يتوافد ملايين السائحين على ماليزيا سنوياً، ولا تكتمل رحلتهم إلا بزيارة مدينة ملاكا التاريخية، حيث من أشهر معالمها مسجد "كامبونج هولو"، أو "قرية هولو"، والذي يعد أقدم مساجد المدينة، وأحد أقدم المساجد في ماليزيا.
إذا كنت أحد هؤلاء الزوار.. فعليك أن تستعدَّ لشيءٍ لم تعتده من قبل، فهذه المنارة التي تنتمي في تصميمها إلى الطرز المعمارية للمعابد الصينية، ليست هي وحدها أبرز ملامحه، فهناك كذلك تصميم سقف المسجد، ومنبره.
دكتور محمد معتز، كان أول من التقاه "عربي بوست" من زوار مسجد "هولو"، حيث وقف بجلبابه الأبيض يصلي ركعتين تحية للمسجد، ثم يعتلي منبره ذا التصميم الأشبه كذلك بالطرز الصينية، ليلتقط صوراً تذكارية هناك.
يقول "معتز": "أنا سوري، ولكني مهتم بالاطلاع على تاريخ الملايو القديم، ومالكا هي من أقدم المدن التاريخية في بلاد الملايو، وقد أثارت أطماع الغزاة، ولذا هدم البرتغاليون مساجدها وقصور سلاطينها وأقاموا مكانها قلاعهم".
وتابع "معتز" الحاصل على الدكتوراه في التاريخ والفقه الإسلامي "أبهرني احتفاظ مسجد هولو بطرازه، من حيث الشكل، وكذلك الطابع القديم، دون تدخلات حديثة، فقد استعمل الخشب في كافة مكوناته، من الأعمدة للسقف وحتى النوافذ، وكذلك استعمال البحرة (بركة الوضوء)، فضلاً عن ملامح من الحضارة اليمنية".
ويضيف "لأول مرة أدخل هذا المسجد العظيم، ولكني شعرت فيه بروحانية وطمأنينة بشكل كبير، فهو يحتفظ بأصالته، ورغم الطراز الصيني لمنبره، إلا أنه تم بناؤه وفق السنة النبوية على 3 درجات فقط".
ووفق المراجع المتاحة، فقد تم بناء مسجد "هولو" بين عامي 1720-1728، خلال فترة الاحتلال الهولندي لملاكا، وتم تجديده سنة 1892.
أما النمط المعماري للمسجد هو التقاطع بين كل من الطراز الجاوي (في جزيرة سومطرة)، والصيني والهندوسي وأهل ملاكا من الملايو.
"زاوية" (57 عاماً)، مدير عام في شركة ماليزية، ومقيمة في كوالالمبور، كانت تهم بمغادرة المسجد، حين أوقفتها لأسألها عن سبب زيارتها فأجابت "عندما أتيت إلى مالاكا بحثت عن أقدم مسجد فيها، مثلما فعلت في كوالالمبور، منذ بضعة أعوام، ووضعت هناك صدقة، ولقد وجدت هنا هذا المسجد، فجئت وصليت ركعتين تحية للمسجد، ثم وضعت صدقة، ونيتي أن يتقبل الله ويأجرني يوماً ما حين أرى هذه الصدقة قد استخدمت لجعل هذا المكان أفضل".
وبالفعل يجري في محيط المسجد تجديدات وتوسعات جديدة.
بدا التأثر في صوت "زاوية"، وهي تتابع "أنا أم وحيدة، وهذا ابني الأكبر، اسمه شافعي، وهو قد تخرج من الجامعة للتو، وأردته أن يأتي معي ليرى الأشياء القليلة جداً التي تفعلها أمه، راجية الله أن يعود أجرها بالبركة على أبنائها، فأنا لن أبقى في الحياة للأبد، وأريدهم أن يروا ما يمكن أن نفعله من خير في حياتنا اليومية، وكشف يعود أثره علينا".
يبدو أن قصة إنسانية خاصة تقف خلف دموع "زاوية"، التي انهمرت وهي تؤكد "صدقيني أينما يمكن أن تضعي الصدقة، فإن هذا سيعود عليكم بكثير من البركة، وهذه أكبر نعمة من الله أن يعينك على تقديم الصدقة، ثم يجزيك عنها خلال وقت قليل جداً.. صدقيني".
طبلة ومدفعان
تم استبدال جميع الهياكل الخشبية الأصلية للمبنى باستثناء الأعمدة الأربعة الرئيسية، وهيكل السقف بالخرسانة، أما المدفعان الصغيران أمام مدخل صحن المسجد فمن السهل على القادمين من بلاد عربية إدراك المغزى منهما، حيث كانا يطلقان في بداية شهري رمضان وشعبان من كل عام، وفق "محمد جعفر"، أحد السكان المحليين المقيم بجوار المسجد، ويؤدي فيه غالباً كافة الصلوات خلال سنوات عمره التي تجاوزت 65.
أما الطبلة التي وضعت في منصة خاصة أعلى البوابة الرئيسية للمسجد، فيقول جعفر "اعتدنا أن يتم قرعها في وقت الإفطار والسحور في رمضان لإخطار الصائمين بدخول الوقت". واعتلى "جعفر" السلم المؤدي للطبلة ليرينا بشكل عملي كيف تعمل.
وفي الساحة الخلفية للمسجد يمكنك العثور على قبر السيد "عبد الله الحداد"، وهو معلم ديني مشهور، يعتبره كثيرون أحد الأولياء الصالحين، وهناك روايات أنه من مدينة حضرموت في اليمن.
لو فكرت يوماً في زيارة مسجد قرية "هولو"، فننصحك أن يكون جزء من جولة المشي في شارع جونكر السياحي القريب، والذي ستجد فيه الكثير من الهدايا التذكارية التي تعكس الثقافات المتنوعة، الصينية والهندية والملايو، ويمثلون الأعراق الرئيسية الثلاثة في ماليزيا، بالإضافة إلى تذكارات خاصة بمدينة ملاكا التي لها خصوصية ثقافية نظراً لما مر بها من غزاة، برتغال، وهولنديين، وبريطانيين.