هل يتعب أطفالك سريعاً؟ ولا تشعرين أنهم نشيطون بما يكفي لكي يتمكنوا من ممارسة الأنشطة التي تودين أن يمارسوها؟ ربما تتخيلين أحياناً أن السبب هو الكسل، لكن ربما يكون الأمر ليس كذلك.
فقد يكون طفلك مُتعباً بالفعل حتّى وإن تخيلتِ أنّ الجهد الذي بذله لا يؤدي لكل هذا الإرهاق الذي يُظهره، الآن عليكِ التعرف على متلازمة التعب المزمن، وفي هذا التقرير سنعرف أعراضها؟ وكيفية علاجها لتتمكني من التعامل مع الأمر.
ما هي متلازمة التعب المزمن لدى الأطفال والمراهقين؟
متلازمة التعب المزمن لدى الأطفال تُشبه إلى حد كبير متلازمة التعب المزمن لدى البالغين، ولكن مع بعض الاختلافات المهمة.
وهي اضطراب مُعقّد يصيب بالتعب الشديد الذي لا يمكن تفسيره بأيِّ حالة طبية كامنة، ويمكن أن يزداد التعب بممارسة نشاط بدني أو ذهني، حتى لو كان بسيطاً، ولا يتحسن هذا التعب بالحصول على الراحة.
كثيراً ما توصف هذه المتلازمة بأنها الإنفلونزا التي لا تُشفى أبداً؛ لأن أعراضها تتشابه مع أعراض الإنفلونزا، لكنها مُختلفة بكونها موجودة طوال الوقت.
في بعض الحالات يكون مستوى الأعراض واحداً رغم مرور الوقت، بينما في حالاتٍ أخرى يتغيّر مستوى الأعراض هذا من يومٍ لآخر أو من أسبوعٍ لآخر.
فيمكن أن يكون لدى بعض الناس عشرات الأعراض التي تخص متلازمة التعب المزمن، إلى الدرجة التي تجعل البعض لا يستطيع تصديق أن كل هذه الأعراض تنتمي إلى مرضٍ واحد.
أسباب متلازمة التعب المزمن
على الرغم من أنّ أسباب الإصابة بالمرض غير معروفة على وجه اليقين والدقة حتى الآن، فإنّ الباحثين يشيرون إلى أن متلازمة التعب المزمن تنطوي على خلل في العديد من الأنظمة.
يعتقد العديد من الباحثين أن السبب هو ضرر بالجهاز المناعي، وإن كان مُرجحاً أن يكون السبب أيضاً هو ضرر بالجهاز العصبي وخلل هرموني، وتُعرف هذه الحالة أيضاً بمرض عدم تحمل الجهد أو التهاب الدماغ والنخاع المرافق لألم العضلات.
ويمكن حصر الأسباب المُحتملة للإصابة بالمرض في:
– العدوى الفيروسية: وجد الباحثون أن بعض الأشخاص يُصابون بمتلازمة التعب المزمن بعد التعرُّض لعدوى فيروسية، مما طرح تساؤلاً حول ما إذا كانت بعض الفيروسات تتسبب في الإصابة بهذا الاضطراب أم لا.
تشمل الفيروسات المثيرة للشك فيروس ابشتاين بار وفيروس الهربس البشري 6 وفيروسات لوكيميا الفأر، ومع ذلك لم يُتوصل إلى علاقة قاطعة بين العدوى الفيروسية والإصابة بالمرض.
– مشكلات الجهاز المناعي: تبدو الأجهزة المناعية لدى المصابين بمتلازمة التعب المزمن ضعيفة بعض الشيء، ولكن لم يتضح ما إذا كان هذا الضعف سبباً كافياً لهذا الاضطراب في حقيقة الأمر أم لا.
– الاختلالات الهرمونية: يُعاني أيضاً الأشخاص المصابون بمتلازمة التعب المزمن في بعض الأحيان من مستويات غير طبيعية من الهرمونات المُنتجة في الغدد النخامية أو الغدد الكظرية، وإن لم تؤكد الصلة بين هذا وبين المرض أيضاً.
– أمراض أخرى: وجدت بعض الدراسات أن مشكلات في الجهاز الهضمي، أو مشكلات بالقلب والأوعية الدموية يمكن أن تتسبب في هذا المرض أيضاً.
