الكمالية سمة شخصية تتميز بوضع معايير عالية للغاية لنفسك وللآخرين. وتشتمل الكمالية كغيرها من السمات الشخصية على مجموعة من الخصائص، بعضها إيجابي وبعضها سلبي.
قد يظن البعض أن أصحاب الشخصية الكمالية هم المتفوقون، ولكن هذا خطأ، فالكماليون قد يكونون أقل بذلاً للمجهود، ومن الصعب تحقيقهم لهدف الكمال أو الوصول إلى الشخصية المثلى.
ونتعرف هنا على بعض سمات الشخصية الكمالية، ولكن عليك ألا تشعر بالسوء إن وجدت إحدى تلك السمات في شخصيتك. فاعترافك بأنك تمتلك إحداها يعد بداية النجاح في التغلب على تلك السمات، وتحقيق السلام الداخلي الذي يدفعك لتغيير شخصيتك.
في بعض الأحيان، تكون الكمالية أمر صحي، ويأتي هذا بالتركيز على الإيجابيات، وتحفيز الذات على القيام بعمل جيد دون الانزعاج الشديد إذا لم يتحقق الهدف.
الكمال أو لا شيء
قد يتشابه الكماليون مع المتفوقين في وضع أهداف عالية، ولكنهما يختلفان في النظر إلى النتيجة النهائية. فالمتفوق يشعر بالرضا إن حقق النجاح والتميز حتى لو لم يصل إلى الهدف العالي جداً، أما ذو الشخصية الكمالية فإن وصل لأي هدف دون المحدد ولو بقليل فيرى أن هذا فشل.
فالمتميزون، المتفوقون، يتطلعون إلى تحقيق أهدافهم من خلال الرغبة في تحقيقها، وهم سعداء بأي خطوات يتخذونها في الاتجاه الصحيح. من ناحية أخرى، يميل المدافعون عن الكمال إلى تحقيق أهدافهم عن طريق الخوف من عدم الوصول إليهم ورؤية أي شيء أقل من هدف محقق تماماً على أنه فشل.
النقد الدائم للذات والآخرين
الكماليون أكثر انتقاداً لأنفسهم والآخرين؛ فبينما يفخر المنجزون المتميزون بإنجازاتهم ويميلون إلى أن يكونوا داعمين للآخرين، يميل أصحاب الشخصية الكمالية إلى اكتشاف الأخطاء والعيوب الصغيرة في عملهم وفي أنفسهم وفي الآخرين أيضاً.
يحاول الكماليون معالجة تلك العيوب، ويواجهون صعوبة في رؤية أي شيء آخر، كما يكون حكمهم على أنفسهم والآخرين صعباً للغاية عند مواجهة الفشل (من وجهة نظرهم).
من الجهة الأخرى، إذا وجه أحدهم نقداً للكماليين، فإنهم يميلون إلى الرد بشكل دفاعي، ولا يتقبلونه كنقد بنّاء قد يساعد على تحسن أدائهم في المرات القادمة مثلما يفعل المتفوقون.
معايير غير معقولة
أهداف الكماليين ليست دائماً معقولة، ففي حين يحدد المتفوقون أهدافاً عالية يتمتعون بمتعة المُضي قدماً إلى أبعد منها بمجرد بلوغها، غالباً ما يحدد ذوو الشخصية الكمالية أهدافهم الأولية بعيدة المنال.
لهذا السبب، لا يميل المتفوقون إلى أن يكونوا أكثر سعادة فحسب، بل أكثر نجاحاً من الكماليين في السعي لتحقيق أهدافهم.
التركيز على النتائج
يمكن للمتميزين البارزين الاستمتاع بعملية مطاردة الهدف أو أكثر من الوصول الفعلي للهدف نفسه. في المقابل، يرى الكمالي الهدف ولا شيء غير ذلك. فالكمالي دائماً ما يكون قلقاً للغاية بشأن تحقيق الهدف وتجنب الفشل الذريع بحيث لا يمكنه الاستمتاع بعملية النمو والسعي.
الاكتئاب جراء عدم تحقيق الأهداف
الكماليون أقل سعادة من غيرهم، ففي حين يمكن للمتفوقين أن يرتدّوا بسهولة بعد أي إخفاق أو خيبة أمل، يميل الكماليون إلى الانغلاق على أنفسهم، ومحاصرة ذواتهم بالمشاعر السلبية عندما لا يصلون إلى مبتغاهم.
المماطلة والتسويف
يميل الكماليون إلى المماطلة والتسويف رغم ضرر هذا على الإنتاجية. فلأن صاحب الشخصية الكمالية يخشى من الفشل، فإنه يؤجل ما ينبغي فعله خوفاً من عدم إتمامه على أكمل وجه، وبالتالي فإنه لا ينجز شيئاً فيفشل في النهاية، وهو ما يجعله يدور في حلقة مفرغة.
كيف يمكن للكمالية أن تكون ضارة؟
على الرغم من أن الكثير من الناس يرون أن السعي وراء التميز أمر جيد، فإن الباحثين وجدوا أنه في النهاية القصوى، يؤثر الكمال بالسلب على الصحة النفسية.
في إحدى الدراسات التجميعية، حلل الباحثون كيفية ارتباط الكمالية بالصحة النفسية عبر دراسات سابقة. نظروا إلى 284 دراسة (مع أكثر من 57000 مشارك) ووجدوا أن الكمالية كانت مرتبطة بأعراض الاكتئاب والقلق واضطراب الوسواس القهري واضطرابات الأكل.
كما وجدوا أن الأشخاص المرتبطين بقوة بسمات الكمالية، كانوا أعلى مستوى في الضيق النفسي الشامل.
كيف يمكنك التغلب على الكمالية؟
إذا وجدت أنك تمتلك بعض سمات الشخصية الكمالية، فقد ترغب في التخلي عن تلك السمات، ولا تظن أنك ستكون أقل نجاحاً. فقد أشار علماء النفس إلى أن التخلي عن الكمال لا يعني نجاحاً أقل، ولكن لأن الأخطاء جزء مهم من التعلم والنمو، فإن تقبُّل الخطأ قد يساعد فعلياً على المدى الطويل.
عقلية النمو
أحد البدائل الممكنة للكمال يشتمل على تطوير ما يسميه علماء النفس عقلية النمو. لقد وجد الباحثون في جامعة ستانفورد أن تنمية عقلية النمو هي طريقة حاسمة لمساعدتنا على التعلم من إخفاقاتنا.
على عكس أولئك الذين لديهم عقليات ثابتة ويرون مستويات مهاراتهم فطرية وغير قابلة للتغيير، فإن الذين لديهم عقليات نمو يعتقدون أنهم قادرون على تحسين قدراتهم من خلال التعلم من أخطائهم.
التعاطف الذاتي
وتتلخص تلك الطريقة في تعلّم معاملة أنفسنا بلطف عندما نرتكب الأخطاء، ونبتعد عن جلد الذات وتذكيرها بالخطأ دائماً. ويجب أن نعلم أن الخطأ جزء من الإنسان، فمن منا لا يخطئ.