لن تجد الكثير من الأوتاكو (عُشَّاق الأنمي أو المانغا أو ألعاب الفيديو) في منطقتك، لكنَّك قد تعثُر على مجموعات مُتخصِّصة في دراسة اللغة اليابانية أو صيد البوكيمون.
وتذكَّر: يُمكن للشبكات الاجتماعية أن تُساعدك في العثور على جماعتك، ولكن لا تعتمد عليها بشكلٍ حصري.
وفي حال تيسَّر لك ذلك، فعليك أن تتفاعل مع الناس على أرض الواقع. ومواقع فيسبوك ومنتديات الويب وريديت هي مواقعٌ رائعة، ولكن يُمكن أن تُؤدِّي دور العُكَّاز، فحاوِل العثور على مجموعاتٍ تلتقي وجهاً لوجه، إن أمكن.
ربما تحتاج إلى أن تكون الشخص الذي يأخذ بزمام المُبادرة، وفي حال عدم تواجد المجموعة التي تتوافق مع اهتماماتك يُمكنك أن تُؤسِّسها؛ إذ إنَّ أخذ زمام المبادرة في بناء مُجتمعك يُجبرك على المشاركة مع الآخرين، والتواصل بطرقٍ لن تفعلها في الأوضاع الطبيعية.
شارك الآخرين
هُناك شيءٌ واحد مُشترك بين المُصابين بالوحدة المُزمنة، وهو أنَّ عُزلتهم هي نتاج ألمٍ فرضوه على أنفسهم جزئياً، وليس الأمر مقصوداً، إذ لا نُدرِك كيفية إقصائنا للآخرين من حياتنا في غالبية الأحيان. وبوصفنا مُجتمعاً مُتكاملاً طوَّرنا توجُّهاً ينُصُّ على محاولة تفادي المواقف الاجتماعية في حال لم تكُن صحيحة.
وربما نتقاعس عن حضور لقاءات الأصدقاء والعائلة، ونتجاهل الاجتماعات والتجمُّعات التي لسنا مُضطَّرين لحضورها، وأحياناً يكون ذلك بسبب غياب شعورنا بالصلة مع أقراننا.
وإذا كُنت ترغب في التغلُّب على شعورك بالوحدة، فعليك أن تبدأ في الخروج بنفسك من تلك الدائرة، حتى لو كان ذلك بطرقٍ بسيطة. وعليك أن تكون مُشاركاً نشطاً في حياتك الشخصية وفي العالم من حولك، إذ سيُحاول الناس الوصول إليك بجدية لفترةٍ بسيطة من الوقت، قبل أن يبدأوا في افتراض أنَّك تُفضِّل الوحدة. حسناً، أنت تفهم الأمر الآن.
وبقدر ما يتعيَّن عليك أن تأخذ دوراً نشطاً في العثور على قبيلتك، فربما تُضطر إلى أن تكون الشخص المسؤول عن إطلاق كرة الثلج الاجتماعية. فهناك شخصٌ عليه أن يُؤدِّي الخطوة الأولى. ويُمكن أن تكون أنت هذا الشخص، فإذا لم يكن الناس يدعونك إلى المناسبات الاجتماعية بعد انتهاء العمل، أو أنَّ الأمر ليس جزءاً من ثقافة العمل (حتى الآن)، فيُمكنك أن تأخذ زمام المُبادرة وتدعو الزملاء. وبإمكانك أن تكون الشخص الذي يقترح، أو يُنظِّم الفعاليات. فمن الرائع أن تتلقَّى الدعوة، ولكن لا يُمكنك الاعتماد على حدوث ذلك. هل هُناك مُخاطرةٌ بألا يحضر أحد؟ بالتأكِّيد… ولكنَّ نسَق حياتك لن يتأثَّر كثيراً حينها؛ إذ تكون بذلك قد اتَّخذت خطواتٍ جادة للسيطرة على حياتك، بدلاً من العيش بطريقةٍ سلبية.
بادِر بالتواصل مع الآخرين
ربما تكون قد لاحظت فكرةً رئيسية مشتركة بين هذه النصائح، وهي أنَّك ينبغي أن تكون سبَّاقاً، فبقدر ما نود أن يُدرك الآخرون شعورناً بالوحدة ويتواصلوا معنا، لا يمكننا الاعتماد على أنَّهم سيُدركون احتياجاتنا من تلقاء أنفسهم. فبصراحة، معظمنا عالقٌ في تفاهاته الخاصة، ونادراً ما نلاحظ احتياجات أصدقائنا لأننا منشغلون بحياتنا. وإذا كنت ترفض بادرات الآخرين تجاهك، فسيفترضون أنَّ هذا هو ما تريده.
وإذا كنا نريد التغلب على الشعور بالوحدة فإنه يتعين علينا المبادرة بالخطوة الأولى، والبحث عمَّا نحتاج إليه، وليس شرطاً أن تكون هذه التواصلات أكثر من اللازم، ولا يتعين عليك أن تتواصل مع كل شخص في حياتك، فجودة هذه التواصلات أهم بكثير من كميتها. ويُمكن لثلاثةٍ من أصدقائك المُقرَّبين أو حتى اثنين إحداث الفارق بين الشعور بالسعادة والشعور المزمن بالوحدة.
وهذا الأمر مثل العديد من الأمور الحياتية الأخرى، يتطلَّب منك أن تصبح محاميك الشخصي. وربما يكون طلب ما تحتاج إليه مُحرِجاً أو غريباً، لاسيما إذا كنت تحتاج إلى التواصل مع الآخرين. لكنَّه يُصبح أسهل ممَّا تتخيل بالممارسة الفعلية. خُلاصة القول إنَّ الرغبة في التواصل مع الآخرين تعد واحدةً من أبرز الرغبات الإنسانية البدائية، فابذل جهداً لتعزيز صداقاتك والشعور بالمودة التي تحتاج إليها، وستجد أنَّ أيام شعورك بالوحدة ستذهب بلا رجعة.