يتخوف مبروك حمة من انتشار الأخبار التي تفيد أن قهوة الجزائريين قاتلة بسبب المواد التي تتضمنها. توجه صباح 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، إلى دكان قريته بمنطقة القبائل الصغرى شرق الجزائر العاصمة، ليشتري علبة قهوة، وكله حيرة بخصوص الماركة التي سيختارها فالأخبار تشير إلى أن أغلب القهوة التي يستهلكها الجزائريون مغشوشة.
مزيان صاحب الدكان استقبل مبروك بابتسامة عريضة، وكلمه باللغة الأمازيغية المحلية "ذاشو ثكفاياك القهوة قوخام"، أي "ماذا.. انتهت القهوة في بيتكم؟"، ليرد مبروك هو الآخر بابتسامة مماثلة "ثكفا ويزمر آتكفو" أي "انتهت.. وممكن أن نقاطعها كلياً".
فكلاهما يعلمان بنتائج التحاليل التي أجريت على القهوة المنتجة في البلد، بعد جهل تام بما كانت تحتويها تلك العلب المغلفة بشكل يلفت الأنظار، وومضات الإشهار.
84 % من القهوة مغشوشة
خلصت التحاليل التي أشرفت عليها المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، إلى أن أغلب القهوة المنتجة محلياً مغشوشة، ولا تراعي مقاييس الإنتاج العالمية، من حيث المحتوى والمضافات الممزوجة.
وأكد رئيس المنظمة مصطفى زبدي في حديثه لعربي بوست "أن ما نسبته 84% من القهوة التي كان يستهلكها الجزائريون مغشوشة، بالنظر إلى نسبة السكر الممزوج، وعدم احترام المضافات الغذائية التي يكون ضررها في الغالب أكثر من فائدتها".
التحاليل التي أجريت على 12 علامة تجارية للقهوة في الجزائر بحسب المتحدث، أشرفت عليها 03 مخابر معتمدة، وتابعة لوزارة التجارة، "ما يعطي لنتائج التحاليل مصداقية، بعيداً عن اعتبارات شركات الإنتاج".
تلك التحاليل توصلت، يضيف مصطفى زبدي، إلى أن 5 علامات تجارية فقط من مجموع العينات التي وجهت للتحليل، وجدت مطابقة للمعايير بنسبة سكر منعدمة، أو موجودة بنسبة مقبولة لا تتعدى 3%".
أما بقية العلامات فنسبة السكر والمواد الحافظة والمضافات الغذائية بها، موجودة بنسب غير مقبولة، لا سيما في علامتين تجاريتين معروفتين وطنياً، عثر فيهما على نسب عالية من المحتويات الممنوعة والمضافة فوق ما هو مسموح بأضعاف".
وكانت المنظمة الوطنية لحماية المستهلك، قد نظمت ندوة صحفية خصيصاً لكشف تجاوزات بعض الشركات في إنتاج القهوة، وإعلان نتائج التحليل النهائية لمحتويات القهوة المسوقة محلياً.
قهوة بمواد مسرطنة
نتائج التحاليل التي أجريت على القهوة في الجزائر، أكدت بأن أغلبها يحتوي على مواد مضرة بصحة المستهلك، وهناك حتى تلك المنشطة للخلايا السرطانية.
وفي هذه القضية أكد مصطفى زبدي في حديث لعربي بوست "أن ما يثير القلق أكثر هو أن الأنواع التي تحتوي على نسبة كبيرة من مادة (الأكريلاميد) الناتجة عن تفاعل السكر مع أحد أنواع الحمض أثناء التحميص، هي الأكثر استهلاكاً وطلباً من قبل عشاق هذه المادة".
ويجهل المستهلك بأنه بتمازج هاتين المادتين بعد التحميص، تشكلان خطراً على الصحة العمومية، ويصل حد التسبب في الإصابة بمرض السرطان، لأن مادة ( الأكريلاميد) معروفة بتنشيطها للخلايا السرطانية في الجسم".