أعراض متلازمة التعب المزمن لدى الأطفال والمراهقين
حتى الآن لم يثبت البحث ما إذا كانت أعراض متلازمة التعب المزمن لدى الأطفال مختلفة عن أعراض متلازمة التعب المزمن لدى البالغين، وفي الحالتين يكون التعب المرتبط بمتلازمة التعب المزمن لا يُشبه التعب الذي يُبديه الأصحاء بعد بذل الجهد، فهي حالة إرهاق فريدة قد تكون موهنة للغاية، ولا يكون التعب والإرهاق هما العرض الوحيد.
تشمل الأعراض الإرهاق الشديد بعد بذل الجهد والذي يستغرق وقتاً طويلاً حتى يتعافوا من المجهود المبذول، فمثلاً يمكن للشخص السليم الذي يركب دراجة تمارين رياضية بأقصى قوة ممكنة لمدة 20 دقيقة، أن يؤدي نفس هذا الجهد في اليوم الثاني أو الثالث على الأقصى.
لكن الشخص المصاب بمتلازمة التعب المزمن إذا قام بنفس المجهود هذا فلن يتمكن من تكراره لمدة يومين أو أكثر بعد التمرين الأول، إلى جانب الإجهاد الحاد فهؤلاء الأشخاص يُعانون أيضاً من آلام واسعة النطاق، وضعف في العمليات العقلية، وأعراض تُشبه أعراض الإنفلونزا لفتراتٍ طويلة.
تشمل أيضاً الأعراض: الخلل المعرفي، الذي غالباً ما يُشار إليه باسم "ضباب في الدماغ"، يمكن أن يتضمن هذا الخلل مُشكلات في الانتباه والذاكرة على المدى القصير، فينسى الشخص سريعاً حتى وإن كانت المعلومة حديثة للغاية بذاكرته، مما يجعل الشخص لا يستطيع الاحتفاظ بما يقرأ.
كما أنه يواجه مشكلات في التعبير اللفظي، والتوجُّه المكاني، فلا يعرف بسهولة كيف يصل إلى مكانٍ ما إذا كان موجوداً بمكان آخر.
قد تكون هذه الأعراض وحدها كافية بشدة لتعطيل بعض الناس عن مُمارسة حياتهم بشكل طبيعي وسلس، إلا أن أعراض متلازمة التعب المزمن لا تقف عند هذا الحد، فهناك بعض الأعراض الشائعة الأخرى، ومنها:
- النوم الذي لا يخلف انتعاشاً، فلا ينتهي التعب والإرهاق الحاد بالحصول على قسط كافٍ من النوم.
– القلق الدائم، والاكتئاب فقد أظهرت بعض الدراسات أن هناك ارتباطاً بين متلازمة التعب المزمن وبين القلق والاكتئاب.
– الشعور بالدوار عند الوقوف.
– ألم في المفاصل دون احمرار أو تورم.
– التهاب الحلق.
– الصداع.
– عُقد لمفاوية متضخمة في العنق أو الإبطين.
– سعال مزمن.
– أحاسيس عصبية مثل التنميل أو الوخز في الأطراف.
بالإضافة إلى أعراض مُتداخلة مع تشخيصات أخرى، مثل:
– متلازمة القولون العصبي.
– الحساسية الغذائية تجاه بعض الأطعمة.
تشخيص متلازمة التعب المزمن
وفقاً لمركز السيطرة على الأمراض الأمريكي CDC، فإن هذه المتلازمة تصيب ما بين 0.2٪ و 0.6٪ من أعمار 11-15 عاماً، كما يقول مركز السيطرة على الأمراض أن المتلازمة أقل شيوعاً لدى المراهقين من البالغين، وأقل شيوعاً لدى الأطفال من المراهقين.
بعض الأبحاث تُشير إلى أن متلازمة التعب المزمن لدى الأطفال تُصيب بنسبة أكبر الأطفال الذين يكون والداهم مُصابين بالمتلازمة نفسها أو مرض مُماثل لها، مما يُشير إلى احتمال وجود عنصر وراثي في الإصابة بها.
قد يكون من الصعب العثور على طبيب يفهم ما هي متلازمة التعب المزمن لدى الأطفال، لذلك قد تحتاج إلى مراجعة أطباء الأطفال وأطباء الأسرة وغيرهم في مدينتك للعثور على طبيب مناسب.
يقوم الطبيب بشكل عام بإجراء فحص شامل وإجراء اختبارات لأمراض متعددة يمكن أن تسبب أعراضاً مشابهة لمتلازمة التعب المزمن، نظراً لعدم وجود اختبار تشخيص للمتلازمة، فيكون تشخيصها بإقصاء الأمراض الأخرى ذات الأعراض المُشابهة.
