لقد تسبب معهد الطب الأميركي (IOM) بصدمة كبيرة للمتابعين في تقريره الشهير (البشر يخطئون)
(To Err Is Human)، عندما قدر أن عدد حالات الوفاة الناجمة عن أخطاء يمكن تلافيها في المستشفيات الأميركية قد يصل إلى مائة ألف حالة في السنة لتحتل مركزاً متقدماً على قائمة مسببات الوفاة.
لقد شكل هذا التقرير علامة فارقة، ونقطة بداية لمعظم الجهود المعنية بسلامة المرضى في الولايات المتحدة والعالم، فلطالما كانت الأخطاء الطبية موضوع نقاش على نطاقات ضيقة في الأوساط الطبية، لكن أحداً لم يكن يتخيل حجم المشكلة، أو أن يعترف بها على الملأ.
فالأخطاء الطبية تحدث في كل مكان، ولا يمكن لأحد أن يدعي الحصانة منها، وهي تحدث في الغالب من قبل أُناس ذوي كفاءة عالية ونية حسنة (الأطباء)، لكنها الطبيعة البشرية بكل حالات ضعفها وسهوها
وعدم اتصافها بالكمال. فالطبيب في ممارسته للمهنة يضع نصب عينيه أحد أهم وأقدم قواعد الطب
"لا تسبب ضرراً".. فلا يوجد طبيب يقدم على علاج مريض وفي نيته إحداث الضرر، لكن الضرر قد يحدث لأسباب عدة أشبعها أهل الاختصاص دراسة وتوسعوا فيها ولا يتسع المجال هنا لذكرها وليس هذا ما أقصده من هذا المقال.
تشير كل الدراسات التي تناولت هذا الموضوع المهم والحساس، أن السبب الرئيسي لـ90% من الأخطاء الطبية هو خلل في الأنظمة المعتمدة في العملية الطبية، وليس في الطبيب، إذاً هي ليست مشكلة "ثمرة فاسدة" في صندوق إذاً لكان التخلص منها سهلاً، لكنها في معظم الأحيان نتيجة خلل بنيوي في النظام الطبي المعتمد.
لكننا عندما نتعامل مع خطأ طبي، فإننا للأسف نلجأ إلى غرائزنا البدائية بالبحث عن مذنب لإلقاء اللوم عليه وإراحة أنفسنا من مشقة البحث عن حل جذري للمشكلة.
فأسهل الحلول في هكذا مشاكل هو اللجوء إلى سياسة العقاب الفردي، لنصحو بعد حين على مشكلة أخرى تبحث عن مذنب جديد وهكذا دواليك.
هكذا ثقافة وممارسة تؤدي بالضرورة إلى التغطية على الأخطاء وعدم الاعتراف بها أو حتى مجرد بحثها وبالتالي تراكمها.
ما لم ينتبه الجسم الطبي إلى ضرورة علاج هذه المشكلة ضمن الأطر المناسبة، ستبقى تربة خصبة يرتع فيها كل صاحب هوى، ومحترف إثارة، مما يسيء للمهنة وأهلها وسنبقى أسرى نراوح بين منكر لوجود أخطاء طبية (لا يوجد أخطاء في مستشفانا) وبين باحث عن الإثارة (القتل بأيدي ماهرة) على حد تعبير أحد الكتّاب، وبين هذا وذاك تضيع الحقيقة العلمية.
نحن مدعوون هنا إلى إشاعة ثقافة الموازنة بين المساءلة الفردية، وفي نفس الوقت الابتعاد عن ثقافة التلاوم والعقاب الفردي التي تؤدي إلى التكتم على المشكلات، وعلينا أيضاً الانتباه إلى جذور المشكلة وعدم اللجوء إلى الحلول التسكينية المؤقتة.
وبالتوازي مع هذا نحن مدعوون لخلق بيئة تشريعية وقانونية عصرية، تحفظ حق المريض في حال ثبوت الخطأ، وتحمي الطبيب من أن يحاكم جنائيًّا وعشائريًّا على خطأ قد لا يكون ارتكبه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.