منذ القدم، يستخدم الناس زيوت السمك إما بتناولها أو كعلاج موضعي، لعلاج العديد من الأمراض بداية من الصداع إلى الكساح والنقرس.
وعلى مدى عقدين من الزمان، أصبح زيت السمك من أكثر المنتجات شيوعاً واستخداماً، ويستخدمه الكثيرون حالياً اعتقاداً بأنه يساعد في الحفاظ على صحة القلب، والكلى، والعظام والمفاصل، والوظائف العقلية والإدراكية.
ولكن، هل بالفعل يعد زيت السمك جيداً إلى تلك الدرجة، ومتى يجب تناوله، ولماذا؟ تابعنا في هذا التقرير لنرد على تلك التساؤلات.
ما هو زيت السمك؟
زيت السمك، هو الزيت الذي يستخرج من الأسماك الزيتية المعالَجة مثل الرنجة، والماكريل، والسلمون، والسردين. وتتميز تلك الزيوت بأن حوالي 30% منها تتكون من الأحماض الدهنية أوميغا 3، وبالتحديد حمض إيكوسابنتاينويك (EPA) وحمض الدوكوزاهيكسينويك (DHA)، بينما 70% تحتوي على دهون أخرى وفيتامينات أ و د.
على الرغم من أن جسم الإنسان يمكنه أن يحول حمض ألفا لينوليك، وهو نوع آخر من الأحماض الدهنية أوميغا 3 الموجودة في أشياء مثل زيت الكانولا وبذور اليقطين والجوز إلى EPA وDHA، إلا أن زيت السمك يعد أحد أكثر المصادر فعالية لهذين الحمضين الدهنيين.
يمكن الحصول على زيت السمك إما بتناول الأسماك الدهنية المذكورة بالأعلى، أو بتناول المكملات الغذائية المحتوية على زيت السمك.
هل يساعد زيت السمك في الحفاظ على صحة القلب؟
تنبع المعتقدات الحديثة في الفوائد الصحية لزيت السمك من صحة الدراسات التي أجريت على الإنويت المقيمين في غرينلاند في السبعينيات، والتي وجدت أن وجباتهم الغذائية مرتفعة للغاية في الأسماك الزيتية وأنهم يعانون من معدلات منخفضة إلى حد ما من أمراض القلب.
في السنوات التي تلت ذلك، أوصت جمعية القلب الأمريكية بشكل روتيني بأن يأكل الناس السمك مرتين في الأسبوع على الأقل، لأنه يساعد على إبطاء معدل نمو البلاك في الشرايين، وخفض ضغط الدم لديهم قليلاً، والحفاظ بشكل عام على صحة القلب.
كذلك، وافقت الإدارة الفيدرالية للأدوية (FDA) على عدد من الأدوية المعتمدة على زيت السمك والتي يتم تنظيمها بإحكام لاستخدامها في التحكم في مستويات الدهون الثلاثية العالية التي يجب خفضها لدى مرضى القلب.
فيعد زيت السمك طريقة جيدة لخفض الدهون الثلاثية المرتفعة، إلى جانب الزيادة من النشاط البدني، وخفض نسبة الكربوهيدرات في الوجبات الغذائية.
تشير عدد من الدراسات أيضاً إلى أن الجرعات الموثوقة من زيت السمك ذي النوعية الجيدة يمكن أن تقلل من خطر جراحة المجازة التاجية (تحويل مسار الشريان التاجي)، وآلام الصدر، والنوبات القلبية، والسكتة الدماغية، والسكتة القلبية المفاجئة لدى الأشخاص الذين يعانون من مشاكل صحية في القلب بالفعل.
ويمكن لزيت السمك أن يزيد من نسبة الكولسترول الحميد، إلا أنه لا يقلل من مستويات الكولسترول الضار.
على الرغم من أن مكملات زيت السمك يمكن أن تحسن العديد من عوامل الخطر لأمراض القلب، لا يوجد دليل واضح على أنه يمكن أن يمنع النوبات القلبية أو السكتات الدماغية.
هل يساعد زيت السمك في تحسين الصحة العقلية والعصبية؟
من المرجح أن ينبع الإيمان بالفوائد العقلية والعصبية لزيت السمك من حقيقة أن حوالي 40% من الدهون غير المشبعة المتعددة في أدمغتنا أو ما بين 5 و10% من كتلة دماغنا بشكل عام هو أوميغا 3 بالتحديد حمض الدوكوزاهيكسينويك (DHA).
يبدو أن هذا المركب يشارك في إرسال الإشارات بين خلايا الدماغ. لكن من غير المعروف ما الجرعات التي يمكن أن تتناولها من مكملات زيت السمك كطفل أو بالغ على وجه التحديد لتعزيز الصحة العصبية أو العقلية.
