بالتأكيد سمعت كثيراً من النصائح عن فوائد البكاء بدءاً من تنظيف العيون إلى تخليص الجسم من السموم، ولكن بعيداً عن هذه الأساطير، إليك حقيقة فوائد البكاء، التي ستجدها أكثر تعقيداً من هذه الاعتقادات الشائعة.
فرغم أن الأبحاث في مجال تأثيرات البكاء لا تزال محدودة، فإنها تُظهر أن فوائد البكاء وأضراره المحتملة تختلف بالعوامل الثقافية والاجتماعية والأهم بالظروف المحيطة بالحدث الذي تسبب في البكاء.
إذ إن فوائد البكاء المحتملة يمكن أن تتحول إلى آثار سلبية في بعض الحالات، حسبما ورد في تقرير لموقع The Conversation الأسترالي.
لماذا يبكي البشر؟
الانخراط في البكاء يتأثر غالباً بالعوامل الثقافية والاجتماعية، ومعتقداتنا حول قيمة البكاء ونظرة الآخرين له.
ويحتل البكاء حيزاً كبيراً من حياة الأطفال، فهو بالنسبة لهم وسيلة للتعبير.
ولكن عندما يتقدم الإنسان في العمر يصبح معدل البكاء أقل مما كان عليه الأمر في سنوات الطفولة والمراهقة.
وتظهر الدراسات أن النساء يبكين في المعدل مرتين أو ثلاثة في الشهر، أما الرجال فيبكون مرة واحدة.
وتعتبر هذه الظاهرة واضحة في الدول الغربية، حيث تبكي النساء بمعدل أكبر مقارنة بالسيدات اللاتي يعشن في الدول الأخرى.
ولكن يلاحظ في الغرب أن الفارق في وتيرة البكاء بين الرجال والنساء يتراجع بشكل كبير، بل وفي بعض الحالات لا يوجد أي فرق من الأساس.
وهذا هو مصدر الأساطير حول حقيقة فوائد البكاء
وقد دأب العلماء على تقديم تفسيرات حول سبب بكائنا وما الذي يحدث لأجسامنا.
وافترض البعض أن البكاء قد يجعل الجسم يتخلص من بعض المواد الكيميائية التي تترسب بسبب المشاعر السلبية والتوتر.
كما ينتج عن البكاء، وفقاً لهذه المقولات، تغيرات كيميائية في الجسم تعمل على الحد من درجة التوتر وتعزز المشاعر الإيجابية.
ولكن حتى الآن لا نزال نجهل الكثير عن هذه الظاهرة، في حين تستند أغلب الدراسات بالأساس إلى ما يقوله الناس عن أنفسهم، حسب تقرير الموقع الأسترالي.
وإليك ما يقوله العلماء حول فوائد البكاء
تأثيرات البكاء ليس متماثلة.. فهي تختلف من شخص إلى آخر
من أكثر الأفكار شيوعاً حول هذه الظاهرة، أننا نبكي لأن ذلك مفيد بشكل من الأشكال.
وربما لأن البكاء يُشعرنا بالراحة، كما يساعدنا على التنفيس عن المشاعر السلبية.
ولكن الأبحاث حول هذا العامل لا تزال متضاربة، حيث قد يتحسن مزاجنا عقب الانخراط في نوبة بكاء، وفي أحيان أخرى قد يؤدي إلى تعكيره أكثر.
متى يكون البكاء مفيداً ومتى يكون مضراً؟
كلما طالت الفترة منذ آخر مرة أطلقت خلالها العنان لدموعك، أو استغرقت، بشكل عام في التفكير في آخر تجاربك مع البكاء تصبح أكثر ميلاً للبكاء، وذلك بهدف تعزيز قدرتك على التحمل.
ولكن إذا كان الحادث الذي دفعك للبكاء لا يزال حديثاً، نادراً ما يعرب الأشخاص عن شعورهم بالتحسن عقب انخراطهم في البكاء.
فغالباً ما يتحدث من خاض هذه التجربة عن تدهور حالتهم المزاجية بشكل أكبر، أكثر مما كان عليه الأمر قبل البكاء.
في المقابل، يلجأ الفرد، على ما يبدو، للبكاء لتحسين شعوره إزاء أمر ما، ولهذا هنالك فئة كاملة من الأفلام "العاطفية" التي تجعل الإنسان يبكي.
وأحياناً يكون البكاء بمثابة إنذار داخلي يجب الانتباه له
"البكاء هو نوع من سلوك مواساة النفس، نلجأ له لأنه في حد ذاته يجعلنا نشعر بتحسن" حسبما يقول بعض الباحثين.
كما يعتقد هؤلاء الباحثون أن البكاء قد يكون نوعاً من الإشعار الذاتي.
بعبارة أخرى، يعد البكاء مثل الإنذار الذي يعلمنا بأن هناك شيئاً ما ليس على ما يرام، ويدفعنا للانخراط في سلوكيات مختلفة تساعدنا على التخلص من مشاعر الحزن، ربما عبر الإلهاء أو التأمل.
ولكنه كثيراً ما يكون موجهاً للآخرين.. وفي هذه الحالة كتمانه ليس مفيداً
وفي حالات أخرى يمكن أن نبحث عن أشخاص حتى يساعدونا على تجاوز تلك المشاعر، في إطار عملية مواساة اجتماعية.
ولكن رغم الاعتقاد الشائع بأن البكاء مفيد على المستوى الشخصي، فإن أغلب الباحثين يعتقدون أن البكاء في الواقع هو ظاهرة اجتماعية.
أي أنه ظاهرة تتأثر بالمحيطين، إذ يبدو أنه ليس من المفيد كثيراً أن يغلق المرء على نفسه الغرفة لينخرط في البكاء دون أن يراه أحد.