وكانت وثيقة صادرة عن منظمتي الصحة العالمية ومنظمة الأغذية الزراعية التابعة للأمم المتحدة سابقاً، أكدت أن الارتفاع الوبائي لحالات الإصابة بالسرطان في الجزائر يعود إلى استهلاك الجزائريين لأنواع رديئة من القهوة تمزج بالسكر الأبيض وحرقها بدرجات حرارة عالية تفوق 120 درجة مئوية.
تحميص القهوة الممزوجة بالسكر في درجة حرارة عالية جداً بحسب الوثيقة، يتسبب في التفحم التام للسكر الأبيض الممزوج بالقهوة التي تتحول إلى مادة شديدة بفعل تحول السكر المحترق إلى مادة (الأكريلاميد) المسبب الرئيسي للسرطان.
الوثيقة كشفت أيضاً بأن مادة (الأكريلاميد) تستعمل في العادة لإنتاج البلاستيك والغراء والورق والعطور وكذلك في بناء السدود والأنفاق قبل أن يتم اكتشافها في مختلف أنواع الأغذية الطبيعية التي تتوفر على كميات عالية من السكر أو تلك التي يضاف إليها السكر بطريقة غير مدروسة.
ثغرة قانونية يستغلها أصحاب ماركات القهوة المغشوشة
تؤكد المادة 19 من القانون الخاص بإنتاج وتسويق القهوة في الجزائر، بأن المنتجين الذين يدمجون السكر و الكراميل أو النشأ في عملية التحميص لابد لهم من الإشارة بطريقة واضحة ومرئية وغير قابلة للمسح تسمية "قهوة محمصة بالسكر" أو "قهوة مطحونة محمصة بالسكر".
وينص المرسوم المتعلق بذات الغرض بأن معدل المواد المضافة لا يجب أن يتجاوز 3 % من حجم المنتوج الكامل بما فيها الدمج بالسكر الأبيض، وهو ما اعتبره مصطفى زبدي ثغرة استغلها المنتجون والمسوقون.
وعاد المتحدث إلى المرسوم التنفيذي رقم 17-99 المؤرخ في 2017، والذي جاء لينظم إنتاج وتسويق مادة القهوة بعد جملة المخالفات المسجلة سابقاً، بالقول "بأن المرسوم أصبح يستغل لأغراض إضافات زائدة عن حدها، في ظل غياب رقابة صارمة".
هذا المرسوم يشترط "الإظهار الصريح لطبيعة القهوة المسوقة، إن كانت قهوة صافية أو قهوة محمصة بالسكر، لكن ذلك لم تره المنظمة الوطنية لحماية المستهلك في أغلب العينات التي قامت بتحليلها.
وفوق ذلك فهذا القانون يضيف زبدي" يفرض على منتجي القهوة، الكشف على قائمة المضافات كانت منكهة أو غذائية، ليطلع عليها المستهلك، لكن ذلك ما كان غائباً على واجهات علب القهوة الموجهة للاستهلاك".
وقد طالب المتحدث من وزارة التجارة تعديل القانون بما يخدم صحة المستهلك وتنظيم تسويق القهوة.
لماذا الصمت؟
قبل سنتين من الآن، كشفت مديرية الضبط بوزارة التجارة الجزائرية، خروقات كبيرة فيما يتعلق بإنتاج وتسويق القهوة، لكن الحديث عن تلك المخالفات دون متابعة الإجراءات للتحقيق فيها يعد خطأ كما يراه المتتبعون.
فوزارة التجارة في نظر منظمة حماية المستهلك، هي التي من شأنها أن تتحرك وتقوم بالتحاليل وتنشرها ليعرفها الجميع، لأنها سلطة فوق الجميع في حقل التجارة والتسويق، وكل القوانين تحميها.
وما قامت به المنظمة كما يصرح مصطفى زبدي قد يعرضها إلى ضغوطات ومتابعات قضائية، رغم أن التحاليل أقيمت بمخابر معتمدة من قبل الدولة، وعلى وزارة التجارة إعادة التحاليل ونشرها باسم الهيئة الأعلى في هذا الشأن.
واستغرب زبدي أن تتحدث الوزارة أو الحكومة أن مخالفات دون التحقيق والكشف عن نتائج ذلك، ما دام الأمر متعلقاً بصحة المواطنين.