وقد اقترحت بعض الأبحاث أن زيت السمك قد يساعد في الانتباه عند الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD)، أو مع الأداء العقلي والسلوك عند الأطفال بشكل عام.
تشير بعض الأبحاث أيضاً إلى أن زيت السمك قد يساعد في تقليل خطر أو السيطرة على بعض الأمراض العقلية لدى الأطفال والشباب الذين يظهر عليهم أعراض خفيفة.
بالإضافة إلى ذلك، قد يقلل تناول مكملات زيت السمك بجرعات عالية من بعض أعراض الفصام والاضطراب الثنائي القطب.
كما تشير بعض الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية معينة تكون لديهم مستويات أوميغا 3 في الدم أقل من المعتاد.
هل يساعد زيت السمك في الحفاظ على صحة العين؟
على الرغم من أن بعض الدراسات تشير إلى أن تناول الأسماك بانتظام يمكن أن يؤدي تقليل خطر الإصابة بمشاكل العين المرتبطة بالعمر، وأن الاستهلاك المنتظم لزيت السمك يقلل من خطر إعتام عدسة العين، فإن هذه الدراسات لم تكن حاسمة.
كذلك، تشير الدلائل إلى أن الأشخاص الذين لا يحصلون على ما يكفي من أوميغا 3 يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض العين.
وهذا لا يمنع إن كان يتم وصف زيت السمك بانتظام لعلاج جفاف العين استناداً إلى بضع دراسات، قبل عدة سنوات، ولكن توقف الأمر عندما أظهرت التحليلات الفوقية أنه لم تكن هناك فائدة كبيرة بالفعل.
هل لزيت السمك خصائص مضادة للالتهابات؟
الالتهاب هو طريقة الجهاز المناعي لمحاربة العدوى وعلاج الإصابات. ومع ذلك، يرتبط الالتهاب المزمن بأمراض خطيرة، مثل السمنة والسكري والاكتئاب وأمراض القلب.
يمكن أن يساعد تقليل الالتهاب في علاج أعراض هذه الأمراض. لأن زيت السمك له خصائص مضادة للالتهابات، فقد يساعد في علاج الحالات التي تنطوي على التهاب مزمن.
على سبيل المثال، في الأفراد الذين يعانون من الإجهاد والسمنة، يمكن أن يقلل زيت السمك من الإنتاج والتعبير الجيني للجزيئات الالتهابية التي تسمى السيتوكينات.
يمكن كذلك لمكملات زيت السمك أن تقلل بشكل كبير من آلام المفاصل، وتقليل أعراض التهاب المفاصل الروماتويدي.
هل يحسن زيت السمك من صحة البشرة؟
تشير بعض الدراسات إلى أن زيت السمك قد يساعد في علاج حب الشباب، والأكزيما، والصدفية، لكنها محدودة نسبياً وليست قاطعة. ولكن تجدر الإشارة إلى أنها تبدو أقل إثارة للخلاف من نتائج فوائد زيت السمك الأخرى.
هل يساعد زيت السمك في علاج السرطان أو منعه؟
في حين أشار عدد قليل من الباحثين إلى أن زيت السمك قد يساعد في تقليل خطر الإصابة بالأنواع السرطانية، مثل سرطان الثدي والقولون والمستقيم والمريء والمبيض والبلعوم والبروستاتا. كانت الدراسات التي تفحص هذه الادعاءات محدودة وكانت نتائجها محدودة.
هل يحسن زيت السمك من أعراض الاكتئاب؟
من المثير للاهتمام، أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الشديد يبدو أن لديهم انخفاضاً في مستويات أوميغا 3 في الدم. وتشير الدراسات إلى أن زيت السمك ومكملات أوميغا 3 قد تحسن من أعراض الاكتئاب.
علاوة على ذلك، أظهرت بعض الدراسات أن الزيوت الغنية ب EPA تساعد في تقليل أعراض الاكتئاب أكثر من DHA.
هل هناك علاقة بين تناول زيت السمك وفقدان الوزن؟
وجدت دراسة علمية أن زيت السمك يحفز الجهاز الهضمي لفئران التجارب للحد من زيادة الوزن، والمساعدة على فقدانه. في حين أشارت دراسة أخرى إلى أن الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن بالإضافة إلى ارتفاع ضغط الدم قد يجنون فوائد فقدان الوزن جراء تناول زيت السمك عند اقترانها مع النظام الغذائي وممارسة الرياضة.
ومع ذلك، فإن هذه النتائج محدودة للغاية ولا يوجد دليل قوي على أنها ستساعد البشر على خفض أوزانهم.