وإذا وجدت الأعراض السابق ذكرها بشكلٍ ثابت لمدة ستة أشهر مُتواصلة على الأقل، فإنه يتم تشخيص الحالة بمتلازمة التعب المزمن.
علاج متلازمة التعب المزمن
لا يوجد علاج بشكل كامل لهذه المتلازمة، ولكن بدلاً من ذلك يمكننا إدارة الأعراض ومحاولة السيطرة عليها، من خلال مجموعة من الأدوية، وهو ما يؤدي إلى تحسن كبير في تنفيذ الوظائف والمهام اليومية.
يحتاج معظم المصابين بمتلازمة التعب المزمن إلى مزيج من العلاجات والاستراتيجيات لإدارة المرض، وهذا يمكن أن يستغرق الكثير من الوقت والعديد من التجارب للوصول إلى العلاجات المناسبة، يمكن أن تنطوي هذه التجارب على العديد من النكسات، وقد تكون العملية طويلة ومُحبطة في كثير من الأحيان، لكن بمُجرد الوصول إلى العلاجات المُناسبة فإنها ستُحسن السيطرة على الأعراض بدرجة كبيرة.
قد يشمل نظام العلاج:
– الأدوية والعقاقير للسيطرة على الأعراض.
– المُكملات الغذائية التي تعمل على تقوية الجسم.
– تغيير النمط الغذائي لنظام غذائي صحي ومتوازن.
– الالتزام بالقيام بتمارين معتدلة أو علاج طبيعي أو اليوغا وهو ما يساعد على زيادة إمداد الجسم بالأكسجين، مما يجعله قادراً على العمل بشكل أفضل ويُقلل من الإجهاد.
– الاستشارة النفسية أو العلاج السلوكي المعرفي، العلاج بالتدليك أو الوخز بالإبر للسيطرة على الألم.
تشير الأدلة إلى أن نصف أو أكثر عدد الأطفال والمراهقين الذين يعانون من متلازمة التعب المزمن، قد يتعافون تماماً من المرض في خلال عامين.
ويعتبر التشخيص المُبكر وتلقِّي العلاج من العوامل الرئيسية لإجراء تحسينات كبيرة في الأعراض، إذا كنت تشك في أن طفلك لديه هذه المُتلازمة، فمن المهم البحث عن التشخيص على الفور.
كيف يمكن التعامل مع الطفل المُصاب بمتلازمة التعب المزمن؟
بالطبع ستؤثر متلازمة التعب المزمن سلبياً على طفلك، على تقديره لذاته وثقته بنفسه، وقد يشعر الطفل أنه مختلف عن أصدقائه وأقرانه، وأنه لا يستطيع أن يؤدي المهام المطلوبة منه كما يؤدونها، فيشعر بالعجز والدونية عنهم، مما قد يجعلهم يرغبون في العزلة ولا يريدون المشاركة في الأنشطة مع الأطفال الآخرين.
وقد يحاول الطفل المُصاب أن يضغط على نفسه لكي يتمكن من مواكبة أقرانه، وهو الأمر الذي يجعل أعراض المرض تتطور لديه إلى الأسوأ في وقت قليل.
الأطفال والمراهقون الذين يعانون من المتلازمة يغيبون عن مدارسهم بشكل متكرر، مما يجعلهم يبدون أفراداً غير مؤثرين بين زملائهم من الطلبة وفي الأنشطة المدرسية، وقد يتعرضون للنقد باستمرار، ووفقاً لدراسة نُشرت عام 2011 فإن كل هذه الأسباب السابقة تدفعهم للاكتئاب الشديد.
التأثيرات النفسية السابقة تحتاج إلى وعي كامل بها من الأم لكي تتمكن من إدارة الموقف، وزرع الأفكار الإيجابية لدى طفلها بدلاً من الأفكار السلبية التي تستطيع السيطرة عليه بسهولة بسبب مرضه، ومحاولة حثه على عدم البقاء في السرير.
يمكن أن تتحدث الأم مع طفلها وتحفزه أنه بإمكانه إدارة الأمر، والسيطرة على الأعراض التي تؤرق حياته، وبأنه بعد قليل من الوقت سيستطيع التعامل بشكل طبيعي.
كما يمكن أيضاً التحدث مع المسؤولين بالمدرسة لشرح حالة الطفل لهم، حتى لا يتعرض الطفل في المدرسة لمُضايقات تجعل المدرسة بالنسبة له مكاناً سلبياً>