عناصرنا منتشرة في الميدان
أحمد بن واري مفتش بالمديرية الجهوية للتجارة، يؤكد لعربي بوست بأن "جل الأعوان والفرق التابعة لوزارة التجارة تقوم بعملها بشكل طبيعي ويومي، وهي تسجل مخالفات بالجملة في عدد من المجالات الإنتاجية والتسويقية.
وقال بن واري بأن المديريات الولائية والجهوية، في حال تأكيد وجود مخالفات تقوم مباشرة بتحرير ملف وتحويله إلى العدالة باسم المخالف أو المتورط، ففي مجال القهوة مثلاً فهناك عدة قضايا عالجتها فرق التفتيش والمراقبة التابعة لوزارة التجارة لأشخاص قاموا بطحن القهوة بورشات سرية وتسويقها بطريقة فوضوية".
وبشأن التحاليل الأخيرة للمنظمة الوطنية لحماية المستهلك، واكتشافها بأن ما نسبته 84% من القهوة مغشوشة، فأكد المفترش "بأن الوزارة لن تبقى مكتوفة الأيدي، وستحقق مع الشركات والمنتجين المعنيين.
واعتبر أحمد بن واري أن منظمة حماية المستهلك من الهيئات الفاعلة على المستوى الوطني، وهي شريك لها دور في تنوير الرأي العام ومساعدة الوزارة في سلسلة تحقيقاتها وملاحظاتها.
نسعى لكشف المتورطين في القهوة القاتلة
إن كانت المنظمة الوطنية لحماية المستهلك قد كشفت عن الأنواع الخمسة للقهوة التي وصفت حسب التحاليل علامات مرضية ومقبولة من حيث طبيعة المنتوج، فإنها بقيت صامتة بشأن الأنواع المغشوشة.
تصنيف العلامات التجارية المذكورة بالاسم حسب المنظمة، جاء لاعتبار خلو القهوة من السكر الأبيض أو النسبة التي تتوفر عليها أقل من ثلاثة %، بناء على الخصائص التي يجب أن تتوفر فيها القهوة، وكذا شروط وكيفيات عرضها للاستهلاك، التي يحددها المرسوم التنفيذي رقم 17-99 المؤرخ في 2017.
واكد رئيس المنظمة لعربي بوست بأن هيئته ستواصل عملها في هذا الحقل بعد ثلاثة أشهر من الآن، وستكرر عملية تحليل العينات واعتماد مخابر أخرى للتأكد من انصياع المنتجين لنتائج التحاليل الأولية أو العكس.
وفوق ذلك هدد المتحدث بكشف العلامات المتورطة في الغش وبالاسم بعد المدة الممهلة والمقدرة بثلاثة أشهر، خاصة علامتين معروفتين منها على المستوى الوطني، وطلب من الشركات المنتجة إعادة النظر في طريقة إنتاج وتسويق القهوة.
المواطن مبروك حمة وفي حديثه لعربي بوست "طلب من الحكومة عدم السكوت لما يحدث في حق المستهلكين، وعليها أن تكشف قائمة الغشاشين ومعاقبتهم وسحب منتوجهم إن كان يضر بصحة المستهلك".
المقاطعة والعودة للقهوة التقليدية
أمام نتائج التحاليل التي صدمت الجزائريين، اختار عدد من المواطنين انتهاج أسلوب المقاطعة، كوسيلة للحماية من الأخطار التي قد تحملها القهوة المعلبة.
وان كان مبروك حمة صاحب الـ50 ربيعاً، قد قرر الاعتماد على الماركات التي قالت عنها منظمة حماية المستهلك من أنها احترمت إلى حد كبير معايير إنتاج وتسويق القهوة، فإنه يؤكد مقاطعة ما يتم تقديمه في المقاهي لأنها مجهولة المصدر.
أما عبد الحميد بسكري من ولاية برج بوعريريج شرق الجزائر، فقرر بشكل نهائي مقاطعة القهوة المطحونة، المحمصة والمعلبة التي تباع في المحلات.
وقال بسكري لعربي بوست "إذا أرادت العائلة شرب القهوة فسأعمد إلى شراء حبات البن وطحنها بالبيت كما كنا نعمل في وقت سابق، أما ما يأتينا جاهزاً فسنقاطعه بشكل نهائي".