كم تحتاج من الأوميغا 3؟
إذا كنت ممن لا يتناولون الأسماك الزيتية مرة إلى مرتين أسبوعياً، فقد تحتاج إلى تناول مكملات زيت السمك.
تختلف توصيات جرعة EPA وDHA حسب عمرك وصحتك. توصي منظمة الصحة العالمية بتناول يومي يتراوح بين 0.2 و0.5 جرام (200-500 ملغ) من EPA وDHA مجتمعين. ومع ذلك، قد يكون من الضروري زيادة الجرعة إذا كنت حاملاً أو مرضعة أو معرضة لخطر الإصابة بأمراض القلب
اختر مكمل زيت السمك الذي يوفر 0.3 غرام على الأقل (300 ملغ) من EPA وDHA لكل وجبة.
الأحماض الدهنية أوميغا 3 عرضة للتأكسد، مما قد يجعل رائحتها تتغير. ولتجنب ذلك، يمكنك اختيار مكمل يحتوي على أحد مضادات الأكسدة مثل فيتامين هـ، وحافظ على العلبة بعيدة عن الضوء.
هل هناك آثار جانبية لتناول جرعات كبيرة من زيت السمك؟
على الرغم من تلك الفوائد التي يتمتع بها الجسم جراء تناول زيت السمك، إلا أن هناك بعض الآثار الجانبية التي قد تحدث عند استهلاك كميات كبيرة منه، مثل:
– ارتفاع نسبة السكر في الدم
تشير بعض الأبحاث إلى أن تناول كميات كبيرة من أحماض أوميغا 3 الدهنية يمكن أن يزيد من مستويات السكر في الدم لدى المصابين بداء السكري.
وجدت إحدى الدراسات الصغيرة، أن تناول 8 غرامات من أحماض أوميغا 3 الدهنية يومياً أدى إلى زيادة بنسبة 22 ٪ في مستويات السكر في الدم لدى الأشخاص المصابين بداء السكري من النوع الثاني خلال فترة ثمانية أسابيع.
– النزيف
نزيف اللثة ونزيف في الأنف هما من الآثار الجانبية المميزة للاستهلاك الزائد لزيت السمك.
وجدت إحدى الدراسات التي شملت 56 شخصاً أن تناول 640 ملغ من زيت السمك يومياً على مدار فترة أربعة أسابيع قلل من تخثر الدم لدى البالغين الأصحاء.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت دراسة صغيرة أخرى أن تناول زيت السمك قد يكون مرتبطاً بدرجة عالية من خطر نزيف الأنف، حيث أفاد أن 72٪ من المراهقين الذين يتناولون 1-5 غرام من زيت السمك يعانون من نزيف في الأنف يومياً كآثار جانبية.
– انخفاض ضغط الدم
تبين أن أحماض أوميغا 3 الدهنية تخفض ضغط الدم، الأمر الذي قد يتداخل مع أدوية معينة ويسبب مشاكل لأولئك الذين يعانون من انخفاض ضغط الدم.
فقد خلص تحليل أجري إلى 31 دراسة إلى أن تناول زيت السمك يمكن أن يخفض ضغط الدم بشكل فعال، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم، أو ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم.
– الإسهال
يعد الإسهال أحد الآثار الجانبية الأكثر شيوعاً المرتبطة بتناول زيت السمك، وقد يكون سائداً بشكل خاص أثناء تناول جرعات عالية.
وقد ذكرت إحدى المراجعات أن الإسهال هو أحد الآثار الضارة الأكثر شيوعاً لزيت السمك، إلى جانب الأعراض الهضمية الأخرى مثل انتفاخ البطن.
– السكتة الدماغية
وجدت بعض الدراسات على الحيوانات أن تناول كميات كبيرة من أحماض أوميغا 3 الدهنية يمكن أن يقلل من قدرة الدم على التجلط ويزيد من خطر السكتة الدماغية النزفية.
تتوافق هذه النتائج أيضاً مع الأبحاث الأخرى التي توضح أن زيت السمك يمكن أن يمنع تكوين جلطة الدم.
ومع ذلك، فقد أظهرت دراسات أخرى نتائج مختلطة، حيث ذكرت إنه لا يوجد ارتباط بين تناول السمك وزيت السمك ومخاطر السكتة الدماغية النزفية.
– سمية فيتامين أ
هناك أنواع معينة من مكملات الأحماض الدهنية أوميغا 3 غنية بفيتامين أ، والتي يمكن أن تكون سامة إذا تم استهلاكها بكميات كبيرة.
يمكن أن يسبب تسمم فيتامين أ آثاراً جانبية مثل الدوخة والغثيان وآلام المفاصل وتهيج الجلد. على المدى الطويل، يمكن أن يؤدي أيضاً إلى أضرار في الكبد.