نُقِلَت امرأةٌ (85 عاماً) مصابةٌ بتدهورٍ عقلي إلى المستشفى إثر مُعاناتها من الارتباك الشديد، وسلس البول الجديد، والإمساك وفقاً لموقع Big Think الأمريكي.
وتُشير هذه الأعراض إلى وجود التهاب في المسالك البولية، ولكن الطبيب الذي يعالجها سيُواجه مُعضلةً تكمُن في أنَّ هذه الأعراض يشير إلى تدهور حالتها العقلية أو أنَّها مُصابةٌ بإمساكٍ بسيط. لذا يُرسل الطبيب عادةً عينةً إلى المختبر لتحليلها، بهدف التأكُّد من وجود بكتيريا في البول.
ولكن نتيجة التحليل تستغرق عدة أيام أحياناً، لذا يُقرِّر الطبيب وصف المضادات الحيوية.
الحصانة ضد المضادات الحيوية
تتكرر هذه المشاهد يومياً داخل المستشفيات حول العالم، مما يُؤدِّي إلى الإفراط في استخدام المضادات الحيوية دون الحاجة إلى ذلك في كثيرٍ من الأحيان.
وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذه المشاهد ستُؤدِّي بنهاية المطاف إلى تطوُّر سلالات مقاومة للبكتيريا، إذ تَمُرُّ الجينات البكتيرية بطفرةٍ مُتواصلة.
وتحدث الطفرة عادةً لعضو واحد من مستعمرة البكتيريا، حين تتعرَّض المستعمرة بأكملها لمضادٍ حيوي، مما يزيد حصانتها ضد المضاد الحيوي. ويتكاثر العضو الطافر سريعاً لنشر طفرته داخل المستعمرة بأكملها.
وتُعتبر مقاومة المضادات الحيوية مشكلةً عالمية، ويُمكن أن تقضي على فاعلية الأدوية الموجودة في مواجهة العدوى البكتيرية التي تُهدِّد الحياة. لذا يُنصح الأطباء بعدم الاندفاع إلى وصف المضادات الحيوية. لكن أبحاثنا الأخيرة تستبعد أن يُقلِّل الأطباء مُعدلات وصفهم للمضادات الحيوية، لأنَّ تلك الخطوة تتطلَّب اتِّخاذ الإجراءات الخاصة الرامية إلى التعامل مع المشكلة.
لعبة قاتلة
ثَبت أنَّ عملية وصف المضادات الحيوية تتوافق مع فكرة أنَّ الأشخاص يميلون إلى الإفراط في استغلال الموارد التي لا تنتمي إلى فرد أو مجموعة، وتُعرَف هذه الممارسة باسم "مأساة المشاع". وفي الحقيقة، ساورت الشكوك خبراء الرعاية الصحية حول هذا الأمر لبعض الوقت، ولكنه لم يثبُت بدقةٍ حتى الآن.
ويُشير هذا الافتراض ضمنياً إلى أنَّ الأطباء سيصفون المضادات الحيوية في حال اشتباههم بوجود عدوى بكتيرية، إذ تُعَدُّ المضادات الحيوية العلاج المُفضَّل لديهم لأنَّه يخدم مصالح مرضاهم، دون النظر إلى عدد الأطباء الآخرين الذين يصفون تلك المُضادات الحيوية. ويتحوَّل الأمر إلى مأساة لأنَّ الأوضاع ستسوء بالنسبة للأطباء ومرضاهم في حال تبنَّى جميع الأطباء هذه الاستراتيجية. لذا يجب أن يلتزم جميع الأطباء بضبط النفس فيما يتعلَّق بوصف المضادات الحيوية.
ويُعتبر الأطباء أشبه بلاعبي معضلة السجينين، إذ يُدرِكون جميعاً أنَّ النتيجة ستكون أفضل في حال تصرَّفوا بطريقةٍ مختلفة، ولكن يبدو أنَّ الخيار الأفضل بالنسبة لهم هو وصف المضادات الحيوية في حال ظهور أعراض العدوى البكتيرية. وتبيَّن أيضاً أنَّ مُعدَّل وصف المضادات الحيوية سيرتفع على الأرجح، وأنَّه من الضروري اتخاذ خطوات لتغيير نتائج هذه اللعبة القاتلة، حتى لا تُصبِح المضادات الحيوية عديمة الجدوى.
وتوصلنا إلى هذه الاستنتاجات باستخدام نظرية الألعاب التطوُّرية وديناميات المكرر (النموذج الرياضي). وتكمُن الفكرة الأساسية وراء هذا النوع من التحليل في الدقة والوضوح، إذ نبدأ بوضع افتراضٍ حول تفضيلات اللاعبين، ويميل الأطباء في هذه الحالة إلى العمل من أجل خدمة مصالح مرضاهم بأفضل وسيلةٍ مُمكنة.
وهنا يتم تحليل الحقائق الراسخة حول تأثير مُعدَّلات وصف الأدوية على مقاومة المُضادات الحيوية، قبل استنباط تداعيات الأحداث اللاحقة بطريقةٍ رياضية.
ولا جدوى من مُناشدة الأطباء بتغيير سلوكيات وصف الأدوية، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنَّه لا يوجد ما يُمكن فعله حيال الأمر، إذ اقترحنا حلولاً لتخفيف هذه المشكلة مؤخراً، استناداً إلى المراجعة المفصلة للإنتاج الفكري.
خطوات لازمة
ينبغي اتِّخاذ العديد من الخطوات، ويجب إرساء قواعد لتنظيم واستخدام المضادات الحيوية، فضلاً عن ضرورة تسليط الضوء على أهمية هذه المشكلة وإلحاحها. ويجب التشجيع على اتِّخاذ القرارات المُتعلِّقة بالوصفات الدوائية عن طريق فريق طبي أو جماعي، بدلاً من القرارات الفردية، وينبغي مراقبة الوصفات الطبية بعناية فائقة. ويجب إدخال الحوافز والعقوبات لزيادة الشعور بالمسؤولية أثناء كتابة الوصفات الطبية. وأخيراً، يجب إلغاء الحوافز الضارة التي تُشجِّع على الإفراط في وصف الأدوية.
ومن المستبعد التوصُّل إلى حلٍّ لمشكلة مقاومة المضادات الحيوية بالكامل على المدى القريب، لكن الخطوات المُقترحة أعلاه ستُساهم في تحسين الأوضاع.
وفي النهاية، سنحتاج إلى طرقٍ جديدة وجذرية للتعامل مع العدوى البكتيرية، ولكن الأوبئة الخطيرة ستظهر بسرعة كبيرة، في حال لم نتدارك الأمر الآن.