بالقرب من شمال المغرب تقبع إحدى أجمل المدن الصغيرة، والتي لُقبت بباريس الصغرى وريحانة الجبال، فيما يلقبها معظم المغاربة بـ"دار الضمانة"، مدينة وزان التي يرتبط اسمها بقدمها، لعبت المدينة دوراً كبيراً في التاريخ المغربي، فيما شهدت توسعاً عبر الزمان إلى أن طالها النسيان حتى أصبح سكانها يلقبونها بالمدينة المنسية.
مدينة منسية وتاريخ عريق
بالاستناد إلى بعض الروايات يعود تاريخ المدينة إلى العهد الروماني، إذ شكلت طريقاً واصلاً ما بين مدينة طنجة شمال المغرب ومدينة وليلي القريبة من فاس، أما بعض المراجع التاريخية فتعيد تاريخ المدينة إلى القرن الرابع عشر.
نسبوا ذلك لمخطوط الإشارة والبشارة في تاريخ بني مسارة الذي يستند إلى مخطوطات بني مسارة التي سجلت عن وزان ما وقع لهم بسوقها زمن المرابطين وأيام الموحدين من حروب مع قبيلة "مصمودة" في ذلك الوقت.
بدأت المدينة في الازدهار خلال القرن 17 عند نزول المولى عبد الله الشريف إليها، وأسس بها إحدى الزوايا الصوفية بالمغرب والتي عرفت بعدها بالزاوية الوزانية، وأصبحت مدينة يقصدها الناس بقصد العلم والفقه.
تعرف المدينة إلى اليوم بإشعاعها الديني عبر بوابة الساحة الدينية، وخاصة موسم المولى عبد الله الشريف، والذي يضم ملتقى حول التصوف والإنشاد، وتمتاز بموروث ثقافي خاص وتسمى المدينة الحصينة لخلوها من الحانات، ولأنها شكلت على مر العصور ملتقى للطرق، في حين لم تُحط بأسوار ولا بوابات محصنة، ومثّلت دار ضمان (حصناً آمناً) لمن دخلها من الثوار والمتمردين.
تشتهر مدينة وزان بالعديد من الأماكن التاريخية، من بينها الحمامات القديمة والمساجد، بالإضافة إلى الفرن القديم وساحة الزاوية، ولعل أشهر مكان فيها مكانة "ساعة وزان" التي يعود تاريخها إلى سنة 1890.
الصناعة التقليدية في دار الضمانة
يقصد المغاربة مدينة وزان لاقتناء الجلباب التقليدي الرجالي، إذ تعرف المدينة بجودة الجلاليب وتصميمها الفريد الذي يختلف عن الجلباب الفاسي من حيث المادة الأولية، إذ تعرف المدينة بالنسيج والصوف؛ لهذا تعد الجلابة الوزانية أكثر سمكاً وسخونة من غيرها في المغرب.
كما تمتاز وزان بالحرف التقليدية المتعددة، منها طرق الحديد والنجارة والحدادة، بالإضافة إلى سوق الحايك، وهو اللباس التقليدي لنساء شمال المغرب قديماً.
تعتبر شجرة الزيتون واحدة من مميزات مدينة وزان، فهي تستند عليها في نموذجها الاقتصادي والتنموي، كما تستند على صلابة جبل بوهلال وراءها، وتنتشر أشجار الزيتون بإقليم وزان على مساحة مزروعة تقدر بـ63 ألفاً و800 هكتار، وبإنتاج سنوي يصل إلى خمسين ألف طن تقريباً.
مكانة وزان.. ربع قرن دون تصليح
تعتبر مكانة وزان من أهم ما يميز المدينة وأحد أقدم معالمها، إذ تحظى المعلمة المتواجدة بشارع محمد الخامس بدور مهم خلال الشهر الفضيل، لما تمثله من رمزية ودلالات تاريخية وثقافية واجتماعية من خلال صافرة تنذر الصائمين بحلول موعد الإمساك والإفطار على حد سواء.
حسب موقع "هيسبريس" المغربي، استخدمت هذه الساعة في رمضان بشكل خاص، إذ اعتبر صافرة "المكانة" أو "الطّوَّاطَة"، وفق المنطوق المحلي لدى ساكنة دار الضمانة، أحد أهم مظاهر الاحتفال بشهر رمضان وعيد الفطر التي حافظ عليها الوزانيون حتى مع التطور التكنولوجي.
يعود تاريخ صناعة الساعة إلى سنة 1890 في سويسرا وتعتبر من أقدم الساعات الضخمة في المغرب، والمتواجدة في شارع محمد الخامس بالمدينة، لم تعد الساعة تشتغل منذ أزيد من ربع قرن، إلا أن ساعات الإفطار والإمساك كانت تعين من أجل إطفاء الأجواء الرمضانية والعيد إلى المدينة.
لم توضع الساعة في المدينة إلا في سنة 1920 في فترة الحماية الفرنسية، استمرت الساعة في الاشتغال إلى حدود أواخر القرن العشرين بسبب عطل ميكانيكي.
وحسب تقرير جاء على القناة الثانية المغربية في 18 أبريل/نيسان 2023 قام أحد الميكانيكيين المغاربة بإصلاح العطر الذي تجاوز العقدين من الزمن لتبدأ الساعة في الاشتغال مرة أخرى.
رغم توفر المدينة على العديد من المساجد التي تسمع الآذان في جميع الأزقة والأحياء، إلا أن سكان المدينة يعتبرون دقات الساعة من أهم أشكال الاحتفالات والأجواء الرمضانية التي تزامنت مع هذا الشهر وأيام العيد.