ويمثل البكاء رسالة قوية نحو الآخرين، بهدف إخبارهم أن هناك خطباً ما، وأنك قد تكون في حاجة للمساعدة أو التعزية.
والبكاء يجعل المحيطين بك يغيرون مواقفهم
وقد أظهرت تجارب ودراسات على مشاهدة صور وجوه باكية، بالمقارنة مع وجوه حزينة فقط، أن البكاء لا يجعل الوجه يبدو أكثر حزناً فقط، بل إنه يخلق لدى المشاهد قدراً أكبر من الحزن، ويجعله يرغب في تقديم الدعم العاطفي للشخص الذي يبكي.
ويصبح المشاهد غير قادر على تجاهل الأمر، ناهيك عن تعزيز السلوكيات التضامنية لديه.
ولكن قبل أن تنخرط في البكاء أمام الآخرين طلباً للدعم، عليك أن تتذكر أن دراسات أخرى تشير إلى أن هذا الأمر قد يؤدي في الواقع إلى خلق شعور بالخجل والارتباك.
وهل للبكاء فوائد صحية،وما هي تأثيراته على أجسادنا؟
يبدو أن البكاء، في أحسن الاحتمالات، لا يحدث تأثيراً يذكر على الجسم، حسب تقرير الموقع الأسترالي.
وفي أسوأ الحالات يولد قدراً من الانفعال الجسدي.
وقد أجريت بحوث مخبرية، لمعرفة ما إذا كان البكاء يقلل أو يؤثر على مستويات هرمون التوتر (كورتيزول)، وما إذا كان له فوائد صحية على الجسم، مثل الشعور بالخدر، الذي قد يفسر سبب بكائنا عندما نعاني من الألم الجسدي أو العاطفي.
له تأثير لافت على التنفس
وقد توصل الباحثون بعد هذه الاختبارات إلى أن البكاء ليس له تأثير على مستويات التوتر.
كما لم يظهر الأشخاص الخاضعون لهذه الدراسات، قدرة على تحمل الألم أكبر من الذين لا يبكون.
لكن الأفراد الذين انخرطوا في البكاء كانوا أكثر تحكماً في نسق تنفّسهم، مما يطرح فرضية أن الناس أحياناً يحبسون أنفاسهم أثناء البكاء في محاولة لتهدئة أنفسهم.
بعبارة أخرى، قد يميل الأفراد إلى سلوك البكاء كمرحلة أولى قبل تهدئة أنفسهم.
ولماذا تبكي النساء أكثر من الرجال؟
بشكل عام، تبكي النساء أكثر من الرجال.
ويبرز هذا الاختلاف بين الجنسين انطلاقاً من عمر 11 عاماً.
ورغم وجود تكهنات بأن هذه الفروق تحدث بسبب التطورات الفيسيولوجية للأنثى أثناء فترة البلوغ، فإنه لا يوجد رابط علمي مؤكد بين كثافة البكاء والدورة الشهرية.
والسبب الأكثر ترجيحاً للاختلاف بين مستويات بكاء الذكور والإناث هو تراجع معدل البكاء لدى الذكور خلال فترة المراهقة مقارنة بالطفولة، التي يتقارب معدل البكاء فيها بين الجنسين.
وربما يكون العامل وراء امتناع الذكور عن البكاء عند بلوغهم مرحلة المراهقة هو التوقعات الثقافية من الرجال في مجتمعهم.
إذ إن الرجل يفترض به أن يكون صلباً ومتحفظاً من الناحية العاطفية، ولا يعبر عن مشاعره بشكل صريح مثل النساء.
وبالتالي، تفوق نسبة الرجال الذين يشعرون بالخجل من البكاء أكثر بكثير مما هي عليه في صفوف النساء.
لكن البكاء لا يسيء لصورة الرجل كما يشاع
غير أن اللافت للنظر أيضاً أن الدراسات أظهرت أن الرجال الذين يبكون في سياقات عاطفية ملائمة، يتمتعون بجاذبية اجتماعية أكبر من بين الأفراد الذين لا يبكون، كما لا ينظر إليهم على أنهم يشكون من نقص في الرجولة.
وأظهرت دراسات أخرى أن الرجال يقرّون ببكائهم أكثر، في حالات الوفاة، والانفصال، ووفاة حيوان أليف، أو وداع شخص عزيز.
ولكن النساء في مختلف الثقافات يتحدثن عن بكائهن بكثافة أكثر، وغالباً ما يؤكدن أن حالتهن النفسية تتحسن بعد البكاء، بقدر أكبر مما يشعر به الرجال.
ما هو المعدل المناسب للبكاء؟
يعد البكاء تجربة شخصية.
وبالتالي يكون مدى استعداد المرء لذرف الدموع، وعدد المرات التي يقوم فيها بهذا الأمر، مرتبطاً بالثقافة التي يعيش وسطها وجنسه ومدى انفتاحه العاطفي.
ومن المهم دائماً تذكر أن البكاء هو جزء من التعبير عن المشاعر والانفعالات، وليس جزءاً من المعاناة ذاتها.
أما حقيقة فوائد البكاء بالنسبة للجسم والحالة النفسية، فهي مسألة مرتبطة أيضاً بحكمنا الشخصي.
يدعي البعض أن البكاء يجعل شعورهم أسوأ مما كان عليه قبل ذلك.
في حين يقول آخرون إنهم يبكون لاعتقادهم أن ذلك من شأنه مساعدتهم على تجاوز وضعهم والتخفيف عليهم.
ولكن إذا كنت تشعر بأنك تبكي أكثر من المعتاد، فربما من الأفضل التفكير جيداً في سبب هذه الحالة، وطلب المساعدة من الآخرين.